السلاح الابيض، مصطلح يُطلق على نوع من الاسلحة غير النارية، وكلمة "ابيض" لا تعني الاشارة له باللون بل للنوع، مثل السيف والفأس والسنج والسكاكين وغيرها كما هو معروف.
ولكن هناك نوع ممكن ان يُصنف من ضمن هذه المجموعة ومن أفضلها حتى، سلاح يعتبر من اقوى الاسلحة الصالحة التي تدوم، لا تقتل ولا تجرح وانما تَشُل حركة الخصم وتجعله مترقباً، الا وهو (الكتابة).
الكتابة سلاح ابيض يمتلكه الكاتب، يجوب به المعارك ودائماً ما ينتصر، فالكاتب مُحارب من نوع آخر سِلاحهُ من صُنع إلهيّ لا تَنفذ ذخيرته ابداً، بإستطاعته تناول الاحداث كافة على ارض الواقع، كُل شيء تراه عيناه وتسمعه اُذناه، يحزن او يُسعد لوجوده، يغتاظ او يستاء حياله، يَطرح الاسئلة ويُفكر من أجلها ثم يجد العلل ويُقدم الحلول..
إن الكتابة أم المعرفة، عُصارة الافكار وبوح الروح والرئة الثالثة التي يتنفس منها الكاتب كما قال احدهم، وهي نعمة وهبة من عند الله تعالى يتمتع بها البعض، منهم من يمارسها كهواية لوَصف الكلام وتَنميق العبارات وتَقديمها بأجمل صورة ليرتاح بالبوح عما يَختلج فكره، فهناك بعض المشاعر العميقة التي لا تُتَرجم من خلال الكلام، وبعض العِبر والدروس العظيمة التي لا تُحفظ من خلال سماعها فقط، بل يجب على مانحيها تدوينها بشكل دقيق وتقديمها بصورة متكاملة حتى تبقى متداولة لخدمة الاجيال القادمة وتَرسخ في اذهانهم ما أن يتمعنون قراءتها ويتعمقون لكي يفهموا ما ترمي اليه تلك الكلمات والسطور..
ولم تختصر الكتابة على تدوين الاحداث وتأريخها فحسب وانما تطور الاسلوب وتنوع بمرور الزمن من خلال ابداع الكُتاب المحترفين وتفننهم في ترجمة المواقف والمشاعر والاحاسيس وتصوير المشاهد بمهارة ودقة عالية وبكل انواعها ان كانت سياسية، توعوية، علمية، فلسفية، او شخصية ساخرة وما الى ذلك، حيث تشد المُتلقي اليها وتؤثر فيه ليستمر في تتبع الاحداث والتفاعل معها، ولا ننسى الدور الكبير للتكنولوجيا الحديثة في ذلك..
وقد اصبح تعليم الكتابة للموهوبين المبتدئين يَسير بعض الشيء فما عليهم سوى قراءة بعض الكتب التي تُنمي لديهم القدرة اللغوية وتَعَلُم كيفية صياغة الجمل، ابتداءً من كتابة الخاطرة، النص النثري، الاقصوصة، ومن ثم القصة، الرواية، الشعر والمقال وغيرها، حتى يكتشف ابداعه في احد المجالات او في جميعها.
وتبقى الكتابة نافذة جميلة تَطل بها على العالم بجميع اختلافاته والوانه، تَنثر في سمائه حروفك وأفكارك التي تَختارها وتُحدد مدى عمقها وتأثيرها، وبذلك ستكون انت المسؤول الأول والأخير عما سينتج عن المتلقي الذي يهمه الامر على أثر ما قدمته، لأنك ستجعله مؤيداً لك ومؤمناً بأفكارك ليَضم صوته الى صوتك ويسعى ايضا لِضم اصوات الآخرين معكم.
وعليه يجب على الكاتب الذكي عدم الافصاح او العمل بصدد ميوله او إنتمائه ويدع خصوصياته لنفسه فقط حتى لا تختلط الاوراق! وبالضرورة يجب عليه تنقية الافكار والكلمات ومراجعتها مراراً وتكراراً قبل الشروع في نشرها، للتأكد من خِلوها وعدم احتوائها نظريات مغلوطة وروايات من مصادر غير موثقة او مفاهيم مستوردة يُشكك بمصداقيتها، وقد يكون البعض من الكُتاب على علم بذلك ويتغاضى من اجل مصلحته الشخصية او الربح الذي سيجنيه عند قيامه بالامر لِصالح جهة مُعينة!.
فَمن غير الجائز اخلاقياً وعقلانياً التلاعب بأفكار الناس وتحريفها، وقد قال تعالى: }وآلّلّهً يِعلّمٌ مٌآ تٍسرون ومٌآ تٍعلّنون} سورة النحل آية (١٩) وقال تعالى: {سيِجُزُيِهًمٌ وصِفُهًمٌ آنه حًگٍيِمٌ علّيِمٌ} سورة الانعام آية (١٣٩).
ان الكتابة واحة غَناء يلجأ اليها الجميع اثناء اسفارهم الشاقة في هذه الحياة، سيدهشك خضارها الزاهي وماءها العذب وثمارها الناضجة ولكن احذر من ان تتناول كل ما تراه امامك ولا تغرك القشور الجميلة من الخارج فبعضها تالفة من الداخل وربما قد تكون سامة! لذلك عليك الانتباه والتفحص جيدا والسؤال احيانا قبل ان تقطف وتتشارك ما قطفته.
اضافةتعليق
التعليقات