كانت تغار من لون شعري، من ثيابي، من أي زينة أرتديها حتى بت أتجنبها خوفا من اثارة غضبها لأي سبب بسيط يشعل فتيل مشكلة بيننا من أجل أن لا أضع زوجي في مأزق المفاضلة محاولا كسب رضاها ورضاي فمهما يكن هي أمه ورضا الله من رضا الوالدين..
تكمل غدير حديثها قائلة: حينما أصيبت أم زوجي بمرض عضال ولازمت الفراش لشهور حتى تحولت سنوات وخفت زيارة ابنتها لها لانشغالها بأطفالها وحياتها فأصبحت أنا المعيلة الوحيدة لها في وطأة مرضها، وفي تلك المحنة العصيبة أحست بندم كبير لمعاملتها لي بسبب غيرتها، وكان سبب ذلك يعود لما لاقته في صباها فقد أصبحت أرملة بعمر صغير جدا ورفض ذويها أن تتزوج كما هددها أهل زوجها بأنها لو اقترنت برجل آخر سيأخذون الأطفال فحملت بروحها وجع الحرمان من حقها الشرعي وهنا أعطيتها الحق إزاء ما تشعر به اتجاهي وتناسيت كل تلك المنغصات وأكملت رسالتي في رعايتها لكونها بمثابة أمي إلى أن وافاها الأجل.
صراع تقليدي
تنفرد أغلب المجتمعات العربية بصراع تقليدي بين أم الزوج الموصوفة بـ (العمة) وبين زوجة الابن الموصوفة بـ (الكَنة) وقد ينشأ هذا الصراع بين الطرفين حتى عندما تكون الأم هي من اختارت الزوجة لابنها سواء إن كانت قريبتها أو لا تمت لها بصلة الدم، ومن النادر جدا أن تربطهما علاقة مودة وألفة فغالبا ما تندرج المشاكل الأسرية بسبب علاقتهما المتوترة الأمر الذي يجعل الابن في موقف لا يحسد عليه وهو محاولا إرضاء الطرفين.
السكن المشترك
(لو العمة حبت الجنه ابليس يدخل الجنة) بهذه الجملة استهلت المحامية لمياء كريم حديثها ثم تابعت قائلة: هذا المثل الشعبي المتعارف والمتداول بين الأوساط المتجمعية يوضح لنا مدى عمق هذا الصراع الأزلي المتوارث بين أم الزوج وزوجة ابنها، أرى أن الأمر يرتبط غالبا بالغيرة خصوصا إذا كانت أم الزوج أرملة أو مطلقة في سن مبكر إذ تشعر بأنها هذه الزوجة قد سلبت منها أعز ما تملك وهو ابنها، ولا ننسى بالذكر الجانب الديني والأكاديمي ودورهما المهم لجميع الأطراف وهما ما يجعلان الشخص المقابل يتصرف بحكمة حيال أي مشكلة تصادفه خصوصا إذا كانت الأسرة تعيش تحت سقف بيت واحد.
كما أن السبب الرئيس في نشوب المشاكل الأسرية أساسها السكن المشترك لهذا يفضل العيش في بيت مستقل في بدية الحياة الزوجية لتجنب أي مشاكل أسرية.
مادة دسمة
ترى الإعلامية سوزان الشمري: أن الصراع بين العمة والكنة هو مادة دسمة لأحاديث النميمة المتناقلة بين أوساطنا المجتمعية والحدث البارز لتلك الجلسات.
وليس بالضرورة أن تخضع هذه العلاقة للصورة النمطية المتعارفة في العلاقة السلبية حيث يدعمه الإعلام بإظهاره خصوصا على محطات التلفاز ولا ننكر وجوده في حياتنا اليومية إلا أن هناك جانب ايجابي لهذه العلاقة وتكون أقل حدة مما يظنه البعض ولكن لم يسلط الضوء عليها فهم يبحثون عن موضوع أكثر دراما وتشويق.
وأضافت: تتعدد أسباب الخلافات بحسب بيئة ظروف العائلة منها أن تكون أم الابن (العمة) سعت إلى تأسيس مملكتها الخاصة بوضع ضوابط لمنزلها وهي لا تحب أن تتغير مثل ترتيب وجبات الطعام، أثاث المنزل فحينما تأتي فتاة أخرى تكسر هذا النظام وفق عادات أسرتها يشكل هذا تصادما فيما بينهما وهنا تتضارب الأفكار بينهما الأم ترى أنها تود أخذ مكانها وزوجة الابن تسعى لتحقيق حياة زوجية مختلفة عن حياتها السابقة لذا سيكون من الصعب ممارسة حريتها في ميدان أسرة زوجها لأنها جزء من كيان هذه الأسرة ولكن على العمة أن تسمح لها بمساحة كافية لممارسة حريتها على الأقل ضمن نطاق حجرتها الخاصة وذلك لأن أغلب العوائل العراقية تسكن في بيت واحد.
وتابعت: كما على زوجة الأب أن تستوعب فكرة أنها ستسكن في بيت جديد عليها احترام عاداته لأن هذا النظام أساسه متين منذ سنوات وغير الممكن أن تغيره بحسب رغبتها، إذ يعد هذا التصرف غير لائق وأناني ولا يتحلى بالإنسانية، وهناك فتيات يسعين إلى تطبيق نظام عائلتهم السابق الذي اعتادوا عليه ويخلقون مشاكلا بسبب ذلك وإذا لم يتطبق فممكن أن يصل الأمر إلى الطلاق، لذا يجب على زوجة الابن أن تحترم البيت الذي ستنتمي إليه وتتقبله وتمارس حريتها بعد أن تستقل بسكن خاص.
وأكدت الشمري على ضرورة مراعاة الزوج للطرفين فهناك زوجة تمتلك صفة حب التملك إذ ترى أن زوجها ملكها هي فحسب والعكس موجود مع الأم فليس من السهل أن ترى ابنها الذي كان يستشيرها بكل صغيرة وكبيرة أصبح ينسحب من حياتها لتشاركه الرأي زوجته ليتسرب إليها الشعور بالغيرة لتنشب بينهما علاقة متوترة لذا على الزوج أن يكون بارا بوالدته وعطوفا مع زوجته كما على الأم أن تدرك أن ابنها قد كبر وأصبحت له حياة خاصة، ومن الضروري الابتعاد عن الجمل المتعارفة بين الأوساط (أنت تسمع كلامك أمك، وهي تقول: أنت تسمع كلام زوجتك) ويبقى الزوج في الوسط يجهل كيفية ارضاء الطرفين.
كما للفروقات الاجتماعية دور فعال مثل المستوى المادي أو الثقافي فمن الضروري التوافق الاجتماعي والعمري والفكري.
ولابد أن يكون هناك تعاون بين زوجة الابن والأم في تلبية احتياجات البيت والأسرة إذا كانت الأم تنعم بصحة جيدة فهو يقلل نوعا ما من المشاكل.
ختمت حديثها: الحل الأنسب لهذه المشاكل بين كل العلاقات سواء (الزوجين، العمة والكنة، الأصدقاء، زملاء العمل) هو الاحترام المتبادل بجميع تفاصيل حياة المقابل وليس بالضرورة أن أحب المقابل المهم أن أحترمه وهو أمر أخلاقي لا يرتبط بما يقدمه الطرف الآخر، فالاحترام سيد العلاقات.
معاملة قاسية
كانت تنعتني بالخادمة وأنا أضطر لتنظيف البيت أكثر من مرة بسبب اهمال أولادها تقولها بفخر وكأنها تستمتع بإهانتها لي، كان زوجي يسمعها ويلوذ بالصمت لربما العذر معه فهي أمه غير أني لم أحتمل قسوة معاملتها، فطلبت منه العيش في بيت مستقل وهو حقي الشرعي لكنه رفض مدعيًا أن إخوته ما زالوا صغارا وهم بحاجة إليه، تفاقمت المشاكل بيننا حتى وصل الأمر إلى الطلاق وهي من شجعته على ذلك.
رؤية شرعية
وحول الرؤية الشرعية لعمل الزوجة في بيت أسرة زوجها قال الشيخ نزار التميمي: حددت الشريعة الإسلامية طبيعة العلاقات والحقوق والواجبات بين كل من الزوج والزوجة وجعلت على كل منهما التزامات فعقد الزوجية ينص على ضبط العلاقة والحقوق بين الزوجين فقط ولا يتعدى ذلك إلى ما هو خارج عن دائرتهما بمعنى ليس واجباً على الزوجة أن تؤدي أي عمل أو تقدم اي خدمات أخرى لا لأم زوجها (عمتها) ولا لأي شخص آخر من العائلة.
وأضاف: من الممكن أن يكون ذلك من منطلق التعاون والتوافق بينها وبين الآخرين كما هو معروف بين الأسر والأعراف العامة أما أن تتحول الزوجة (لخادمة) لأم أو أب الزوج فهذا مرفوض شرعاً وحرام ولا يصح مطلقاً إشعارها بذلك أي لا يصح إشعار زوجة الابن بأن وجودها خادمة لهذا الطرف أو ذاك وإنما هي امرأة لها كيانها واستقلالها وحرمتها عند الله ورسوله والمعصومين وبالأخير لا يصح تحكيم الأعراف والتقاليد والعادات الاجتماعية الضالة على نور وهدى ومنهاج وقيم السماء الهادية للتي هي أقوم.
المشاكل ملح الحياة
وشاركتنا الاستشارية الاجتماعية في مركز الارشاد الاسري شهلاء داوود الدهش قائلة: تعد المشاكل ملح الحياة ولا يمكن للحياة أن تمضي دون مشاكل وتكون عالم من الخيال ولكن متى ما زادت هذه المشاكل زادت الحساسية من قبل أهل الرجل تجاهه وتجاه زوجته بالأخص فيتصور الوالدان وبخاصة الأم بأن هذه الزوجة قد سلبت ابنهم منهم وما إلى ذلك من تصورات.
وأضافت: ولعلاج هذه المشكلة وتجنب حدوثها مع أهل الزوج على الزوجين اتباع بعض الوسائل للحد من النزاعات المتعارفة في وسطنا الاجتماعي منها، عدم اخبار الزوجة زوجها بكل ما يحصل بينها وبين عائلته، والمحاولة في حل المواضيع فيما بينهم.
والمحاولة قدر المستطاع الابتعاد عن خلق المشكلات وإعطاء المشكلة أكبر من حجمها أو زيادة في الكلام أي التحدث بأشياء لم تحصل فإن ذلك يؤثر على الجو داخل الأسرة وعلى الحياة الزوجية، وعلى الزوجة التحلي بالصبر من أجل زوجها وعدم إظهار المعاملة السيئة من الزوج ، حتى لا يتضايق الأهل من كثرة نقد زوجته له، وأن يعلم الرجل أن أولى الناس به أمه بالدرجة الأولى ثم أبيه ثم زوجته.
كما يجب على الزوج مراعاة الأم بعد زواجه وعدم التقصير اتجاهها وعليه تحمل أخطاء أمه والصبر على تجاوزاتها ومقابلة الإساءة منها بالإحسان، والتهادي بالمناسبات وغير المناسبات ويفضل أن تكون الزوجة هي التي تهدي الهدايا للأم أو الأب، وعلى الرجل أن يمنع زوجته بعدم التدخل في شؤون الآخرين (الأخوة والأخوات والأم) فضلا عن عدم الغضب إن تدخلوا في تربية الأولاد بزجرهم إن كانوا على خطأ عليها أن لا تتأثر بذلك ولا تبدي معارضة.
ختمت الدهش حديثها: ومن الضروري عدم إفشاء المشاكل الزوجية الخاصة بينهما لأشخاص آخرين في البيت، وأهم من هذا كله استحضار طلب الثواب من الله تعالى على ذلك وحسن التوكل عليه والاستعانة به وكثرة الاستغفار والدعاء فإن هذا أعظم معين على انشراح الصدر وتسخير الخلق وتقبل كلفة الحياة.
مسك الختام
في الختام نود القول، ليس بالضرورة أن تكون أم الزوج دائما السيدة القاسية الظالمة فهناك من تحب زوجة ابنها كابنتها حيث ترعاها لتكسب ودها حتى تسود بينهما الألفة والمحبة غير أن هذا النوع من العمات لم يسلط عليه الضوء فضلا عن العلاقة العكسية فأحيانا تكون زوجة الابن هي الطرف السيء الذي يثير المشاكل لأهداف معينة مثل اجبار الزوج بتوفير سكن مستقل لها وغير ذلك من الأمور التي لا يسع المقام ذكرها.
اضافةتعليق
التعليقات