مرافقةُ المعنى لأي كلمةٍ هو من الأمور البديهة فلا توجد كلمات بدون معنى وإن وجدت فهي مهملة لا يمكن أن يستخدمها أحد لأن الغاية من التكلم واستخدام أي لغة هو إيصال معنى يفهمه الآخر، والكلمةُ الواحدةُ قد تحتمل أكثر من معنى في آن واحدٍ خصوصا في اللغات الغزيرة بالمفردات.
لنأخذ هذه الفكرة العامة ونطبقها على مستوى البشر، فما دامت الكلمات تحمل معنى ومعاني فهل هناك للإنسان معنى!
الإجابة تحتاج إلى المناقشة أكثر من حاجتها ل(نعم) أو(لا) لنكسر قيود التصديق في إجابة (هل) قليلا ونأخذها إلى الفلسفة!
ما دام الانسان يشغلُ حيزا من الكون، وهو كائنٌ مستهلك أي يكلفُ الأرضَ ماءً وهواءً وطعام ومستلزمات أخرى، فلا بد منه أن يكون ذا وجود أكثر واقعية ونفعية للأرض التي يستغلها، حتى يرتقي إلى مفهوم يفوق الفهم السطحي لتعريف أهل المنطق كونه (حيوان ناطق) بل يغور إلى معناه الأسمى الذي فسره العلماء ب(كائن مفكر).
التفكير: عملية عقلية تهدي إلى الصواب إذا ما كانتْ مادتها الخام مبنية على أساس الفطرة السليمة، فكلما كان غذاء العقل سليما أعطى الأحكام الصائبة، أترك العودة إلى هذا التعريف لاحقا!
لو وُجِهَ سؤال لك ما المعنى لوجودك؟ ستحتاج وقت لتفهم السؤال وسنوات للإجابة عنه
لنخفف من وطئ السؤال، لو سُئِلتَ ما الغاية من وجودك؟ أيضا الإجابة تتبعُ ثقافةَ الفرد في فهم وجودِه منهم من لا يعلم لما هو موجود أصلا! وهذه مشكلة كبيرة كونه يعيش بلا معنى بلا غاية ومحتمل أن يكون بلا هدف أيضا.
لنعود إلى الذي يهدي للتي هي أقوم يقول الباري عز وجل (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) اذن هناك غاية وراء خلق ما بين السماء والأرض فكيف بخلق الإنسان نفسه!
من الآيات التي وجدتُ فيها ضالتي لهذا المقال قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، والخلافة في الأرض تعني قيادتها بالمفهوم العام، والآية الأخرى تحدد أحد المهام التي من المفترض أن يقوم بها الإنسان (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، فمن المهام المناطة إلى الإنسان هي عمارة الأرض والإبداع فيها.
هناك سؤال جوابه يُؤخذ من واقع الحياة، كيف الآن نحن نفكر؟
جلَّ تفكير المجتمع قائما على أن يظهر للعيان بصورة جميلة كاللوحة المعلقة التي تنال استحسان الجميع ويتم تنفيذ ذلك من خلال اختيار أفخر الملابس ومتابعة الجديد والتجميل والانشغال بالشكل الخارجي، ولو أوقفتَ أحدهم وقلت له هل أنت راضٍ عنك؟
تراه منهار بين يديك ينعى عمره، لأنه مجوف لم يمتلئ من الداخل، فلا يعرف ما يريد ولا يريد ما يعرف لأنه لم يفهمه، فحياته تفتقر لمعنى لغاية يواصل بها الطريق.
لنعود الى تعريف التفكير فيه شرط مهم هو (المادة الخام للتفكير) هذه المادة موجودة داخل الإنسان بعنوان الفطرة السليمة لكنها تحتاج إلى وقودٍ يواصل شعلتَها، هذا الوقود هو ما سلبوه من الجيل الحالي وأبعدوهم عنه بسحبهم إلى قشور الحياة وإبعادهم عن الغايات الأساسية لوجودهم _فأضحوا يعانون من التيه_ حتى قَتلوا عمارة أرضهم وفضلوا الهرب للتمتع بسطحية الحياة، وما أوقفوه أيضا هو الإبداع فقد حجموا فكر الشباب وجعلوا عنوان النجاح وظيفة يحصل عليها الفرد، وخلاف ذلك أرهنوه للفشل واليأس.
فما يتحتم على الفرد هو فهم نفسه أولا حتى يتحقق لديه التوازن بين المظهر والجوهر ليظهر بصورة أقرب إلى التكامل وبالتالي يحقق تلك الذات التي تعددتْ كتب التنمية فيها لأنها تقود الانسان للتفكير بصورة صحيحة، فدواؤك فيك وما تُبصر وداؤك منك وما تَشعر وَتزعم أنك جرمٌ صغير، وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ.
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2019-05-28