لابد أن كل مخلوق في الكون ينتظر بلوغه لحظة السعادة المنتظرة حيال أمر ما في حياته يترقبه بفارغ الصبر واللهفة، إنما العجيب في امر مجاميع غفيرة من الناس يرتقبون بلوغ هذه اللحظة للأمر ذاته ويستعدون لها متفقين متحدين بكل جوارحهم ، بيد ان الأعجب من هذا كله ، هذه السعادة المرجوة ما فحواها إلا الأسى والحزن البالغ والبكاء والعويل ، والعزاء غير المنقطع منذ بلوغ لحظة إعلان بدءه من اليوم الأول ويستمر إلى ستين يومًا ..
انهم شيعة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و مُحبي سبطه الإمام الحُسين (عليه السلام)، حيث كتب احد الشُعراء الشعبيين قائلًا: "احنه ناس مسودنين .. نفرح بجيت مُحرم حتى نبچي عالحُسين ..".
أي نحن أُناس مجانين نفرح لعودة شهر مُحرم لأجل البكاء على الحُسين .. من اروع المفارقات التي تُحيا وتُشاهد ويُسمع عنها في بلاد العراق هي اعادة ذكرى ملحمة الطف الأبية بقيادة الحُسين وأخيه أبا الفضل العباس (عليهما السلام)، حيث ترى الجميع من كلا الجنسين صغارًا وكبارًا على اهبة الاستعداد لتقديم كل ما يملكونه ماديًا ومعنويًا لمن يقصد ارض كربلاء زائرًا ، بوجوه مستبشرة وعيون دامعة واحضانٍ مُشرَعة وقلوب حرى !..
تلك السعادة العجيبة التي تنبعث من رحم الحُزن لا يستطيع اخفائها احد من هؤلاء المُحبين ، فيختلط الأمر على من ينظر اليهم غير عارف بحقيقة القضية الحُسينية السامية ، فيرى اولئك المُعزين وهم يرتدون السواد مُشمرين عن سواعدهم منهمكين في استقبال الوافدين مهما بلغ عددهم وأيام إتيانهم ، تصدح حناجرهم بجمل الترحيب وتعرق جباههم طوال الوقت حتى وان بلغت درجات الحرارة اعلى مستوياتها ، إنما يزدادون عزيمة لتقديم الشراب البارد والطعام الزكي مما تشتهي الانفس و الفرحة تظهر على محياهم بما يجودون ..!
في سائر بلدان العالم يستعد الأفراد للأعياد العامة و المناسبات الخاصة بطقوس معروفة غالبًا ، و منها قد لايتعدى الاحتفال بها ساعات و ربما يوم او يومان بالكثير .. إلا في العراق وخصوصًا ايام ذكرى مقتل ابي عبد الله الحُسين واخوته واولاده واصحابه "عليهم السلام" في شهر محرم الحرام ، ومن ثم الأربعين في شهر صفر، حيث يزداد عطاء المُحبين في كل عام وهم في حيرة ماذا يقدمون بعد ؟!
يُسمون انفسهم خُدام الحُسين (عليه السلام) ويتشرفون بهذه التسمية ويتسابقون ايهم يفوز بعمل اكبر وخدمة اكثر وعطاء مائز ليس لهُ مُماثل علهم يصلون تلك الدرجة التي يتمنون بالرغم من عدم معرفة ما الذي سيجعلهم بعد يصلون اليها مع استمرار تنوع العطاء المنقطع النظير..!
هذا السر العظيم يتربع في تلك القلوب العاشقة لهذا القائد المُقدام الذي جاد بنفسه واهله وكل مايملك من اجل الإصلاح في امة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرفع راية الإسلام وترسيخ مبادئه واعلاء كلمة الحق لنصر المظلوم ومقارعة الظالم، ان في الحسين عِبرة لكل حائر خائر متخبط ، وعَبرة في قلب كل مؤمن و موالي ومُحب ، جمرة الحُزن على الحُسين في قلوب الأحرار لا تنطفىء ما بقيَّ الليل والنهار ، حتى يأذن الله بظهور من يأخذ بثأره ويملأ الارض قسطًا وعدلاً كما مُلئت ظلمًا وجورا..
اضافةتعليق
التعليقات