ورد في زيارة الناحية المقدّسة على لسان الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام):
"السلام على من جُعِل الشفاء في تربته، السلام على من الإجابة تحت قبّته، السلام على من
الأئمَّة من ذرّيّتهِ".
ووردت هذه الخصائص الحسينية ذاتها في رواية عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام): "إن الله تعالى عوّض الحسين (عليه السلام) من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره".
الرواية تذكر إن العلّة في اختصاص الإمام الحسين (عليه السلام) بهذه الكرامات دون بقية المعصومين هي تعويضا من الله على قتله، ومع أن الإئمة جميعا ماتوا قتلا إلا إن الإمام الحسين (عليه السلام) قد قُتل بطريقة غاية في القسوة والإجرام لم يقُتِل بها بشر على مرّ التأريخ؛ جعلت حفيده الإمام المنتظر (عليه السلام) يندبه صباحا ومساء، ويبكيه بدل الدموع دما، ولهذا حباه الله تعالى بهذه الخصائص كرامة له.
كون الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من ذرية الإمام الحسين أمر واضح لا يحتاج إلى مزيد من الإيضاح، ومع إن الإمام الحسن (عليه السلام) يُعتبر أبو الأئمة أيضا؛ لأن ابنته السيدة فاطمة هي زوجة الإمام السجاد (عليه السلام)، وأم الإمام الباقر (عليه السلام)، إلا إن الإمام الحسين هو أبو الأئمة بصورة مباشرة.
ولكن ماذا عن بقية الخصائص؟
إن الإشكال الأكبر الذي يثيره البعض هو كيف يكون التراب شفاء؟ وهو من أدنى العناصر وأرخصها وأكثرها تلوثا، هذا غير
تظافر روايات أهل البيت (عليهم السلام) في حرمة أكل الطين؛ كما ورد عن الإمام الصادق: "إن الله تعالى خلق آدم من الطین، فحرم الطین على ولده".
ولكن التشافي بالتربة الحسينية شيء وأكل الطين المحرّم شيء آخر؛ لأن الروايات حددت كمية يسيرة لا تتجاوز حجم الحمصة أو الأنملة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "لو أنّ مريضاً عرف قدر أبي عبد الله (عليه السلام)، أُخذ له من طين قبر الحسين (عليه السلام) مثل رأس الأنملة، كان له دواءً وشفاء".
وهذه الكمية الصغيرة تبتلع مع الماء كما تبتلع حبة الدواء، أو تنقع بالماء وتشرب، فهذا لا يصدق عليه أكل الطين قطعا،
كما ذكرت الروايات حدود المكان الذي تؤخذ منه التربة؛ فليست كل كربلاء تربتها شفاء؛ بل تربة الحائر تحديدا، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إن في طين الحائر الذي فيه الحسين (عليه السلام) شفاء من کل داء، وأمانا من کل خوف".
كما ذكرت الروايات آدابا وأدعية خاصة ترافق تناول هذه التربة الشريفة؛ فأين أكل الطين المحرّم من هذا كله؟!
ولو احتكمنا إلى آيات القرآن الكريم لوجدنا إن الله تعالى قد جعل الشفاء بأمور غير معهودة، فقد ردّ بصر النبيّ يعقوب (عليه السلام) بقميص يوسف وهو قطعة من القماش لا تختلف عن سواها من الأقمشة، وجعل الشفاء لأيوب (عليه السلام) بماء بارد اغتسل به وشرب منه، ولو فرضنا إنه كان ماء معدنيا فيه عناصر دوائية مؤثرة لكن الله تعالى هو من أودع خاصية الشفاء في هذا الماء دون غيره من المياه، وربما هذا الماء شفى أيوب (عليه السلام) ولم يشف سواه من المرضى أليس كل شيء في هذا الكون خاضع لإرادة الله ومشيئته؟
وإذا ما سأل سائل: لماذا الدعاء تحت قبته تحديدا يلقى من الله الإجابة، أليس الله قد وعد عباده بالإجابة بمجرد أن يدعوه دون قيد أو شرط حيث قال تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡ }، وقال: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }.
نعم صدق الله وهو أصدق من قال، وأوفى من وعد ولكنّه في الوقت نفسه أعطى لبعض الأمكنة والأزمنة خصوصية ليضاعف فيها فيوضاته على عباده وهذا من لطفه وكرمه، فخصّ ليلة القدر من دون الليالي وجعلها خيرا من ألف شهر، وميّز ليلة الجمعة ويومها من ليالي الإسبوع وأيامه، وأعطى لبيته الحرام قدسية خاصة فلا يدخله إلا محرم، ومن دخله يكون آمنا؛ فلا غرابة أن يجعل حرم الإمام الحسين (عليه السلام) موضعا لإجابة الدعاء؛ كيف لا وقد ضمّ أقدس جثمان؛ وهو سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي قال فيه: "حسين مني وأنا من حسين" الإمام الشهيد الذي قدّم لله كل ما يملك قربانا في سبيل حفظ الإسلام من الاندراس، ولولا تضحية الإمام الحسين (عليه السلام) لما أبقى الأمويون للإسلام حتى صورته الشكلية، وكل منصف عليه أن يدرك أنه مدين للإمام الحسين (عليه السلام) بكل صلاة يؤدّيها، أو فرض من فروض الإسلام يمتثل له.
كان أحد علمائنا الأجلّاء وقبل أن يكبّر لكل صلاة يكرر ثلاث مرات: "صلّى الله عليك يا أبا عبد الله" وكان يقول: لولا الحسين لما بقيت صلاة!
ورُوي إن أحدهم سأل الإمام السجاد (عليه السلام) بعد عودته من كربلاء: من غَلَبَ؟
فأجابه الإمام: "إذا أردتَ أن تعلمَ من غَلَبَ و دخل وقت الصَّلاة فأذّنْ ثمّ أقمْ".
لقد انتصر الإمام الحسين (عليه السلام) وهلك واندثر أعداؤه، وبفضل نهضته وتضحيته بقي الإسلام بخير، وبقي ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) يتجدد عند كل أذان، فلا غرابة أن يكرمه الله تعالى بخصائص حرّكت قرائح الشعراء فقد جاء في قصيدة ابن العرندس الشهيرة التي عُرف عنها أنها لا تُقرأ في محفل إلا وحضره الامام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف):
له تربةٌ فيها الشفاء وقبةٌ
يُجاب بها الداعي إذا مسّه الضرُّ
وذريةٌ دريّةٌ منه تسعة
أئمة حقٍ لا ثمانٍ ولا عشرُ.
اضافةتعليق
التعليقات