تقول سلمى: كنت في المرحلة الإعدادية، وفي بداية عام دراسي جديد، فاجأتنا مدرسة مادة الكيمياء بإختبار سريع، وكانت المادة عبارة عن مسائل رياضية، بدأنا الامتحان وكان الوقت 45 دقيقة فقط ملزمين أن ننهي فيها حل أربعة أسئلة كل منها يحتاج الى عدة خطوات من العمليات الرياضية لنصل الى الناتج الذي نحصل عليه عن طريق القسمة الطويلة، وهذه كانت معضلتي الأزلية، بقيت أتصفح ورقة الأسئلة وأنتقل من السؤال الأول الى الثاني ثم الثالث تم أرجع الى الأول وهكذا كانت تمر الدقائق.
رفعت رأسي وإذا ببقية الطالبات شارفن على الانتهاء. لم يتبقَ في القاعة إلا البعض منهن لا يتجاوز عددهنَّ أصابع الكف. نظرت الى صديقتي بجانبي وكأنها شعرت بعجزي عن الجواب. رمقتني بنظرة كأنها مواسية ثم همست بصوتها الرقيق الدافئ لا تيأسي حاولي فالأسئلة جدا سهلة الجواب يأتي عن طريق القسمة. أكملت كلماتها المعدودة ونهضت من مقعدها لتسليم ورقتها. شعرت بانقطاع خيط الأمل مع نهوضها. رجعت الى ورقتي وحاولت بالقسمة التي لا أعرف منها سوى رمزها وأين أضع المقسوم والمقسوم عليه هذه كل امكانياتي فيها.
شعرت بالفشل والأحباط. تمنيت لو أنني في حلم لشدّة الإحباط الذي تملكني. بدأت المدرِّسة تعد الدقائق التنازلية لنهاية وقت الاختبار، هذه العادة السيئة التي لا تود الانقراض من أساليب التعليم في بلدي. ما هي إلا ثوانٍ من الشرود حتى شعرت بقوة سحب الورقة من يدي. وضعت رأسي بين راحتي ولم أكن أود النظر لأي أحد. كنت أعد الثواني لسماع جرس الحرية واللجوء الى غرفتي لأشكو لها شدة فشلي وحزني. دخلت يومها للبيت على غير عادتي حتى ذلك الوجه الباسم الحنون لم أرغب بالتحدث معه.
ذهبت مسرعة لفراشي متظاهرة بالنوم وبدأت أوبخ نفسي!. لما هذا الفشل؟!. ها قد أمضيتِ 9 سنوات من الدراسة ولا زلتِ لا تعرفين كيف حل القسمة؟!. قسوت على نفسي باللوم ثم عدت مصبرة؛ كله بسبب التعليم السيّئ والأساليب الخاطئة ما ذنبي انا؟. ولكن! لمّا لم أجد حلا آخر لأتعلم؟! لما لم أطلب المساعدة من خارج المدرسة؟. مضت ساعة وأنا بين لائمة ومصبرة دخلت صراع مع روحي وروحي!.
فجأة وسط ذلك الضجيج في داخلي شعرت بقوة لا توصف!. قفزت من فراشي وذهبت مسرعة جمعتُ كتب الرياضيات للمرحلة الابتدائية من أخوتي الصغار. وبدأت على ما اعتقد بكتاب الرابع الابتدائي كان يشرح القسمة بخطوات سهلة وواضحة لكونه موضوع لم يدرس بالمراحل السابقة. بدأت خطوة بخطوة مع الأمثلة المعطاة في الكتاب ثم انتقلت الى التمارين مستعينة بالآلة الحاسبة للتأكد من صحة نتائجي.
شيئا فشيء وجدت نفسي أتسلى بلعبة جميلة وأحل تلك الالغاز. لم أشعر بالوقت لشدة استمتاعي، بقيت على هذا الحال الى قريب طلوع ضوء الصباح واستيقظت بكامل نشاطي رغم تأخر نومي. ذهبت الى المدرسة وأنا كلي أمل أن يجروا لنا اختبارا آخر لأمحو فشل الأمس من ذاكرتي وأثبت لنفسي أنني أستطيع النجاح. بعد مرور عامين على هذه الحادثة دخلت الى اختبار الكيمياء ولكن هذه المرة كان اختبارا نهائيا للصف السادس الإعدادي. لصعوبة المادة ومدى مصيرية الامتحان أحضرنا معنا آلة حاسبة آملين أن يسمحوا لنا باستخدامها لاختصار الوقت والتسهيل في إخراج النواتج مضبوطة. وقبل بدء الاختبار عند موعد تسليم الأسئلة قالت المراقبة بصوت تعلوه الصرامة: غير مسموح باستخدام الحاسبة بسرعة ضعوها على الأرض قبل توزيع الأسئلة.
أُحبطتُ قليلا ولكن لم أبدِ اهتماما كبيرا. فمنذ سنتين وأنا أمارس القسمة كلعبة مسلية. ما هي إلا دقائق مضت على بدء الاختبار حتى تعالت أصوات الطالبات بالاعتراض على السؤال الخارجي وعدم السماح باستخدام الحاسبة. فقالت احدى الطالبات: السؤال صعب جدا ومهما حاولت به لم استطع إيجاد الناتج وأحتاج للآلة الحاسبة. استوقفني اعتراضها لوثوقي بقدراتها العلمية فأصابني بعض الخوف والفضول على ما يحتويه هذا السؤال. انتقلت اليه مسرعة وبدأت افكر فيه بتأمل وتركيز. كان السؤال يحتوي على حيلة ذكية كونه خارجي وغير مطروق بالنسبة لنا. ولكن سرعان ما عرفت الحيلة وبدأت بتطبيق الخطوات واستخراج الناتج بسرعة هائلة!. طابقته مع الناتج المعطى لنا في السؤال للتأكد من الحل وجدته مطابقا ولم اصدق ما يحدث!.
كررت الخطوات مرة أخرى وتأكدت أن جوابي صحيح. وقتها ذكرت ذلك الموقف الذي أغلق أبواب الأمل في وجهي ولكنني الآن أجني ثماره اليافعة، فلولا ذاك الفشل ما حصل هذا التفوق. شعرت حينها بفخر كبير لأن كل اللواتي اعترضن على السؤال كن من ذوات المستوى العالي داخل القاعة ويمتلكن علامات عالية في الاختبارات ويتمتعن بنشاط يومي عالي في المشاركة. انتهى الإختبار وبقيت أنتظر النتائج الى أن جاءتني علامة مشرفة في مادة الكيمياء. وها أنا الآن خريجة بكلوريوس علوم رياضيات بمعدل يؤهلني لإكمال الماجستير.
نحمد الله على كل شيء حتى على فشلنا فقد يكون الخطوة الأولى لنجاحنا.
اضافةتعليق
التعليقات