في جلسة نسوية تبادلنا فيها مواضيع شتى أخَذنا موج الكلام فيها لأمزجة الناس المختلفة فقالت إحداهن: انا افهمُ مزاج خطيبي عن بعد فإذا أرسلت له سلاما وكان رده (س.ع أو ص.خ) فهذا يعني انه ليس على ما يرام أو مشغول فاختصر كلامي وانهي حديثي بسرعة أما إذا كان الرد أجمل من السلام أتكلم براحتي معه.
من المؤكد ليس كل إيجاز واختصار هو نتيجة ضجر أو عدم تفرغ إنما تماشيا مع عقارب الساعة الراكضة والحياة العصرية التي أجبرتنا على الإيجاز والاختزال حتى أصبحنا لا نطيق الإسهاب في الحديث والوصف الكثير ولا نستطع أمساك ألسنتنا ونحن نسمع تفاصيل زائدة دون أن نوقف المتكلم بقولنا (أوجز كلامك) ليلملم كلماته ويخبرنا باختصار عما يريد قوله, فنكون ممنونين مستمتعين راغبين لكل من يخبرنا (بما قل ودل) عن ما حدث.
ولا يقتصر الأمر على الحديث فحسب فالقّراء جميعا بمختلف مشاربهم ومستوياتهم الثقافية يميلون إلى تضمين اللفظ القليل لمعنى كبير فهناك كلام استخلصه صاحبه بعد أن دخل جب التأملات ليخرج بفكرة عميقة وحروف قليلة فيأتي مقصده كالصاروخ عندما يلتحم بالهدف فيصيبنا بألم أو غبطة أو يسرح خيالنا بفكرته وهذا هو الإبداع الفكري الذي يمنح الكاتب سمة المبدع مطبق مقولة (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة) وحتى هذه المقولة قد أخذت صداها واشتهرت بين المثقفين العرب في الألفية الثالثة لتشجع الكتاب على ضرورة الإيجاز والتكثيف والابتعاد قدر الإمكان عن الإطناب والإسهاب رغم أن هذه المقولة قد ذكرت في كتاب (المواقف والمخاطبات) للمتصوف محمد النفري سنة 1934.
وهناك اختصار يأتي عن ذكاء حاد وفطنة ويفهمها المقابل لحضوره الذهني وسرعة البديهية، مثل رسالة الروائي الفرنسي فيكتور هيجو وهو في إجازة استرخاء بعد أن سلم روايته الرائعة (البؤساء) الى دار الطباعة والنشر فكانت رسالته تحوي على علامة استفهام(؟), أرسلها للناشر عندها رد عليه الناشر برسالة قصيرة أيضا تحوي على علامة تعجب (!)، لتكون اقصر رسالتين في العالم، ولمن لم يفهم معناهن أقول له الأولى كان فيكتور يقصد بها (ما أخبار مبيعات الرواية) والثانية رد الناشر عليه (إن المبيعات مبشرة بالخير وغير متوقعة).
اضافةتعليق
التعليقات