من أسرة اصطفاهم الله سراجاً منيرا لعباده كُتب عليهم الشهادة، فبرزوا إلى مضاجعهم ناطقين بكتاب الله سائرين على نهج نبيه، فبرزت منهم عقيلة أقل ما يقال في حقها بطلة شرِبت من سلسبيل محمد وزادها كان خبز علي واليد التي أطعمتها كانت لسيدة نساء العالمين، كبرت في حجور أصحاب كل خطوة منهم آية، أسرة عرفها التاريخ بأنصع صفحاته من جهاد ونضال فلا شبيه لهم في أمم العالم وشعوب الأرض في دفاعهم عن حقوق المظلومين.
وكانت السيدة زينب حلقة من هذه السلسلة العلوية المباركة، فحين آن أوان أن يعودوا بعض أقمار هذه الأسرة العلوية إلى خالقهم كتب عليها أن تستمر حاملة راية الحسين ليكون لها الدور البارز في بيان دوافع الثورة ونشر مبادئ النهضة الحسينية، وغرس قيم آل بيت النبوة في النفوس على كل بقعة أرض مرت عليها بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، واستلمت مهمة أن تكون صاحبة الدور الاعلامي المكمل للدور العسكري الذي حدث في طف كربلاء لبيان زيف الحكم الأموي.
فكانت تدرك يقينا أنهم بقية الله في أرضه ولا يعرف الخطأ لهم طريقا فكانت أول كلمة لها في وجه الفاسق يوم قال لها عبيد الله ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم.
فردت بلسان مطهر قائلة: "الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وطهرنا من الرجس تطهيرا، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله".
وهنا كانت شرارة الثورة ولحظة أمدت العالم من بعدها بالقوة فالخوف ليس من شيم آل بيت النبي فالسيدة زينب (عليها السلام) بهذه الوقفة الصلبة، يتجللها البهاء والعظمة، فيكون مفعول كلامها سارياً في تأثيره على مجرى الأحداث في تاريخ الأُمّة العربية والإسلامية، الأمر الذي جعلهم لا يستطيعون دفع التهم عن البيت الأُموي والعباسي فيما ارتكبوه بحق آل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، وهذا بذاته يجعلنا نؤمن بأن هذه الكلمات لا تخرج إلّا من فم زينب بنت علي (عليهما السلام) لمِا فيها من بلاغة لا تصدر إلا من أبناء علي (عليهم السلام).
فهم قوم تربوا على قول الحق حتى لو كان دمهم هو المقابل، بالرغم من أنها كانت أجل شأناً، وأرفع قدراً من أن تخطب في مجلس ملوث لا يليق بها، لأنها سيدة المخدرات، ولكن كان يجب أن توقظ تلك الضمائر التي عاشت في سبات، وتعيد الحياة إلى القلوب التي أماتتها الشهوات، وغمرتها أنواع الفجور والإنحراف عن الفطرة، فألقت على أسماعهم كلمة الموعظة والنصيحة لعلهم وإن فات الأوان أن يعودوا لرشدهم وينظروا إلى أي منقلب قد انقلبوا وهم واقفين مزيحين نظرهم عن الحقيقة، فتحتم عليها كشف الغطاء عن الحقائق المخفية عن الحاضرين في ذلك المجلس الرهيب، لأن المجلس كان يحتوي على شخصيات عسكرية ومدنية، وعلى شتى طبقات الناس، فقد كان يزيد قد أذن للناس إذناً عاماً لدخول ذلك المجلس، فمن الطبيعي أن تموج الجماهير.
وهي اللحظة التي ظن فيها يزيد أنه سيلقي شماتة على آل بيت النبي الأطهار ولكن شاء الله أن تقلب السيدة زينب (عليها السلام) بكلماتها الحال وتجعله يرى نهايته أمام عينيه فلا يستطيع بعد ذلك فعل اي شي سوى ان يشعر بلسعات كلماتها التي نزلت عليه كالجمرات تسير في جسده وتحرق روحه في الدنيا قبل الاخرة في قولها له:«فمهلاً مهلا، لا تطش جهلاً، أنسيت قول الله (عزوجل): «ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً، ولهم عذاب مهين ».
فاللهم خذ بحقنا، وانتقم من ظالمنا، واحلل غضبك على من سفك دماءنا، ونقض ذمارنا، وقتل حماتنا، وهتك عنا سدولنا.
وفعلت فعلتك التي فعلت، وما فريت إلا جلدك، وما جزرت إلا لحمك، وسترد على رسول الله بما تحملت من دم ذريته، وانتهكت من حرمته، وسفكت من دماء عترته ولحمته، حيث يجمع به شملهم، ويلم به شعثهم، وينتقم من ظالمهم، ويأخذ لهم بحقهم من أعدائهم، فلا يستفزنك الفرح بقتلهم، «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ».
وحسبك بالله ولياً وحاكماً، وبرسول الله خصماً، وبجبرائيل ظهيرا.
هكذا سارت الجمرات في جسده حتى فار دمه فلا يعرف أيقتلها فيزيد عذابه أم يسكتها ويكتم الحق معها وهذا ما لا يملكه فهم قوم جعل الله لسانهم ناطقاً بالحق لا راد له وهكذا كانت السيدة زينب (عليها السلام) صوتاً ناطقاً محركاً، محدثاً نقلة جوهرية في محيطه ومجتمعه تصل إلى العالم أجمع، وعلى طول حركة التأريخ وإلى يومنا هذا مازال ذاك الصوت يصدع في عقولنا وقلوبنا نورا نهتدي به ورمزا وأسوة حسنة نسير على خطاها، ابتداءً من العفاف وانتهاءً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
اضافةتعليق
التعليقات