حينما تتحمل فوق طاقتك لفترة طويلة من الزمن؛ تبدأ قواك بالتبدد ويتلاشى الأمل في مخيلتك، يتسلل اليأس لزوايا قلبك رويدًا رويدا تفكر مليًا وتعجز عن الوصول ويستحيل لك الحصول على جواز مرور؛ كل الأبواب صارت موصدة وكل الحلول باءت بالفشل، ومؤونة الصبر أوشكت على النفاذ، فلتنتبه, وتأكد أن ليس هناك من يُلاحظ انهيارك البطيء ولن تجد من يشعر حقًا بمأساتك وبحالك الواهن!.
يقول أحمد خالد توفيق: لن يفهموك؛ فأنت تتحدث عن أمر قطعت فيه آلاف الأميال تفكيرًا ولم يمشوا فيه خطوة واحدة! ولن يشعروا بك؛ فأنت تشرح ما جال في قلبك كل ليلة ملايين المرات ولم يطرق قلبهم ليلة! ليس ذنبهم؛ بل هي المسافة الهائلة بين التجربة والكلمات!.
عندما تدرك حقيقة البشر وما ينتهجوه من أسلوب حياة ولدوا فيه وكبروا معه وليس لهم يد في إحداثه، من عدم الشعور العميق والحقيقي بمعاناة الآخر وعدم الاكتراث لأمره بجدية تامة وافتقار وقوفهم إلى جانبه في مواجهة لكل ما يعترض طريقهم حتى نهاية المطاف, متجاهلين كل من يمنعهم أو يخيرهم ويهددهم لسبب قد يعود عليه أو عليهم بالضرر أو ما شابه؛ ليكفوا عن المؤازرة.
قطعًا لا بد لهم أن يتوقفوا عند نقطة ما، أو سينتهي رصيد قدرتهم على مساندتك، فضلًا عن أولئك الذين يدلون بآرائهم المتناقضة ويشوشون على أفكارك بطرح حلول قد تزيد الطين بلة لو عملت بها! وليس هناك من وجود فعليّ لشخص يوآزرك مئة بالمئة دون أن يضعف أو يتردد وربما يتراجع!.
وليس ذلك فقط، بل ستجد من مد لك يد العون من البشر حتى أقربهم إليك يُذكرك بذلك من باب المزاح مثلًا أو لإخبار من ليس لديه علم بما قام به لأجلك وكأنك نسيت! وربما يتفضل ويمّن في بعض الأحيان ويتعالى عليك بل وهناك الأصعب والأمَرّ مِن مَن يتعمد اشعارك بالذل فقط ليتباهى بمقامه وسعة مقدرته, والأتعس منهم جميعا, الذي يطالبك بمُقابل!.
لذلك عندما تشعر بالضيق ينبغي عليك اللجوء لمن لا شبيه له ولا كريم مثله ولا عظيم أعظم منه، ذاك القادر المقتدر الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، الغني عن كل شيء المالك لكل شيء، الذي يحب أن تحتاجه ويعطيك دون مقابل, يمنحك مطلبك ويمطر عليك بخير لايحاسبك عليه أحد ولا يُعَيّرك به مخلوق، اُطلب من الخالق الذي لا يرد سائله ولا يخيب ظن من قصده..
"اترك كل العالم خلفك وتكلم مع الله"، تكلم مع الله حينما يتعدى حزنك حدود الألم لترتديه عنوة وتخضع لسلطان الحاجة كي يكسرك وينتصر عليك.. تكلم مع الله حينما تجد نفسك تائهًا متخبطًا في طرقات الظلام.. تكلم مع الله حينما تترادف عليك النوائب وتشعر بالضعف والهوان.. تكلم مع الله حينما لا تجد من تؤمنه على بؤسك..!
حينما يبلغ بك الوجع حد الصُراخ اعتزل العالم وانقطع عما فيه واذهب إلى حجرة هادئة, تطهر وافترش سجادة صلاة وتهيأ بكل ما لديك من ايمان، استجمع قواك وتكلم مع الله بصوت مسموع, اذرف الدموع واطرح الحسرات وحدثه عن كل شيء تخفيه خلجات نفسك، تجرأ واعترف بكل خطاياك وتقصيرك كأي عبد تهاون في أداء واجبه تجاه سيده ومولاه، استغفره عن اهمالك وجهلك وعن كل عمل قمت به لا يرضيه؛ فانكسارك مع الله وحده, استقامة.
اشرح له قضيتك وقدم شكواك وبث إليه حزنك؛ حاشاه أن ينسى عبده إنه يعلم كل شيء لكنه يحب سماع صوت العبد المؤمن وهو يناجيه، ولأجل ذلك قد يبتليه حتى يتذكر ولي نعمته ويعود إليه مشتاقًا لنيل الرضا والرحمة، إسأله أن يغيثك من ثقل الهمّ وأن يبعد عنك غر الدنيا، ستجده سميع لدعواك رؤوف بحالك..
كن على يقين، إن الله سينتشلك ولو كنت على شفا حفرة في اللحظة الأخيرة ما قبل السقوط ليقول لك أنا اللطيف الجبار فلا تبالي، فقد قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) سورة البقرة آية ١٨٦.
فثق تمامًا أن اليد الممتدة إلى الله لن تعود فارغة والشحرجة المتقطعة لرجائه لن يخيب مسعاها، ومهما بحثت عن معين تستند عليه لن تجد أعظم من خالقك الرازق بعطاء لا ينضب؛ ومهما كنت مقصرًا بأداء واجباتك تجاهه لا تتردد بسؤاله فهو عطوف رحيم؛ اطلب منه ما شئت لكن بخجل وندم ورجاء بقبول التوبة ونيل المغفرة ومنحك الهداية ولتدرك بكل ما فيك أن لا ملاذ آمن لك سواه, تكلم مع الله..
اضافةتعليق
التعليقات