القصة الفائزة بالمرتبة الأولى في المسابقة الأدبية التي أقامها موقع بشرى حياة بمناسبة عيد الغدير
تائهًا في صحراءٍ كبيرةٍ لا انتهاء لها، ألمحُ جماعةً ليست بالقليلةِ من بعيد، أُسرعِ خطواتي تجاههم، أصلُ لأتماهى بينهم.
لا أملك أدنى فكرةٍ عن من أين أتو أو لأيّ هدفٍ هُم سائرون أو أينَ حطتْ بي ساعتي هذهِ المرة وفي أيّ تأريخٍ أنا بالضبط.
أي ساعةً ليستْ كأيّ ساعة، ليسَ لكونها مِن أبي وكوني عزيزهُ إلا أنها أعظمُ ما جاءني من هدايا على مرِّ حياتي، ها أنا أقفُ علي شرفةِ الثلاثين وقد عشتُ ما لم يعشهُ ستينيُّ جابَ الأرضّ كلها طولًا وعرضًا.
تمنحني ساعتي في كلِ سنةٍ فرصة لأعيشَ مغامرةً وحدثًا تاريخيًا كبيرًا هي من تحددهُ لا أنا فأصبحتُ كمنقحٍ تأريخي لأغلبِ الأحداث، أنا يمنيّ الجنسيةِ مسيحيُّ التوجه إن حقّ لي التحديد.
من لباس القوم أكاد أجزمُ بعروبتهم، عرّبُ الجزيرة أو ربما يكونوا عرّب مكة بالتحديد، قادمون أم متجهون لمكة إذاً؟
للهجتِهم غرابةٌ معينة إلا أنها عربيةٌ بالتأكيد، قيل بأنَ اليمنيةَ هيّ الأقربُ للعربيةِ الأصيلة، أستطيع أن أخبرُ من موقعي هذا أن عربَ اليوم جميعًا بعيدونَ كلّ البعدِ عنِ العربية الأصيلة في حديثهم كله.
أرى تمييزًا من القومِ لرجلٍ معين، رجلٌ يغلبُ عليهِ الهدوء ويحملُ طابعًا من الحكمة، تغطي رأسهُ عمامةٌ عربيةٌ، تتشبع تقاسيمْ وجهه بخيرِ الملامح، لهُ هالةٌ لم أرّ رجلًا محاطًا بمثلها من قبل، هالةٌ مميزةٌ تجمعُ الكلّ حولهُ يُهيأُ إليكَ أنّ باستطاعتك أن ترى لها لونًا لوهلة، تراهُ كأنه محاطٌ ببياض، قيلَ أن طاقةَ الشخصِ تُرى أحيانًا إلا أن هذه اللحظة هي أولُ ابصارٍ لها.
يعطيكَ وجوده احساسًا دافئًا يدفعكَ أن تقتربَ منه أكثر، يسحبكَ نحوه، بدأتْ قدماي بالسيرِ دون أدنى تفكيرٍ لأقرب نقطة من هذا الرجل العجيب، تناهى إلى اذنيّ صوتٌ قادمٌ من ورائي بحروفٍ ترتبت لتكونّ اسم مُحمد.
محمد! لا يمكن إلا أن يكون نبيَّ العربِ الأعظم، مُحمد بن عبد الله.
قد تكونُ أعظم لحظةٍ تبصرها عينيّ، مُحمدٌ الذي ملأ كتبَ المسلمين ليومنا هذا، محمدٌ الذي وصلَ لمسامعِ الجميع، عربًا وأجانب، مُسلمين ويهود ومسيح، مُحمد أمامَ عينيّ المجردتين بحضورهِ الفارض هذا.
استدرتُ لأرى من قد يكون صاحبَ الصوتِ القويّ هذا، صدمتين في آنٍ واحدٍ ليست بالشيء الجيدِ أبدا، أنا الآن أمامَ أكثرِ الرجالِ هيبةً ورجولةً وأظن أنها أولَ مرّة أختبرُ الخوفَ والسلامَ معًا يتسللان نحو قلبي من رجلٍ لم تلتقي أطوالنا إلا ببضعِ خطوات قاطعتْ جسده بجسدي لثوانٍ لا تستحق أن تُحسب لقلتها.
ينتابني الآن شعورٌ طفوليّ اختبرته آخرَ مرّة عندما كنتُ في السابعة، لمحتُ جدتي تتهامسْ معَ أمّي حولَ هديتي لدخولِ المدرسة، فضولٌ يقتلني لمعرفةِ من ذا الذي طغا حضورهُ على الجميع، من هو الذي ابتسمتْ عينا محمدٍ هكذا لرؤيته، تنحى مُحمد لهذا الرجل بسرورٍ بالغ، حسب معرفتي الطفيفة بالإسلام وأهله ففرحةِ محمدٍ هذه لا يكونُ سببها إلا عليّا.
وكانَ حقًا ما ظننت فهذا عليّ كما تأكد لي لاحقًا.
بعدَ بُرهة من جلوسهِ جنبَ عليّ طلبَ من الجميع أن يلتفّ حولهُ لكلامٍ مهمٍ يريدُ قوله.
أطاعَ الكلّ ما قال كأنهم جنودٌ مسيّرة.. مسيّرة بالحُب العميقِ لهذا الشّخص، خطبَ بالجميع خطابًا محورهُ الأخوة والمؤازرة وطلب من كلِ واحدٍ منهم أن يختارَ أخًا لهُ في الاسلام على حدِ تعبيره، امتثل كل فردٍ من هذا الجمع لقولهِ وبدأ كلٌ منهم برفعِ ذراع آحدٍ آخر ورفعها وعندها توجهت كل الأنظارِ لمن سيقعُ عليه اختيارُ مُحمد.
كانَ مشهدًا تدقُ لهُ القلوب، كلحظةِ اعلانِ الفائزِ بهديةٍ ملكيةٍ من نوعٍ ما.
حينها ارتبطت يدُ محمدٍ بيدِ عليّ. كانت كلحظةِ اعلانٍ لخليفةِ مُحمد، خليفتهِ في اكمالِ رسالته.
كان الفائزَ بأخوةِ مُحمدٍ العظيم شخصٌ قد يوازيهِ عظمة، وهل هناك أعظم من عليِّ إلا مُحمد. عندها انتهت رحلتي لهذهِ الصحراء وانتهى المشهد لهذهِ اللحظةِ التاريخية التي مازال الكثيرُ مستمرًا في تحريفها.
اضافةتعليق
التعليقات