دأب الإنسان دوما لدرء عوارض الطبيعة عن نفسه ومايملكه وغالبا ماتعجز القدرة البشرية المحدودة للتغلب عليها او مواجهتها، وما ان ترحل الأعاصير وتهدأ البحار وتنام البراكين، تغرد العصافير من جديد وتمتد خيوط الشمس لتنقر الارض لتبشرها بيوم هادئ صاف جميل وتخبرها (إن مع العسر يسرا) فتتناقل الأخبار والقصص الممرغة بالألم والفقد والخوف ليرويها لنا الناجون والعابرون لبر الأمان ويوثقها لنا المصورون.
وقد لفت انتباهي يوما ما قصة نشرت في احدى الصحف لسيدة أربعينية وابنتها الشابة من الولايات المتحدة التي ضرب الاعصار مدينتهم.
فالسيدتين بعد ان وجدن انفسهن عالقتين لا يستطعن الهرب وكل شيء يتحطم من حولهن قررتا ان يختبئن تحت طاولة صغيرة اعتبرنها طوق نجاة!، لا اعرف من هي صاحبة الفكرة ولا افهم كيف اقتنعن بها لينفذنها.
تذكرت وقتها المقولة الشعبية الدارجة (الغركان يتعلك بكشاية) التي يعيب عليها الكثير باعتبارها موت للتفكير المنطقي وتوقف للعقلية الاستنتاجية البشرية والعقل والمنطق يقول: أنت ميّتٌ على أية حال..؟ وهل الميّتُ يخشى البلل..؟؟!
ولكن حكاية السيدتين قد قلبت موازين المنطق والاستنتاجات الطبيعية فطاولة وسط هذا الدمار تكاد تكون اقل من القشة او تقاربها فالإعصار كبير ومدمر فقد اقتلع البيوت من أساسها والأشجار من جذورها وأصبحت المدينة بساعات قليلة خرائب وأشلاء إلا تلك المنضدة لم تتزحزح ولم تتأذ تلك السيدتين المختبئتين تحتها!.
سبحان الله خالق الكون ومقدر الاقدار فالق ظلمة الجهالة بصباح الفهم والإدراك......
فما معنى هذه القشة؟
أتعني الامل بكرم الله ولطفه وحسن الظن به حتى لو (...َبَلغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِر..) ام تعني الإصرار على الحياة والنضال من اجل البقاء لأن الحياة تستحق التمسك بها؟ او تعني لا مستحيل وكل شيء جائز وربما يكون، حتى لو كان الأمل يشع من خرم إبرة.
أم تعني حتى لو كانت يديك مكبلة بقيود الأعراف والتقاليد المتفسخة، مسلوب الإرادة وليس لك الحكم على قرارات ومخططات حياتك، حتى لو دفنت تحت سابع أرض بسبب الجهل والفقر والتخلف.
ام تعني التعلق بحبال الامل والرجاء بالله وبنفسك وتصر إصرارا مستميتا على الاستمرار والبقاء وتقاوم اشتباكات الحياة ومآزقها بصلابة حتى لو لم تنتصر ستعاود الكرة مرة تلو الأخرى ولا تكف عن رغباتك بالمسلمات والمجربات وتتخذ ركنا خاويا تدفن به أحلام كالمهزومة والمتكسرة على أعتاب الممكن وغير الممكن.
ام تعني الانتفاضة على الأفكار البليدة والامتناع عن الوقوف آخر الطابور حتى لو هيئوا لعقلك ليتقبله.
او كل هذه المعاني ويزيدها ما لم نستطع ذكره؟
إذاً فلنحسن الظن بالله ونتمسك بالقشة حتى نتعلم السباحة ونعوم بمهارة ببحر الحياة المتلاطم، ويوما ما سيلفح شعاع الشمس قلوبنا ونغرف بيدينا ثمرة الصبر والتفاؤل والأمل ونصل إلى بر الأمان.
اضافةتعليق
التعليقات