يحل علينا فصل الصيف ككل عام وفي هذه الأيام بدأت درجات الحرارة ترتفع ويرتفع معها مستوى التذمر في الشارع العراقي بدءا من ازدياد ساعات انقطاع التيار الكهربائي في عموم البلاد وخصوصًا في مناطق المحافظات الجنوبية نظرًا لموقعها الجفرافي، وانتهاءً بالسبب الرئيسي كما هو معروف لجميع العيان؛ سوء الخدمات والفساد المتفشي في المؤسسات الحكومية التي لا نفع من وجودها، بل عدمه قد يوفر علينا الكثير!.
أينما تولي وجهك هنا تجد الناس في حالة هستيريا متضاربة ترتفع وتهبط حسب الأجواء التي يكونون فيها، فمثلاً لو ذهبت لمزاولة وظيفتك أثناء الدوام الرسمي أو إلى أي مكان لك فيه قضاء عمل معين؛ فور دخولك ستسمع أصوات المواطنين تصدح في أرجاء المكان، أحدهم يشتم الحكومة والآخر يلعن بلده وهناك من يغسل وجهه بقارورة مياه باردة يسكبها على الأرضية دون اكتراث، وسترتطم بأحدهم وهو يمشي على عجلة من أمره غاضباً دون أن ينتبه أمامه، والكل واقع في فوضى عارمة تأسر الأدمغة والمحيط وذلك لكون الكهرباء الوطنية منقطعة!.
أما إذا كانت موجودة, فستنعم بكمية من الهدوء لا بأس بها، فترى معظمهم ينتظرون منشغلين بهواتفهم النقالة، منهم من يلعب "البوبجي" وهناك من يشاهد حلقة من مسلسل يتابعه، وآخر يدردش مع أصدقائه ويلتقط السيلفي، وكل حسب اهتماماته. والأمور تسير على ما يُرام ولكن لفترة محددة لبضع ساعات قليلة لا أكثر إلى حين انقطاع الكهرباء وسيعود الحال كالمعتاد ومن سيء إلى أسوء!.
وإنَّ هذا الكم الهائل من الانفعالات والغضب والتشتت لا يقتصر في المجتمع واقعًا على الشارع فقط، وانما طال كل مكان حتى الافتراضي من مواقع التواصل وما ينشر فيها وشاشات التلفاز وما يعرض عليها وحتى أماكن الترفيه تعج بالتذمر؛ والأخطر, المنزل بمن يسكنه! فترى الخارج حين عودته يدخل كالسيف المسلول من غمده منتقما! لا يحتمل أي أحد حتى الصغار الأبرياء ولا يريد سماع أي شيء كونه قد أتى منكفئًا من ساحات الوغى! وبالمقابل من يراه هكذا يصبح مثله وتتصاعد وتيرة التذمر والشكوى وتتحول إلى شجار ثم إلى ما لا يحمد عقباه، حيث يقول البعض أن هناك من ارتكب جرائم بسبب ارتفاع درجات الحرارة!.
أعتقد أننا منذ ولدنا وآباؤنا وأجدادنا حتى, ونحن نعيش في هذا البلد الجميل رغم كل التشوهات التي شارك بصنعها الجميع دون استثناء. وراحت تطغي على ملامحه الآسرة وهو يتبرج بالندوب والجراحات كل يوم ولا شيء جديد علينا مما حصل ويحصل وما سيحصل!.
فلماذا نعيش بهذه الطريقة المكرهة ونعتاد المزاج السيء ونورثه..؟ يا للكارثة! أنا مدركة لكون كل ما يحدث وما نعيشه فوق طاقتنا وبأننا نفتقر لأبسط وسائل الراحة في أوج التطور، ومن حقنا أن نعيش حياة هانئة كريمة، وللعلم إن فصل الصيف لا يقل معاناة عن فصل الشتاء فهو الآخر تكثر فيه الفيضانات وتخر فيه البيوت على رؤوس ساكنيها، والربيع ينقضي بالعواصف الترابية وتكثر فيه معاناة مرضى الربو والحساسية, والخريف هو الآخر كإخوته، ونحن لسنا من ماتت العصافير في صدورنا بل نحن في صدورنا مذبحة، ولكن هل عندكم ما يغير هذا الحال العتيق من قول أو فعل؟ آنيًا وعلى ما يبدو ما باليد حيلة!.
فيا أيها السادة المواطنون ألم تكتفوا بعد؟!
لقد سئمنا المعاناة أينما حللنا، سئمنا متلازمة التذمر، سئمنا النكد وحالات العصبية المفرطة، سئمنا القلق والتفكير الزائد والتوجس والملل في اعادة نفس السيناريو كل يوم، سئمنا نصب ذاك العزاء عند أبسط عائق! سئمنا القهر والشكوى والكآبة والحزن وسماع التعليقات المحبطة وكل ما يبعث على اليأس والبؤس المترادف الذي أصبح كداء مستعصٍ لا باحث له عن دواء!.
فإن لم نجد ما نقوم به لحل أزمة ما، على الأقل يتوجب علينا تخفيفها لا تأزيمها أكثر, فلنتكاتف ونحاول قدر الامكان البحث عن حلول نستطيع عليها ونطبقها عَلنا نرتقي ولو قليلًا، أو فلنلطف الأجواء بذكر الله ونحتسب ونساعد بعضنا البعض ونطبطب على أكتافنا متوحدين. قال تعالى في سورة العصر: والعصرِ (١) إِن الإِنسانَ لَفي خُسر (٢) إِلا الذينَ آمنُوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبرِ(٣).
لا بد لنا من ترويض أنفسنا, علينا التعلم كيفية الحوار بهدوء وروية مهما كانت الظروف، وأن نتعامل مع الآخرين بوِد واحترام مهما كانت معاناتنا، ومهما كان المقابل مشحونًا بالطاقة السلبية نستطيع بلطافتنا جعله يهدأ ويستكن، فكل واحد فينا لديه ما يكفيه من الهموم، إن وجد من يستمع إليه ويواسيه ثم يسمعه كلمات جميلة تبعث على الراحة والأمل فلا شك بأن مستوى السلبية ونوبات الغضب ستنخفض لديه تدريجيًا وسيشعر بقليل من السعادة فيبتسم على الأقل لتتغير تعابير وجهه المقلوب، فإن مشاعر السعادة والرضا بكل بساطة أمور معدية نحن من نستطيع زجها أو سلبها من بين صفوف الآخرين، تهادوا الرحمة والمحبة وانشروا الأمل والتفاؤل يرحمكم الله ، وكفوا عن التذمر لأنه صدقًا لا ينفعكم بشيء!.
فلننتبه على أنفسنا من هذا البلاء، وعلينا أن نحث اخواننا على الصبر والاستغفار ونتجه لنشر الأمل من خلال شكر الرب على ما أعطانا من نعم نتجاهل وجودها لدينا ونجهل قيمتها، لا بد للابتلاء أن يزول يومًا شريطة طلب رفعه عنا والعمل بما يرضي الله..
كما علينا التحلي بأخلاق رسولنا الكريم محمد (ص) والتزود من حكمته والتعلم من وصاياه حيث قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا" لذلك يجب علينا مساندة بعضنا ومد جسور المودة والألفة فيما بيننا بدل بث الحقد والكراهية وتأجيج مشاعر الغضب والضغينة التي ينتظر اشتعالها الشياطين الملعونين وهم يتربصون للنيل منا في كل مكان وزمان، أستميحكم عذرًا أيها السادة الكرام ونسأل الله العفو وحسن العاقبة..
اضافةتعليق
التعليقات