رمضان هو الشهر المبارك الذي أنزل الله عز وجل فيه القرآن الكريم على نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، قال تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
فقد اقترنت أهمية هذا الشهر بنزول القرآن فيه الذي وصفه الله بأنه هدى للناس فقد خص الله عز وجل لفظة الهدى بما تولاه وأعطاه، واختص ربه دون ما هو إلى الانسان {هدى للناس} وهذه غاية عظيمة من غايات فريضة الصوم.. أن يشعر المؤمن بقيمة الهدى الذي يسره الله عز وجل وهو مكفوف القلب عن المعصية باسط اليد بالعطاء.. إنه يشعر بالهدى بشكل ملموس وعندها فليكبر الله على هذه الهداية وليشكره على هذه النعمة التي جاءت من لدن محب كريم.
إن درس الصوم يتضمن مجموعة من التنظيمات الاجتماعية والعبادات المفروضة مشدودة برباط واحد إلى تقوى الله وخشيته قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
نداء من الحبيب الرحيم الى المحبوب المؤمن {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا..} ليبدأ التكليف {كُتب عليكم الصيام} إن الله عز وجل يعلم ان التكليف فيه من حكمة ونفع، لذا جاءت التقوى بعد ما بين الله جل جلاله أن هذه الفريضة موجودة عند كل الأديان، والغاية الأولى هي اعداد القلوب الخاشعة الخاشية من الله عظم شأنه {لعلكم تتقون} والتقوى في تعاريف الشرع حفظ النفس عما يؤثر، وذلك بترك المحظور، وتجنب الضرر، والحيطة والحذر من كل ما يلحق بالمسلم من الأذى والتقوى هي الطاعة المطلقة والشكر الدائم والابتعاد عن المعاصي، وهي كلمة جامعة تغطي كل جوانب العقيدة والعبادات والسلوك الاخلاقي، وهي صفة من صفات أحباب الله قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} وهنا ارتبط الوفاء بالعهد بالتقوى، وهي سمة أحباب الله وهم الأوفياء الذين إذا عاهدوا أوفوا بعهدهم.. وهذه هي نظرية الاسلام الأخلاقية في الوفاء بالعهد وفي سواه من الأخلاق الحميدة التي يجب التحلي بها، لأن التعامل أولاً هو تعامل مع الله يلحظ فيه جنات الله ويتجنب به سخطه، فالباعث الأخلاقي ليس هو المصلحة، وليس هو عرف الجماعة، ولا مقتضيات ظروفها القائمة.
فإن الجماعة قد تضل وتنحرف، وتروج فيها المقاييس الباطلة. فلا بد من مقياس ثابت ترجع إليه الجماعة كما يرجع إليه الفرد على السواء ولا بد أن يكون لهذا القياس فوق ثباته قوة يستمدها من جهة أعلى.. أعلى من اصطلاح الناس ومن مقتضيات حياتهم المتخيرة.. ومن ثم ينبغي أن تستمد القيم والمقاييس من الله، بمعرفة مايرضيه من الأخلاق والتطلع إلى رضاه والشعور بتقواه.
بهذا يضمن الإسلام تطلع البشرية الدائم إلى أفق أعلى من الأرض، واستناد القيم والموازين من ذلك الأفق الثابت السامق الوضيء.
أما صفات المؤمن المتقي فهي:
- حسن التوكل فيما لم ينل.
- حسن الرضا فيما قد نال.
- وحسن الصبر فيما قد فات.
إن حب الله سبحانه وتعالى للعبد، هو أعلى منزلة يصل إليها الإنسان وأرساها علواً كيف يصل العبد الضعيف إلى محبة القوي الجليل؟.. كيف تسمو الروح المحبوسة في الجسد إلى هذه المنزلة المتسامية التي لا تحدها حدود قال تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} هذه الآية الكريمة ترسم لنا صورتين صورة القوة البشرية وهي القوة المتنفذة في الأرض القادرة على التدمير بما تمتلك من سلطة الخالق وقوته عندما يريد أمراً يقول له كن فيكون.
هذه الآية نزلت لتوضح لنا قوة الحب الالهي الذي خص به موسى (عليه السلام) وهو طفل رضيع أمام جبروت فرعون وقراره ذبح الأطفال.
بالقدرة القادرة التي تجعل من المحبة الهينة اللينة درعاً تنكسر عليها الضربات وتتحطم عليه الأمواج...
لقد حظي المتقون بعناية خاصة من لدن المحب جل جلاله فلا تمتد يد الشر إليهم مهما طالت في الأرض فهم في أمان دائم ونعيم وبركة وسعة في الرزق والعلم ويمكن أن نقف عند بعض الآيات التي تؤكد ذلك وهي:
1- العلم: هو إدراك الشيء بحقيقته، وذلك ضربان: أحدهما: إدراك ذات الشيء والثاني: الحكم على الشيء بوجود شيء موجود له. أو نفي شيء هو منفي عنه قال تعالى: {واتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فهذا الخطاب يهدف الى ايقاظ الضمير واستجاشة الشعور، فهو يدعو المؤمنين إلى تقوى الله ويذكرهم بأن الله جل جلاله هو المتفضل عليهم وهو الذي يعلمهم ويرشدهم، وأن تقواه تفتح قلوبهم للمعرفة وتهيىء أرواحهم للتعليم فيستحقون عند ذلك تلك المتقين.
2- البركات: وهي الفيض الالهي من الخيرات..، {بركات من السماء والأرض} إنه الفيض الهابط من كل مكان النابع من كل اتجاه.. فهي البركات بكل أنواعها وأشكالها.. إن البركة الحاصلة مع الايمان والتقوى هي بركة في الأشياء وفي النفوس وفي المشاعر وفي طيبات الحياة.
3- صلاح الذرية: والصلاح هو ضد الفساد، فالله عز وجل يبعد الفساد عن أهل المتقين؛ لأن الله يحب المتقين قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} هذا هو العدل الالهي وهذه هي القوة الخفية التي تتحرك اتجاه ذرية المتقين – الأيتام – لتحيطهم بالعطف والحنان وليهيىء الله عز وجل لصغار المتقين من يتولى أمرهم بالتقوى.
4- سعة الرزق والخلاص من الكرب: وهو العطاء من لدن محب كريم والخلاص من الغم الشديد قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.
5- حسن العاقبة: العقب والعقبى يختصان بالثواب نحو {هو خيرٌ ثواباً وخير عُقباً}.
6- النجاة من نار جهنم: أية نعمة تلك وأية بشارة أن ينجو العبد من سعير جهنم، قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}.
7- الفوز بالدرجات العليا والنعيم المقيم: قال تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}.
هذا هو وعد الله للمتقين وعد حق كان المسلمون يعيشونه بالحس ويتمتعون بلذة التمعن به بروح تتوق للعيش في هذا النعيم الذي لا نظير له.
(واتقوا الله واعلموا)..
هذا هو الضمان لحسن عقبى الدار للمتقين لمحبة الله فهنيئاً لهم هذه المحبة التي استحقوها لأنهم اتصفوا بصفات وضحها الإمام علي بن أبي طالب - عليه السلام – في خطبة رقم (193) وهي:
1-منطقهم الصواب
2-ملبسهم الاقتصاد
3-مشيتهم التواضع
4-يغضون الأبصار عن المحارم
5-وقفوا أسماعهم على العلم النافع
6-عظم الخالق في أنفسهم فصغر مادونه في أعينه.
7-حاجاتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة.
وقال – عليه السلام – إن لهم علامات تعرفهم منها وهي:
1-الإخلاص في العمل وقصر الأمل واغتنام المهل.
2-صدق الحديث، وأداء الأمانة والوفاء بالعهد.
3-بذل المعروف وحسن الخلق وسعة الحلم.
4-إتباع العلم فيما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
إن ما تقدم يضعنا أمام حقيقة أهمية هذا الشهر الفضيل الذي كتب الله عز وجل فيه الصيام على المؤمنين لعلهم يتقون.. فهو نعيم أيها المؤمن أيتها المؤمنة هذا الشهر له خصوصية فلتكن تلك العلامات والصفات تنور وجوهكم الجميلة بنور التقوى المستمدة من محبة الله عز وجل.
اضافةتعليق
التعليقات