تداولت وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة (ترنداً) يحملُ بين طيّاتهِ سؤالاً هزلياً وساخراً على الصعيد الفكري للمجتمع، يتسائل به رّواد التواصل ضاحكين:
"لماذا نحنُ هُنا؟... سؤالٌ صعب" يبرمجونهُ على مقاطع الفيديو الخاصة بهم ميلاً لمواكبة الموجات العارمة التي لا تنتهي (للترندات الإلكترونية) والتي أصبحت رمز الشرف لكلِّ من أراد أن يُلقّب بالشاب العصري.
ولكن.. لماذا نحنُ هنا؟، هل تساءلنا فعلاً عن سببية وجودنا في هذه المجرة؟ وعلى كوكب الأرض؟، وفي بلدنا بالذات؟، وضمن عوائلنا بالتحديد؟، وبكوننا نحنُ ولسنا الغير؟، هل خُلقنا لكي نعيش أم عشنا لنعرف لماذا خُلقنا؟، والسؤال الأهم هو: لماذا نحنُ هنا؟ هل هوَ مَحضُ سؤال أم هو مفترقُ الطُرقِ بين التيهِ والبقاء؟
عندما دخلَ نبينا إبراهيم (عليه السلام) في امتحانِ وجودهِ، قرر أن يواكب غيضَ أمتّه علّهُ يفيضُ عليه بمعرفة خالقه، ليتسنى لهُ فيما بعد إدراك الإجابة عن سؤالهِ الداخلي (لماذا أنا هنا؟)، ولكنَّ سؤالهُ كان إجابةً قد جاورت نبعَ الفطرة بداخلهِ، بعد أن تساقطت أمامهُ كواكبُ الإلوهية بلا حولٍ أو قوّة، جواب يُخلق من الذات اللامعروفة ليكون المعرفة الأسمى في حياته، معرفة العبودية المطلقة التي هيأتهُ ليكون سيد المُمهدين للمعرفة الإلهية على يد رسولنا محمد (صلى الله عليه وآله).
ولكن هل معرفة الإلوهية والعبودية هي الخطوة المتشابهة للجميع وما بعدها سواءٌ عند الناس؟ أم أن الاختلاف يُغلّفُ طُرقَ الإدراك المعنوي أيضاً؟
إن اختلاف أجناس البشر وأشكالهم، هو ليس خَلقٌ عبثيَّ الوجود أو من صُدفِ الطبيعة المحضة كما يدعّي ربائبُ المدرسة الواقعية، بل هو بابُ حقيقةٍ معنوية ترنو إلى اختلاف طُرق الوصول إلى الله ومعرفة النفس، ولنا في نهج البلاغة للبليغ الأعظم نورٌ ودلالة:
"عن عبد الله بن يزيد عن مالك بن دحية، قال كنا عند أمير المؤمنين عليه السلام، فقال وقد ذكر عنده اختلاف الناس:
إنما فرق بينهم مبادئ طينهم، وذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ أرض وعذبها، وحزن تربة وسهلها، فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون، وعلى قدر اختلافها يتفاوتون، فتام الرواء ناقص العقل وماد القامة قصير الهمة، وزاكي العمل قبيح المنظر، وقريب القعر بعيد السبر، ومعروف الضريبة منكر الجليبة، وتائه القلب متفرق اللب، وطليق اللسان حديد الجنان" [1]
فقد اختصر المولى سجية البشر واختلافهم ببضعِ كلماتٍ حملّها معانٍ جمّة، وكان لابد لهذا الاختلاف أن يتجلى على صعيد أدوارهم في الحياة والعودة إلى الدائرة الأولى التي عاهدوا عليها من قبل، وهي دائرة عودة العبد إلى الرب.
وكان من أبواب هذا الاختلاف هو تنوّعُ الأدوات الدنيوية، فقد أودع الله سبحانه لكل عبدٍ أداةً داخلية يبصرها الإنسانُ على هيئة مهارات أو هوايات أو توقٍ إلى المسألة أو حتى شعور يقودُ صاحبهُ إلى ربط التقاطع، فقد اكتست تلك العطايا صبغةٍ خارجية لم تبلغُ بصاحبها إلا إلى موقعٍ أو إبداع أو طموحٍ مُعيّن على حدِّ ظنّهِ، ولكنَ صبغتها الحقيقة هي صبغةُ الطريقِ إلى الله ومن أحسنُ من الله صبغة، فما من حاجة للفطرة أو إدراكٍ لها إلا ولهُ أداتهُ في المحيط والتي تُشبعُ هذا الاحتياج، فإن كان وجودنا يتمحور حولَ عودتنا إلى الله، فلابدَّ لله أن يخلق لنا تلك المركبة، فبدايةُ الطريق.. سؤال.
اضافةتعليق
التعليقات