للتفاهة أداة لغوية هامة هي اللغة الخشبية langue de bois أو اللغة الجوفاء المحمّلة بالحقائق والتأكيدات التوتولوجية autology أي النطق بتحصيل الحاصل الذي يقوم على الحشو أو مجرد التكرار بألفاظ مختلفة، وكأن في الأمر قضيّة جديدة تدفع بمعرفتنا إلى الأمام، رغم أنه لا يضيف عما هو معروف عن الشيء أساساً، بما يعني أنها محض ألفاظ زائدة على أصل المعنى من دون فائدة.
فالمقصود بهذه اللغة هو «الخطاب الأجوف، الصالح لكل زمان ومكان»، الذي هو في حقيقته «فن لا يحذقه - عكس ما يُظَنّ - إلا قلةٌ من الناس ويذكر الأمر بما كتبه أبو حيان التوحيدي عن رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا(وهم جماعة من فلاسفة المسلمين العرب الذين نشطوا في القرن الثالث الهجري) : قد رأيت جملة من رسائل الإخوان وهي مبثوثة من كلفن بلا إشباع ولا كفاية وهي خرافات وكنايات وتلفيقات وتلزيقات، وحملت عدة منها إلى شيخنا أبي سليمان المنطقي السجستاني محمد بنبهرام، وعرضتها عليه، فنظر فيها أياماً، وتبحرها طويلاً، ثم ردّها علي، وقال تعبوا وما أغنوا ونصبوا وما أجروا وحاموا وما وردوا، وغنوا وما أطربوا ونسجوا، فهلهلوا، ومشطوا ففلفلوا». وفي زمننا المعاصر، ربما كانت هذه اللغة الخشبية هي ما قصده الكاتب الجزائري مالك بن نبي تحديداً عندما قال: "لكم رأينا أناساً يتصدرون الحياة العامة، فيتناولون الأشياء لمجرد التفاصح والتشدق بها، لا لدفعها ناشطة إلى مجال العمل. فكلامهم في هذا ليس إلا ضرباً من الكلام مجرد من أية طاقة اجتماعية، أو قوة أخلاقية، على الرغم من أن هذه القوة هي الفيصل الوحيد بين المواقف الفعالة، الأخلاقية والمادية."
وهكذا، فما المقصود من الحديث باستخدام لغة كهذه إلا المزايدة اللغوية لكسب الرهان بإيقاظ اهتمام الرأي العام، إذ لا هي تعدو بالنهاية أن تكون محض لغو، بل إنها قد تفوق ذلك أيضاً وتصل إلى حد التكلف والتحمل والادعاء والتخمين والاستنتاج من مقدمات غير ثابتة.
ومن أجل مقاربة أدبية لهذه اللغة الخشبية، قد يكون في استحضار ما يعرف بـ«نيوسبيك» Newspeak أمر ذو علاقة، فهي لغةٌ ابتدعها الكاتب البريطاني جورج أورويل George Orwell في روايته 1984، لتكون لغة مليئة بالاستعارات والكلمات الطنانة التي لا معنى لها.
يُذكر أن لأورويل Orwell أيضاً مقالاً شهيراً بعنوان «السّياسة واللغة الإنجليزية(1946) Politics Language أورد فيه أن عادات الكتابة الخشبيّة مُستفحلة، أكثر ما يكون، في أوساط السياسيين..
أما في دولنا العربية، فيكثر استعمال هذه اللغة الخشبية، والمصطلحات والقوالب المعلبة والجاهزة والتي كبرنا ونحن نسمعها يومياً، حتى إننا حفظناها جيدا، سماها البعض أيضا باللغة الدعائية للأحزاب، التي تقوم على فرضية معينة لخبر معين، حتى صرنا نجد أن "معجم اللغات الخشبية" مقسما إلى مفردات إيجابية وسلبية، أي مفردات تنتمي إلى توجهات سياسية محددة، وكانت الصحف، وربما مازالت حتى الآن، ترفض أو تمنع استعمال مفردات يعتبرها النظام عدائية بسبب مدلولات توحي بمظهر من مظاهر الرأسمالية أو الحضارة الغربية بشكل عام، مثل مصطلحات (الشرق الأوسط، أو دول الطوق، حقوق الإنسان)، وتوصيهم باستبدالها بمرادفات لها خالية من تلك المدلولات مثل (دول المواجهة، ودول الصمود والتصدي، الحقوق الإنسانية).
وقد أكدت الدراسات أن اللغة الخشبية تُفرض على الناس فرضا، لا سيما أن محو الأمية وتربية الناس البسطاء في الفترة الماضية تمت عن طريق تدريس اللغة الخشبية، مما عرقل بلوغ أولئك الناس النضوج النفسي والفكري ومنع تطور شخصيتهم. وتفهم التطور الذي حصل العالم، وشجعت بقاء الناس يعيشون في الماضي، ويعتقدون إن كل كلمة جديدة مستوردة، ولا تليق بمجتمعاتنا العربية، وإنها جزء من نظرية المؤامرة التي تريد أن تفقد الشعب العربي ثقافته العربية.
اضافةتعليق
التعليقات