قيل قديما: أنّ الصحفي يحوّل الكلمات الى أسلحة!!
وفي الوقت الحاضر تحوّلت فوهة ذلك السلاح الذي صنعه الصحفي لتصوّب عليه فترديه قتيلا أو جريحا، وباتت مهنة البحث عن المتاعب مهنة الموت والمصائب.
و تكريما لكل من قّتل وسُجن وعٌذّب وجازف بحياته في سبيل الكلمة الحقّة، أحيت المؤسسات الاعلاميّة والصحفية و المنظمات الدولية التي تُعنى بحقوق الانسان والحريات الشخصية بيوم العالمي للصحافة في ال 3 من مايو/ ايار، وكما في كل عام تمّ تقديم مجموعة من التقارير والكلمات تبيّن فيها المؤسسات الاعلاميّة مكانة الصحافة والصحفيين.
وفي تقريرها السنوي قالت مسؤولة في منظمة مراسلون بلا حدود ياسمين كاشا في المؤتمر الصحفي الذي عقد بالعاصمة التونسية للإعلان عن التصنيف العالمي لحريّة الصحافة لعام 2016: أن العالم يشهد تراجعا ملحوظا في مستويات حرية الصحافة، وفي التصنيف العالمي لحرية الصحافة كشفت ياسمين على أن منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط صنّفت كواحدة من أصعب وأخطر مناطق العالم على الصحفيين.
كما كشفت دراسة حديثة للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان أن مانسبته 90 في المائة من مرتكبي الانتهاكات والجرائم بحق الصحفيين لم يطلهم العقاب بسبب انتهاكاتهم.
تأتي هذه التقارير في الوقت الذي يتعرّض فيه آلاف الصحفيين في العالم الى القتل الممنهج والاستهداف المباشر وذلك بغية طمس الحقائق واخفاء الاحداث التي تُكلّف الصحفي حياته وسلامته في سبيل ايصالها الى المشاهد او القارئ.
وفي سياق هذه المناسبة التي يٌكرّم فيها العديد من الاعلاميين والصحفيين عن تقاريرهم وكتاباتهم واقتحامهم الجريئ لسوح الحرب والنزاع، يكمن السؤال المهم وهو من يستهدف الصحفيين.. وما الغاية من ذلك، وهل هذه الجرائم تنحصر في القتل والاستهداف المباشر والشخصي فقط؟!
بلا شك نعيش اليوم حربا إعلاميّة تديرها دول ومؤسسات كبرى وتخوض غمارها أدوات ذكيّة تتمثل في صحف كبرى وقنوات فضائية مشهورة و تعتمد على آليات متعددة تستند جلّها الى علم الاجتماع والنفس لتؤثر أكثر بالجمهور الذي يصدّق في الغالب مايسمعه ومايراه، وهم يعلمون دور السلطة الرابعة في الناس، فكما يقول الكاتب أوسكار وايلد: في أمريكا، يحكم الرئيس لأربع سنوات، بينما تحكم الصحافة الى الابد.
وكما هو معروف فإنّ الدول الاستعمارية تهدف دوما الى اعادة نفوذها والسيطرة على دول بعينها ولاسيما تلك التي تزخر بالذهب الأسود وذلك عن طريق أدواتها الاعلاميّة!!
فمعظم المنظمات اليوم تندد وتشجب عمليات الاعتداء والاغتيال والخطف التي تطال الصحفيين ولا تشير في معرض كلامها الى السبب الحقيقي وراء تلك الاستهدافات.
ففي العراق وسوريا واليمن وفلسطين وغيرها قُتل الكثير من الصحفيين وتتجاهل تلك المنظمات والتي تدّعي حرية الكلمة المجرم الحقيقي لأولئك الابرياء، فهم ينددون بحامل السكين ويتغاضون عن الذي أعطى تلك السكين لذاك المجرم والذي يقتل لمصالح سياسية وماليّة ودينية.
وبطبيعة الحال كان من واجب تلك المنظمات والدول أن تُقدّم على الأقل ممرات آمنة وضمانات لسلامة الصحفيين وخصوصا في مناطق النزاع.
هذا من جانب ، ومن جانب اخر فإن الكثير من الجرائم اليوم ترتكب بحق الصحافة والاعلام ولكن ماهو فعلا تعريف تلك المنظمات الانسانية والحقوقية لكلمة جريمة!!
فالتعتيم الاعلامي جريمة وانتقاء خبر دون اخر جريمة ايضا وحجب قنوات فضائية دون اخرى او موقع الكتروني دون اخر جريمة بكل تأكيد!!
ولكل من يدّعي حريّة التعبير الذي لايؤذي الاخر ولا يعتدي عليه، أين هو من هذا كله؟!
وضاعت وسط هذه الدوّامة من المصالح السياسية والدوليّة والازدواجية قيم الصحافة وأخلاق الصحفي المهنيّة وأهمها المصداقيّة والموضوعية.
اذن فلابد من خطوات جديّة تعزز حريّة الصحافة في العالم ولا سيما منطقة الشرق الاوسط البيئة الخصبة والملتهبة لمهام الصحافة ولا سيما الاستقصائية والتي يُقتل فيها الكثير من الصحفيين بسبب تحقيق او تقرير تناول موضوعات حسّاسة في المجتمع .
ويجب على كل صحفي أن يرفع صوته عاليا في وجه القمع والقتل الذي يصيبه ويطلب بدل من تهنئته في يومه لو تساهم الحكومات في رفع الانتهاكات المتكررة لمن حمل روحه على يديه وانطلق للكشف عن الحقيقة وساهم في فضح الفساد وأهله فيجابه بالتكميم وهو الأحق في حريّة التعبير.
وكما يقول الكاتب الفرنسي فولتيير: انني أختلف معك في كل كلمة تقولها لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في ان تقول ماتريد.
والحقوق لاتوهب بل تؤخذ، وكذلك حقوق الصحفي!!
اضافةتعليق
التعليقات