تفترض البديهة أن نعرّج على العنصر الرئيسي/الثانوي، في معادلة القائد الكاريزمي، ومتلقي خطابه، ومقيّم صورته، ألا وهو: الجماهير.
لا شك أن لكل جمهور نقاط قوة ونقاط ضعف، وما يؤثر ويبهر في هذه البقعة، قد يكون عادياً في بقعة ثانية، وعليه نقول، إن القائد القابض على مفاتيح الجمهور وأحلامهم وغرائزهم في مكان، قد لا يستطيع التأثير في شخص واحد في مكان آخر.
للجماهير تعريفات عديدة، منها المنتمي إلى علم النفس ومنها المنتمي إلى علم الاجتماع، وثمة تصنيفات وضعها فلاسفة ومفكرون وصحافيون، لكننا نبدأ من غوستاف لوبون الذي يعتبر أن الجماهير مجنونة بطبيعتها. فالجماهير التي تصفق بحماسة شديدة لمطربها المفضل أو لفريق كرة القدم الذي تؤيده تعيش لحظة هلوسة وجنون. والجماهير التي تصطف على جانبي الطريق ساعات وساعات لكي تشهد من بعيد مرور شخصية مشهورة أو زعيم كبير للحظات خاطفة هي مجنونة.
والجماهير تحرق اليوم ما كانت قد عبدته بالأمس، وتغير أفكارها كما تغير قمصانها.
إن ذوبان الشخصية الواعية للأفراد وتوجيه المشاعر والأفكار في اتجاه واحد يشكل الخصيصة الأولى للجمهور الذي هو في طور التشكل. ولكن ذلك لا يتطلب بالضرورة الحضور المتزامن للعديد من الأفراد في نقطة واحدة. ذلك أنه يمكن لآلاف الأفراد المنفصلين عن بعضهم البعض أن يكتسبوا صفة الجمهور النفسي في لحظة ما وذلك تحت تأثير بعض الانفعالات العنيفة أو تحت تأثير حدث قومي عظيم مثلاً. وإذا ما جمعتهم صدفة ما كانت كافية لكي يتخذ سلوكهم فوراً الهيئة الخاصة بأعمال الجماهير. ويمكن لنصف دزينة من البشر أن يشكلوا في ساعات معينة من التاريخ، جمهوراً نفسياً...
لكن هل ثمة جمهور حيادي؟ يقول لوبون:
أياً تكن حيادية الجمهور، فإنه يجد نفسه في غالب الأحيان في حالة من الترقب المهيئة لتلقي أي اقتراح. وأول اقتراح يظهر يفرض نفسه مباشرة عن طريق العدوى والانتشار لدى كل الأذهان، ثم يحدد الاتجاه الذي ينبغي اتباعه حالاً. ولدى الأشخاص المستثارين تميل الفكرة الثابتة إلى أن تتحول إلى فعل. وسواء أكان هذا الفعل هو حرق قصر أم القيام بعمل خيري جليل فإن الجمهور ينخرط من أجله مباشرة وبنفس السهولة. وكل شيء يعتمد على طبيعة المحرَّض، وليس على العلاقات الكائنة بين العمل المحرَّض عليه وبين حجم السبب الذي قد يعاكس تحقيقه كما هو عليه الحال لدى الفرد المعزول.
من ناحيته يرى جورج كلاوس أن الكلمات التي تصف الظاهري تحدث تأثيراً سريعاً ومباشراً في الوعي، وفي طبقاته الشعورية قبل سواها. أما تأثير الكلمات الواصفة للجوهري تكون أبطأ بكثير، وتتميز بالتذبذب لأن الوعي لا يقبلها إلا متردداً.
في حين تعتبر منى خويص أنه لمخاطبة الجماهير، على القائد استعمال اللغة الخاصة بها، فانتقائه للجمل العميقة الجادة والمرمزة، لن يلقى صدى بين صفوفها، حيث إنها تتفاعل مع تلك العبارات البسيطة، مع تلك اللغة التي تفكر بها وتستعملها في حياتها اليومية، وفي المناسبات التي لا تقتضي التجييش العاطفي، يفترض به أن يحدثها "بلغة الشارع".
كما أنه كلما تمتع بحس الفكاهة، كلما كان لحضوره صدى إيجابياً، بل لنقل ساحراً بين الحاضرين، والفكاهة لا تخفف أبداً من وقاره وهيبته على العكس تماماً، إنها تعزز مكانته وتجمل صورته في أذهانهم، مع ذلك، لا يستطيع القائد الاستمرار في اللعب على ذات العناوين والمحرضات، والتقاط عصب الجمهور لأوقات طويلة، إلا إذا أحسن هذا القائد كيف يترجم بعض أقواله إلى أفعال، ما يسمح بخلق عناوين جديدة دوماً، دون المساس بالطروحات الكبرى التي بنيت عليها معادلة القائد والجمهور والقضية.
يحتفظ بعض القادة الأكثر فعالية، بصفة الغموض نتيجة لإدارتهم للمسافة الاجتماعية. هذا، بدوره يمكن أن يجعلهم غامضين قليلاً، ومثارين.
إن الأتباع الماهرين، إذاً، يتطلبون بشكل محتم قبول درجة معينة من الغموض. فالأتباع الذين يتوقعون أن يكون لدى القائد جميع الأجوبة هم سذّج ولا تقدم توقعات كهذه أي خدمة لقادتهم.
والنقطة المهمة هي مساعدة القادة على التعلم في عالم معقد وسريع التغير بنحو متزايد. وينبغي أن يشجع الأتباع عملية من الاستكشاف المتبادل فيما يقوم الفريقان بالتغلب على المتطلبات والسياقات المتبدلة.
يمكن أن يصبح بعض الأتباع قادة أثناء العملية. وسيحدث العكس بالتأكيد: هناك دوماً أمكنة يحتاج القادة فيها إلى أن يتبعوا. وفي النهاية، إن واجب الأتباع هو مقاومة الطاعة العمياء ومعرفة متى يسحبون الدعم من القائد الفاشل. يمكن أن يكون هذا خطأ رائعاً. فالقيادة، تستلزم، بنحو حتمي مجازفة شخصية، أحياناً تخطئ الأمور. ويحدث هذا، غالباً وليس دائماً، لأن القادة يخرجون عن خطهم بسبب خطأ مهلك.
اضافةتعليق
التعليقات