يتسم شهر رمضان المبارك في العالم الإسلامي بصفة عامة، والعالم العربي على نحو خاص بالموائد العامرة، كما تُعد بعض أصناف الطعام والحلوى والعصائر حكرا على شهر الصيام، ولكن يستقبل مواطنو معظم الدول العربية رمضان هذا العام، في ظل ارتفاعات غير مسبوقة، في أسعار السلع الغذائية، وانخفاض في القدرة الشرائية للمواطنين في ظل تصاعد التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم بسبب الحرب في أوكرانيا، والتي أثرت بشكل كبير على مختلف الاقتصادات، وخلقت أزمات كبيرة فيما يتصل بالطاقة والغذاء وسلاسل الإمداد وغيرها، والمنطقة العربية -كغيرها من مناطق العالم- تأثرت بتلك الأوضاع أيضا، والتي انعكست وفق العديد من التقارير، على الموائد الرمضانية.
في الوقت الذي تسببت فيه حرب أوكرانيا، في ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع حول العالم، فإن وطأة الارتفاعات في أسعار السلع الغذائية، كانت شديدة في بلدان عربية بعينها.
فخلال العام الماضي، فقد الجنيه المصري نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي. لذلك قامت الحكومة المصرية بتخفيض قيمة العملة مرة أخرى في يناير/ كانون الثاني الماضي، ما أدى لارتفاع حاد في أسعار المواد التي يتم استيرادها مثل الحبوب.
وضمن تقرير لها، عن ارتفاعات أسعار السلع الغذائية، غير المسبوقة في مصر، نشر موقع وكالة بلومبرغ الأمريكية مؤخرا تقريرا مفصلا يتضمن رسوما بيانية أطلق عليها اسم "مؤشر الكشري للأسعار". ويخلو طبق الكشري، الذي يصفه مصريون بملك الأكلات الشعبية، من اللحوم، ويتكون أساسا من الأرز المسلوق والعدس، والمعكرونة، والبصل المقلي وصلصة الطماطم مع إضافة الخل وثوم وكمون.
وأشار "مؤشر الكشري الجديد" إلى أن "متوسط سعر مكونات هذه الوجبة قد قفز سنويا بنسبة 58.9% في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أي حوالي ثلاثة أضعاف معدل التضخم السنوي البالغ 21.3%".
وقد انتشرت في صفحات المصريين عبر منصات التواصل الاجتماعي صور رسوم بيانية مرفقة بعبارة "كشري ايندكس". وقال الموقع إن تلك الرسوم التفصيلية "تشرح التأثير الواضح للتضخم على الوجبة المفضلة للمواطنين في مصر". وأشارت الوكالة إلى إن "طبق الكشري الشعبي لم يسلم من زيادة التضخم الذي أثر على العناصر الأساسية لتحضيره". وأضافت أنه "رغم رخص مكوناته، إلا أنه لم يكن محصنا من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد".
ويأتي ذلك في وقت اقترحت الحكومة المصرية طهي أرجل الدجاج، وقالت إنها جزء غني بالبروتين من الدجاج، ويتم إطعامه عادة للكلاب والقطط. وأثار هذا الاقتراح من الحكومة غضبا وانتقادات مكثفة.
كما تشير تقارير عديدة إلى تراجع الإقبال على تجهيز "شنط رمضان" والتي يتم توزيعها على الفقراء مع بداية رمضان من كل عام، وذلك فضلا عن تقلص محتوياتها.
وأرجعت التقارير ذلك التراجع إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وانخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار كما أن مصر تستورد 60 في المئة من الاحتياجات الغذائية.
وبالنسبة للسودان الذي يعيش في حالة فوضى سياسية منذ 2021، يأتي شهر رمضان هذا العام في وقت يشترك فيه جميع السودانيين في الشكوى من ارتفاع تكاليف المعيشة، وتشير تقارير إلى أن أسعار جميع الأطعمة ومكوناتها وصلت إلى الضعف، مقارنة بالعام الماضي.
ويزداد الأمر ترديا، في دول شهدت وماتزال تشهد نزاعات مسلحة، مثل اليمن وسوريا، ويشكو اليمنيون من ارتفاعات حادة في أسعار المواد الغذائية، وندرة في توفرها منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ أدت تداعيات الحرب التي تعيشها البلاد منذ عام 2014، إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة.
غير أن اعتماد اليمن، في ثلث احتياجاته من القمح على أوكرانيا، أدى لارتفاعات كبيرة في أسعار المواد الغذائية، في ظل عدم توافر مواد مثل الطحين والزيت والأرز ،وفي ظل انقطاع في الرواتب يشكو منه كثيرمن اليمنيين.
وفي سوريا، لايبدو الوضع بأفضل كثيرا من اليمن، إذ تشهد أسعار المواد الغذائية والأساسية ارتفاعاً غير مسبوق، وازداد الأمر سوءا مع الزلزال الأخير الذي خلف الكثير من الضحايا والدمار والخراب. ووفق برنامج الأغذية العالمي فإن أكثر من نصف السوريين يُعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وعلى الرغم من تصنيف العراق من بين البلدان الغنية بالموارد الطبيعية وفي مقدمتها النفط، إلا أن أرقام وزارة التخطيط العراقية تشير إلى أن ربع سكان البلاد يرزحون تحت خط الفقر.
وقبل أيام سجلت الليرة اللبنانية انهياراً تاريخياً جديداً أمام الدولار الأمريكي، فقد تخطى سعر صرف الدولار الواحد عتبة الـ 100 ألف ليرة، وبدأت المتاجر بتسعير السلع بالدولار الأمريكي.
ويعاني الأردن من معدل مرتفع للبطالة يصل إلى 23%، فيما بلغ الدين العام حوالي 42.8 مليار دولار أي 88% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبحسب تقديرات أممية، فإن حوالي 80 بالمئة من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الدولية الإنسانية بسبب الفقر وارتفاع معدلات البطالة وعوامل أخرى ناجمة إلى حد كبير عن الحصار المفروض على القطاع منذ 16 عاماً.
في شهر فبراير/ شباط الماضي احتج عشرات المتظاهرين أمام البرلمان المغربي ضد غلاء أسعار المعيشة، إذ ارتفعت أسعار السلع الغذائية بما فيها الخضار والفواكه واللحم والحليب بنسبة 16.8% وفق المندوبية السامية للتخطيط (هيئة حكومية مكلفة بالإحصائيات). وكانت جهات حكومية عزت ارتفاع الأسعار إلى موجة الجفاف والبرد التي أثرت على القطاع الزراعي، في حين قال تقرير صادر عن البنك الدولي إن هناك فجوة كبيرة في أسعار المواد الغذائية بين المنتجين وتجار التجزئة.
وتشهد تونس منذ أشهر ندرة في بعض المواد الاستهلاكية الأساسية مثل السكر والبيض والحليب، كما أن إنتاج المواد الغذائية التي تعتمد في صنعها على السكر مهدد بالتوقف، بسبب عدم تزويد المصانع بمادة السكر بشكل مستمر.
وفي الجزائر أعلنت السلطات ضخ 30 ألف طن من اللحوم المستوردة من الخارج، في الأسواق المحلية عشية حلول شهر رمضان المبارك، وحددت أسعارها لمساعدة العائلات محدودة الدخل على الاستهلاك. يأتي ذلك في وقت سجلت فيه أسعار بعض السلع قفزات كبيرة، فاقت المئة في المئة على بعض الأنواع.
وفي موريتانيا، أدى ارتفاع الأسعار إلى إقبال الطبقة المتوسطة على "دكاكين الحكومة" التي تعرض مختلف السلع بسعر مخفض، في وقت تشهد فيه البلاد بوادر أزمة خبز.
الخليج: حالة استثنائية
وعلى الرغم من المشهد الاقتصادي القاتم لكثير من الدول العربية، تبقى نسب التضخم في دول الخليج، في حدود مقبولة، خاصة إذا ما قورنت بالارتفاع الكبير الذي شهدته دول عربية أو صناعية كبرى. وقد أعلنت وزارة الصناعة والتجارة القطرية عن تخفيض أسعار 900 سلعة غذائية خلال شهر رمضان الحالي. حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات