يُعد الإحسان من الفضائل الإنسانية المفصلية في حياتنا، لما فيه من آثار وثمار ترسم لنا الطريق نحو سلم الكمال؛ فللإحسان وجهان كما ورد في مفردات الراغب بقوله: [الإحسان على وجهين: أحدهما: الإنعام على الغير، والثاني: إحسان في فعله، وذلك إذا علم علمًا حسنًا أو عمل عملًا حسنًا].(١)
وهذا ما نجده في قصة النبي يوسف (عليه السلام) التي عُبر عنها بأحسن القصص؛ قال تعالى: {قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}(يوسف:90)، وذلك من خلال مفهومي (التقوى) و(الصبر).
الإحسان بوجهه الأول وأثره
إذ تجسد بموقفه (عليه السلام) من إخوته مع عظيم ما إرتكبوه في حقه من أذى كما في قوله: {قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ...(77)قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ...}(يوسف :83)، وفي موضع آخر: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:91).
أما الأثر: إنه كان مستحقاً ليُفضَل على سائر أخوته، ويكون الأقرب والمصطفى عند الله تعالى، كما في قوله: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}(يوسف:91).
الإحسان بوجهه الثاني وآثاره
النبي يوسف (عليه السلام) مَرة بما يُعرف [باختبار تقلب الأحوال]، الأول أن أهل السيارة زهدوا فيه، ولم يعرفوا حرمته وقدره، كما في قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}(يوسف:20)، مع إنه كان نبي وابناً لنبي، له من الكرامة والعزة ما له! والثاني عندما اشتراه عزيز مصر حيث عاش مكرماً، كما في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ}(يوسف:٢١).
يوسف الإنسان المتواضع المُحسن بقي هو... هو، فلم يجزع أو يمتعض لزهد السيارة فيه، ولم يطغُ ويتكبر لإكرام العزيز له، بل صبر وإتقى.
وآثار إحسانه هذا كان هي بلوغ المُكنة كما في تتمة الآية: {وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ}، الآية لم تقل التمكين في بيت العزيز أو بمصر بل الأرض بكل ما فيها وما عليها، وهذا يكشف لنا عن عظمة أثر الإحسان.
وأيضا من الآثار هي تحصيل الحكمة والبصيرة والتفهيم والدراية، كما في قوله تعالى: {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ...(٢١)وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(يوسف:٢٢).
وأما الثمرة فهي حُسن الخاتمة، كما في قوله: {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}(يوسف:٢٣).
لذا هذه القصة تُعد خير ملهم ومرشد لأنها النموذج العملي الأمثل لمن يُريد بلوغ مقام المُحسنين وآثاره وثماره في الدارين.
اضافةتعليق
التعليقات