انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح «التنمر الإلكتروني»، وهو شكل من أشكال التنمر المتعددة الناتج عن الكلام والمشادات اللفظية على المنصات الرقمية. ولا يختلف التنمر الإلكتروني عن التنمر الواقعي، فالتنمر الإلكتروني قد يتحول إلى تنمر واقعي أو العكس.
تلميذّ شاب من جنوب أفريقيا أصبح حديث مواقع التواصل الاجتماعي العربية والعالمية بعد انتشار خبر وفاته منتحراً، وقد سلّطت هذه الحادثة الضوء على الإساءة بأشكالها. التنمر كلمةٌ أصبحت شائعةً شيوع الفعل المرتبط بها خصوصاً ضد الأطفال والمراهقين، ويمكن تجنب هذه الوقائع بتوعية الأهل والمعلمين بأشكال وعلامات التنمر وكيف يمكن بدورهم تقديم المساعدة للحد من هذه الظاهرة.
ما هو التنمر الإلكتروني؟
إذ عُرفت ظاهرة التنمر الإلكتروني بأنها كل قضية تتعلق بالتكنولوجيا الحديثة وتحدث من خلال الجلوس وراء الشاشات والتعامل مع كثير من الأشخاص، وبحكم الجلوس وراء الشاشة من خلال الأجهزة الرقمية ومنصات التواصل الإجتماعي ومواقع الويب يسمح الفرد لنفسه بالحديث بشكل أقوى والإساءة وإحداث تصرفات بقوة وبصورة أعلى حيث لا يوجد هنالك عامل المواجهة. وقد صنفت الشركة العالمية للأبحاث في السوق "إبسوس" المتنمرين بالفئة العمرية ما دون 18 عاماً.
تُشير الدراسات أن معظم ضحايا التنمر، عبر الأسلحة الافتراضية من فيسبوك وإنستغرام وتوتر وغيرها بذخيرتها من رسائل التحرش والتنمر، تكون من الأطفال والمراهقين؛ إلا أن هذا النوع من التنمر منتشرّ أيضاً بين البالغين كما صرحت أخصائية العلاج النفسي في مستشفيات الطب النفسي "أكسيو"، ميغان هوسكينج. وصرحت أيضاً بأن البالغين أكثر قدرة من الأطفال والمراهقين على التخفي واستخدام التكنولوجيا بشكل أوسع، حيث تصل نسبة البالغين ممن تعرضوا للتنمر إلى 40%، وكثير من الحالات التي وصل عددها إلى 40% يبقى فيها الشخص المتنمر مجهول الهوية. لُوحظ بالتزامن مع الحادثة الأخيرة في جنوب أفريقيا، أن نسبة هذه الظاهرة في ارتفاع ملحوظ حيث وصلت هذه النسبة إلى 65%، والأكثر شيوعاً أن معظم المتنمرين هم أقرب الناس إليك من زملاء الدراسة أو العمل أو حتى من الجيران.
نُلاحظ بعض نماذج الترهيب والتنمر الإلكتروني هو استغلال لمواقع التواصل الاجتماعي لإيذاء أشخاص آخرين بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية جداً ومن هذه الوسائل هي الاتصالات والرسائل التي تسعى للإيذاء والتخويف والتلاعب وتشويه السمعة. وتوضح ميغان هوسكينج أن هذه الظاهرة ستستمر بالارتفاع بالتزامن مع زيادة استخدام هذه المواقع والمنصات الاجتماعية والتي هي أحد أسبابها.
التنمر الإلكتروني قد يؤدي إلى تنمر واقعي في بعض الأحيان؛ إلا أن إخفاء المتنمر لشخصيته الحقيقية وبُعد المسافة بين المتنمر والضحية يقلل من النتائج والأضرار المحتمل حدوثها في حال المواجهة. فهذه المجهولية تعطيه بعض الثقة والقدرة على إخافة أغلب ضحاياه ممن لا يقوى عليهم في المواجهة المباشر. فالتنمر يعاني أيضاً من انخفاض تقدير الذات ونقص التعاطف نحو ضحاياه، فهو لا يشعر بالندم عن سلوك التنمر تجاه الضحايا.
كيفية اكتشافه:
قد يختلف تحديد سلوكيات التنمر الإلكتروني عن التنمر الواقعي باختلاف المكان والوسائل المستخدمة. يمكن للتنمر الإلكتروني أن يبقي الشخص مجهول الهوية باستخدام حسابات مؤقتة أو أسماء مستعارة وقد يظن أن هذا يحرره من المعيارية والقيود الاجتماعية على سلوكه. وتختلف هذا السلوكيات التي تشير إلى إساءة استخدام الشخص للمنصات الإلكترونية ومنها:
- نشر منشورات أو تعليقات تسبب التنكيد للضحية وقد تكون على هيئة صور أو فيديوهات.
- الترويج لأخبارٍ كاذبة.
- إرسال رسائل أو صور الغرض منها الأذية والتعنيف الافتراضي.
- السرية في مشاركة منشوراتهم على الإنترنت أو الهاتف المحمول أو حتى على وسائل التواصل الإجتماعي.
التنمر الإلكتروني، هل هو مرض وله أعراض؟
يعد التنمر الإلكتروني شكل من أشكال العنف وله آثار سلبية على نفسية الضحية. هذه الآثار التي قد تكون نفسية أو اجتماعية قد تودي بالضحية إلى الاكتئاب أو العنف أو الإنتحار. وعلى الأهل التنبه لمشكلة التنمر وما إذا كان طفلهما يتعرض للتنمر داخل المدرسة وساحاتها، أو في محيطهم الاجتماعي، وهناك بعض العلامات الدالة على تعرض الطفل للتنمر على الأهل التنبه لها.
أعراض التنمر:
تغيير في أسلوب التواصل.
تقلب المزاج.
تغيير في سلوكياته وتصرفاته.
فقدان الشهية.
رفض الذهاب إلى المدرسة.
الابتعاد عن الأصدقاء أو عن أي تجمعات.
أوضحت هوسكينج أيضاً إلى ضرورة الانتباه إلى الأطفال وإبقاء سلوكياتهم تحت الملاحظة عند استخدامهم للأجهزة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي مع ضرورة الرقابة الأبوية فضحايا التنمر الإلكتروني أكثر عرضة للاكتئاب وتقلب المزاج من ضحايا التنمر الواقعي. أعراض التنمر الإلكتروني لا تختلف عن أعراض التنمر بشكل عام بكافة أشكاله، وتكون عادة ملاحظة من قبل الأهل والمدرسون. وتؤكد أيضاً على حث الأطفال وكسب ثقتهم في الإبلاغ عن حالات التنمر الإلكتروني التي قد يتعرضون لها وحثّهم على تجاهل رسائل التنمر الإلكتروني، وتعزيز ثقتهم بنفسهم.
كم من كلمة غُرست في قلب أحدهم كسهمٍ لا يزول أثره، فمعظم حالات الانتحار تبدأ بسبب العنف اللفظي من قبل المتنمرين الذين لا يتهاونون للحظة في نشر صور الضحايا ونعتهم بأقبح الألفاظ على الأجهزة الذكية أو مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبب لهم الانطواء والاكتئاب ومن ثم الإقدام على الانتحار نتيجة وقوع الأبناء تحت ضغط نفسي شديد، فالضحايا يصبح لديهم اقل تقدير للذات وزيادة التفكير في الانتحار والانتقام والخوف الدائم والإحباط والغضب. وأحد أكثر الآثار المدمرة هو ان يبدأ الضحية بتجنب أصدقائه وتجنب المشاركة بالأنشطة وفي كثير من الأحيان تكون هذه نية المتنمر الإلكتروني.
الوقاية من التنمر الإلكتروني
يُنصح بتوطيد العلاقة بين الآباء والأبناء وتعزيز سُبل التواصل اليومي بينهم، وتجنب ضربهم، مع مدحهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم منذ الصغر، بالإضافة إلى أهمية تدرّيبهم على سُبل التصدي للمضايقات اللفظية لحماية أنفسهم من الضرر، ومن هذه السُبل:
- علّم أطفالك حماية كلمات المرور الخاصة بهم وتفاصيل الحسابات على الإنترنت.
- التحفظ على الصور الخاصة وعدم نشرها.
- الانتباه جيداً قبل نشر أي موضوع خاص يتعلق بك وقد يستخدم ضدك مع ضرورة -المحافظة على خصوصية معلوماتك الشخصية عن الغرباء.
- يُفضّل عدم التعبير عن العواطف الحقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي بأي حال من الأحوال.
- يظن المتنمر أنه لا يمارس التنمر الإلكتروني، ولكنه يفعل طالما أنه يضايق شخصًا ما، فتعليق عابر كـ "أنت غبي/ة" هو أيضًا تنمر أو وضع إعجاب لمنشور يُوحي بالتنمر، فيجب الانتباه!
-فكر ألف مرة عند إقدامك على انتقاد أو التعليق على منشور شخص ما، وضع نفسك مكانه.
أظهرت الدراسات أن طفل واحد من بين عشرة أطفال فقط من قام بإبلاغ والديه عن تعرضه للتنمر، فغالباً الضحية تكون معرضة للترهيب والابتزاز من المتنمر؛ لذلك من واجبنا تقديم المساعدة في حال ملاحظة أي نوع من التنمر الإلكتروني. فأبسط نوع من المساعدة التي يمكن تقديمها أن نبلغ إدارة الموقع أو المنصات الإلكترونية عن أي شخص معروف بالتنمر أو عن أي محتوى غير لائق ممكن أن يودي بالضحية إلى أضرار نفسية جسيمة.
يجب أن يكون الجو الأسري صحياً آمناً خالياً من الصراعات والتسلط، مليء بالحب والحوار المفتوح بين الآباء والأبناء؛ وذلك حتى يتسنى للابن التعبير عن كل ما يحس به ويتعرض له، كذلك يجب أن يتم مناقشة المشكلات بطريقة النقد البنّاء. وكذلك يجب تشجيعه ليعود لأي شخص يثق به في حال تعرض لأي سلوك يوحي بالتنمر وكذلك تقديم المساعدة في حال تعرض صديقة أو أي شخص قريب منه للتنمر. ومن الجدير بالذكر أيضاً بضرورة حفظ جميع رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية، والرسائل الفورية، وعناوين الويب وغيرها من الأدلة. وسجّل ساعة وتاريخ إرسال كل رسالة.
فبقدر ما يكون لديك معلومات عن الشخص المتنمر، تتمكن من تحديد هويته، وبالتالي تستطيع التقدّم بشكوى إلى شرطة جرائم الإلكترونية أو المعلوماتية وتوقيفه بسهولة، لأنك تملك الأدلة التي تدينه.
ووفقًا لعدة قوانين محلية وعالمية، يمكن توجيه تهمة جنائية إلى المتنمرين عبر الإنترنت سواءً كان التنمر بالاعتداء أو ترويج الإشاعات أو الابتزاز أو الإجرام وفقًا للحالة المحددة.
وفي النهاية تتعدد طرق مكافحة التنمر وخاصة بين مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي كلاً وفقاً لأسلوبه وأحساسه بمدى خطورة تلك الظاهرة المشينة وإنعكاساتها السلبية على ضحايا التنمر والمجتمعات وأهمية مواجهتها والتركيز على إنشاء حملات التوعية وتقديم الإرشادات وتسخير كافة الوسائل المتاحة سواء من خلال نشر عبارات مؤثرة عن التنمر أو رمزيات عن التنمر أو وضع لافتات ارشادية عن التنمر وغيره من ملصقات عن التنمر تدعم فكرهم في التغلب على التنمر.
اضافةتعليق
التعليقات