أكتب فيك عزيزي هذه المرة، ولا أعلم أي مرة هي ولكنني أشعر بوخزة في قلبي حادة الأطراف حارقة مؤذية لدرجة كبيرة دون سبب ربما لاستغفالي أو استعجالي وانعدام شخصي الذي بات يرمي بنفسه على أي متكئ لمجرد كلمة طيبة، أو هو شعور بالفراغ يقتل مفاصل روحي ويقطع حنجرتي فأكاد من فرط الألم أختفي.
وتأخذني المفردات تارة إلى ذاكرتي فأجلس عند الزاوية وأأنس بما أرى وتارة تسحبني إليها بقيد من حواف زجاجية مكسورة تقطع أوصالي بكل محطة أمر عندها، بينما مازلت أضع تلك الحوارات في مخيلتي لعلي أعيد الذكرى بطريقة تجعلني أسامح نفسي على ما اقترفته وأجزم أنها من أسوأ الحوارات والنقاشات التي أخوضها كلما زارني الحنين وتذكرت خيبات الأمل مترنحة بين ليت ولعل دون جدوى فما مضى قد مضى ولكن ذاكرتي لم تتركه بعد، حتى أصبحت روحي قفراً جرداء الأمل معلقة بهذا الجسد الضعيف والفؤاد الحزين .
لربما إنه من العبث الذي لا معنى له أن نستعيد شريط الأحداث كلما شعرنا بفراغ يعترينا أو شوق يكبل أطراف شعورنا فنجدنا قد عدنا إلى نقطة عانينا منها حتى خرجنا متناسين أن النفس البشرية ليست معصومة من الزلل بل الخطأ من شيمها ويستوي في ذلك الآدميون إلا من اصطفاهم الله لرسالته فطهر قلوبهم من المعاصي فكيف ونحن الأغلب فينا يركض لاهثاً وراء دنيا زائلة، وإن لم تؤلمنا بحثنا في ثنايا الذاكرة فيها عن رذاذ من ألم اعترانا يوما ما وكأننا نستدرك شؤون الحياة بعد وقوعنا في الخطأ أو المعصية.
وما يزيد الأمر سوءاً هو عدم التوقف عن شؤم الإحساس بالذنب مبالغين فيه بشكل يجلد الذات ويؤذي النفس دون رحمة والسؤال هنا يطرح نفسه: هل مجاراة الذات وإخراج ما فيها بهذا الشكل المؤلم أمر يخفف عنها أم أنها اندلاع حرب نفسية كامنة لا رادع لها؟
من المؤكد أن لوم الانسان لنفسه على ذنوب أو أخطاء اقترفتها، ومساءلتها عن مواقف محرجة أو علاقات فاشلة خلقت جوا من الأذى النفسي قد يؤدي في بعض الأحيان إلى تأديب المرء لنفسه بنفسه وطريق مختلف للتحفيز في الوقت عينه إذ يدفعه ذلك إلى تقويم شخصيته وتوجيه سلوكياته بشكل قويم لصقلها وجعلها أكثر إدراكا لما يجري.
ولكن في الوقت نفسه الافراط في هكذا أفعال واستعادة الذاكرة بشكل مستمر كلما شعر المرء نفسه في حالة سبات، إنه لأمر يؤذي النفس ويكون من دواعي الحزن المستمر الذي يرسم ندبة على الروح فيغرق الانسان باحثا عن نسمة من هواء فلايجد وكأن العالم أجمع أصبح بحيرة مالحة كلما أراد اخراج رأسه سحبته إلى أحضانها حتى ظن أنه ابن هذه البحيرة فبقى ضاماً ركبتيه إلى صدره يتأمل الحزن بصور متعددة ويجلد الروح على تخيلات يصنعها داخل عقله المعلق في صندوق ذاكرة قديم، متناسياً أن الإنسان في هذه الحياة تصقله التجارب والابتلاءات والمحن ثم تخرج منه الحكمة الجميلة كي يستفيد منها.
فالتعرض لكثير من الابتلاءات والمحن هو شيء يمر على الجميع فلا يسلم أحد منه حتى لو ظننا أن فلان لم يبتلى يوماً لكن الحقيقة هو أننا لدينا مدى رؤية محدد لا نستطيع عبوره فهناك من يستطيع أن يصمد وينجح وهناك من يخفق، فالنفس تختلف في تحمل هكذا اختبارات ومنهم من يقع وتتحطم نفسيته والكثير يغفل عن معالجتها وينشغلون بمعالجة أجسادهم من المرض تاركين أرواحهم تمتلئ بهذه الأمراض الروحية .
هنا علينا أن ندرك أن على الانسان أن يتجنب جلد الأنا ويسعى لمنح نفسه الفرص التي تستحقها من التسامح الداخلي، وأن ألا نتغاضى عن فكرة أننا بشر وجميعنا غير معصومين عن الخطأ والوقوع في شباكه، لكن لوم النفس وتأنيبها ليس الحل الأمثل لمجاراة ما يقترفه المرء من سلوكيات وأخطاء وهو الشيء الطبيعي فكل إنسان تأخذه نفسه الأمارة بالسوء تارة إلى أماكن ماظن يوما سيزورها وتارة تأخذه النفس إلى اللهو والغفلة فيجد أنه قد اقترف أخطاء غيبته عن الواقع وهنا يجلس متأملاً صندوقه الأسود دون النظر أن الحياة لم تنتهي بعد وأن الله أمد في عمره فيغير حاله من خلال الثقة بنفسه مرة أخرى.
فالثقة بالنفس هي اللبنة الأساسية التي تلعب دورا مهما في التقليل من جلد الذات، بل وتدعمه معنويا وتجعله قادرا على التأقلم داخل المجتمع، وبذلك يصبح قادرا على ردع مخاوفه وتقويم أخطائه من دون التحقير من نفسه والمضي نحو حب الذات واحترامها وتقديرها فليست تلك المواقف التي مرت هي النهاية مادام أن الله رزقنا يوما جديدا.
فالحقيقة الواضحة التي لا يمكن التغاضي عنها هو أنه من غير الممكن بدء صفحة جديدة ونحن منشغلون في ترديد أحداث الماضي والتأنيب على ما جرى فلن نستطيع تغيير ما حدث، لذلك فالشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به في هذه المرحلة هو المضي قدما وعيش الحياة بحلوها ومرها فكلنا يستحق فرصاً لانهاية لها مادام أن الله قد أعطانا هذه الفرص باستمرار الروح داخل الجسد .
اضافةتعليق
التعليقات