لم تتعرض عقول الأطفال والمراهقين والشباب للتضليل في أي عصر من العصور كما يحصل اليوم، وذلك بسبب وسائل التواصل فالغلاة والمتطرفون لا يحتاجون اليوم إلى أي مكان كي يجتمعوا بشخص، أو يقوموا بغسل دماغه أو تجنيده لصالح تنظيماتهم ومغامراتهم، فالإنترنت بتطبيقاته المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي على نحو خاص قد أغنتهم عن التنقل والسفر.
إن لدينا مئات الملايين من الأطفال والمراهقين، وإن الغلاة لا يحتاجون في عملهم إلى كل هذه الأعداد الضخمة، إنهم لو راهنوا على (۱) في الألف منهم لحصلوا على مئات الألوف، وقد صار لدى الغلاة خبرة واسعة في غسيل أدمغة الشباب عبر تويتر والفيسبوك وعبر الألعاب الإلكترونية أيضاً، وقد استطاعوا خلال سنوات قليلة أن يجتذبوا إليهم عشرات الألوف من الفتيان والشباب، إنهم يستغلون الأحوال المعيشية الصعبة لهم، وأحياناً يتحدثون عن المظالم التي يتعرض لها المسلمون في العديد من دول العالم.
كما أنهم في بعض الأوقات يشوهون معاني الجهاد والحكم الإسلامي والخلافة وعقيدة الولاء والبراء، ومفاهيم تتعلق بالتحالف مع الآخرين ومهادنتهم والهدف واحد هو إثارة الحمية في نفوس الشباب ودفعهم إلى القتال في الأماكن الملتهبة في عالمنا الإسلامي والعربي وأساليبهم باتت معروفة ومكشوفة لدى السواد الأعظم من الناس لكن كما ذكرت قبل قليل: إنهم يراهنون على واحد في الألف من الأطفال والمراهقين والشباب، الذي أود لفت النظر إليه هو استغلال الألعاب الإلكتروينة لتسهيل عملية القتل في أذهان الصغار، وعلى سبيل المثال فإن (داعش) طورت اللعبة المعروفة: (جراند ثيفت أوتو 5) وسمتها (صليل الصوارم) فيم سعى منها لتدريب الأطفال والمراهقين على قتال خصومها، وأعلن الذراع الإعلامي للتنظيم أن هناك إصدارات أخرى لألعاب إلكترونية على هذه الشاكلة، و نشر التنظيم فيديو تشويقي للعبة، نشره على (يوتيوب) حيث يبدأ بتوجيه رسالة تحذيرية، ورد فيها : ((ألعابكم التي تصدرونها، نحن نمارس نفس هذه الأفعال المتواجدة في ساحات القتال)) وقد قسم الفيديو اللعبة حسب التكتيكات القتالية المعروفة عن التنظيم حيث تمارس الشخصيات الإلكترونية الشبيهة بمقاتليه أعمالها بمكائن لتفجر المركبات العسكرية وأخرى متخصصة في القنص وثالثة بقتال الصاعقة والهجوم على المنشآت العسكرية بالسلاح الأبيض والمسدسات الكاتمة للصوت.
إن أسوأ ما يلقنه الغلاة لأطفالنا وفتياننا ليس الفنون القتالية من خلال صليل الصوارم ولكن استسهال الحكم على المسلمين بالكفر والردة واستسهال استباحة الدماء المعصومة حتى أقدم بعض المراهقين على قتل آبائهم وأمهاتهم وأعمامهم وأخوالهم.
إن الغلو يشتغل على الدماغ، ويضرب مركز الإدراك فيه، ويحوّل المسلمات الشرعية والأخلاقية إلى أفكار محرفة أو مشكوك فيها.
طبعاً هناك مئات الألعاب الإلكترونية التي يلعب بها الصغار، ويقومون من خلالها بإبادة الأعداء الافتراضين وإسقاط الطائرات و إغراق السفن، وهي تجعلهم دائماً في اجواء الصراع والتنافس والتغلب على حساب روح السلام والطمأنينة والتعاون والرحمة، لكن هذه الألعاب تظل أقل ضرراً من الألعاب التي تستند إلى خلفية التكفير واستحلال الدم.
أضرار نفسية متعددة لمواقع التواصل الاجتماعي على الأطفال
بما أن إدمان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يسلب من المدمن جزءاً من طلاقة إرادته وجزءاً من حريته الشخصية في التصرف حسب مقتضيات العقل والمصلحة، وبما أن إدمان الدخول على مواقع مثل تويتر وفيسبوك، يجعل الطفل ينفتح على عالم مترامي الأرجاء....، فإن من الطبيعي ألا يكون لدينا نفسيات سوية ومستقرة بالمعنى المألوف والمطلوب، ومن هنا فقد استنتج علماء بريطانيون أن الاستخدام المفرط للنت قد يؤدي إلى (الاكتئاب) وأظهرت دراسة جديدة أن (۱، ۲) من المدمنين على الإنترنت يشكون من الاكتئاب أكثر من غيرهم بمعدل خمس مرات.
أستاذ في جامعة (كالفونيا) قام بإجراء دراسته على (۱۰۰۰) مراهق ومراقبة (۳۰۰) آخرين، وقد انتهت تلك الدراسة إلى عدد من النتائج، منها : ازدياد الأنانية لدى المراهقين الذين غالباً ما يستخدمون الشبكات الاجتماعية بالإضافة إلى اضطرابات نفسية وميول عدوانية وقلق واكتئاب واضطراب في النوم.
أحد الباحثين يؤكد هذا ويرى أن هناك اكتئاباً، اسمه اكتئاب الفيسبوك، حيث يصاب بعض الأطفال بالتوتر والمزاجية، وأحياناً يكون لديهم شعور بالحسد والضغينة، بالإضافة إلى حب الظهور والإثبات الزائف وغير الحقيقي للذات، وتفيد دراسة أجريت في جامعة (متيشغان) أنه كلما استخدم الشباب الفيس بوك أكثر تراجع لديهم الشعور بالرضا عن النفس والشعور بالرضا عن حياتهم ككل.
علينا بعد هذا أن نقول: إن الأضرار النفسية والشعورية التي يسببها إدمان وسائل التواصل للأطفال تختلف على نحو ظاهر بحسب استعداد كل طفل، ولكن من المتفق عليه أن هناك ضرراً ما يجب تجنبه.
اضافةتعليق
التعليقات