يمكن أن نقول إن طريق التوبة هو الطريق الذي به يَقر ويعترف كل إنسان بضعفه، تقصيره، استكانته، وحاجته لعون معين الضعفاء، ومن خلاله نصل لكمالنا الإنساني، ونكون أقوى أمام مغريات وملاذ الدنيا، ولكي نطمئن أن سيرنا صحيح، ولنحقق الثمرة المطلوبة، كانت لنا هذه الوقفة على باب مدينة علم نبينا الأعظم، وإمام المتقين علي (عليه السلام).
الحب أساس انطلاقة كل تائب
فعن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: [توبوا إلى الله عز وجل وادخلوا في محبته، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والمؤمن تواب](١)، هنا يرسم لنا الأمير الأساس الذي ينطلق منه كل واحد منا ليبني عليه بنيانه المعنوي في إقباله ورجوعه إلى ربه، وهو [الحب] الذي يقوي العبد على ترك المعصية ليتحول إلى المداومة على الطاعة.
فالذي يرجع إلى رب يرى أنه يُحبه ويعطف ويلطف به مع ما هو عليه، يقيناً هذا الإنسان سينجذب بوجدانه أسرع له، ويرجع بشكل أسهل إليه، ويتذوق حلاوة وليس مرارة طريق العودة مما كان عليه.
بخلاف من يكون رجوعه إلى رب يرى جبروته وقهره وشدة عذابه لمن عصاه، سيكون رجوعه رجوع خوف، إذ إن أسلوب ارجاع العصاة من خلال الترهيب والإنذار لم يوصل إلا لنفور من الدين، ولم يقرب العباد من رب العالمين، ونحن لا نقول أن لا تكون هذه النظرة حاضرة فينا بعد تحقيق التوبة، كلا! فنحن نتكلم عن عبد لتوا هو عائد إلى ربه.
أربع دعائم في الطريق إلى التوبة
وعن امام المتقين (عليه السلام) إنه قال: [التوبة على أربع دعائم: ندم بالقلب، واستغفار بالسان، وعمل بالجوارح، وعزم على أن لا يعود](٢).
إذن فأول خطوات السير في طريق التوبة هو [الندم]، أي الاعتراف بالتقصير داخلياً، من دون تبرير أو تحميل الآخرين مسؤولية ما كسبته أيدينا، وتسمى هذه المرحلة بـ"الانفعال" أي حصول حالة يقظة باطنية.
فإن تحقق استشعار الندم في إمام الجوارح [القلب] سيُجري [الاستغفار] على جارحة اللسان، عندئذ تحصل الطهارة الباطنية متى ما قَبِل الله عز وجل توبته، وأَقبل عليه برحمته، وهذه هي الخطوة الثانية.
وهنا سيتجلى [العزم الصادق] في المسير وهي الخطوة الثالثة التي تسمى بــ"الفعل"، أي إن التائب لا يكتفي بإيجاد حالة اليقظة الداخلية والاعتراف اللساني فقط بل يحصل تغيرا عمليا في سلوكه؛ كما ينبهنا الامام علي (عليه السلام) في كلمات نورية أخرى قال فيها: [الذنوب داء والدواء الاستغفار، والشفاء أن لا تعود](٣)، فإن]خير الاستغفار عند الله الاقلاع[ (٤)، أي بترك ذلك الفعل السيء، واكتساب ما يقابلها من فعل حَسن، وبعدم الاكتفاء بترك عمل المعاصي، بل العمل على التعويض المستمر بالإقبال على عمل كل خير وحَسن.
وأن يتوقف عن السير بطريق الظلمة الذي كان يسير به، ويتخذ لنفسه طريقاً يرى ذلك النور الذي يبدد كل ظلمة كانت تحيطه فيه، فالذي تحصل عنده اليقظة ويعرف أنه في الطريق الخاطئ ولا يغيره، هو لم ينتفع من يقظته، وهو لم يصل لحقيقة التوبة بعد، هو لازال في بداية مسيره، لذا فليواصل مستنداً على دعامة العزم على التغيير ليصل.
______
اضافةتعليق
التعليقات