لقد اهتم القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في موضوع اختيار الزوجة إهتماما خاصا من خلال بيان معايير الانتقاء والبحث عن العائلة السليمة عقليا وأخلاقيا وقد أكدت القصص التاريخية والتجربة في الحياة أهمية هذه المعايير وضوابطها.
إذا التزم بها الشاب في أثناء عملية اختيار الزوجة وسينتج أولاد سالمين وسعداء في المجتمع ويتمتعون بصحة جسمية ونفسية وعقلية من جهة أخرى.
وقد ذكرت الأحاديث تفاصيل مهمة ودقيقة تحدد بوضوح شخصية الفتاة المؤهلة لئن تكون زوجة جيدة أولاً، وأمّاً ناجحة في الحياة ثانياً في آن واحد.
وحذّرت من الفتيات اللائي لم يتمتعن بالمؤهلات التي تضمن حياتهن وتربية أطفالهن في المستقبل. تقدم أن أفضل معيار يستند عليه الرجل في اختياره المرأة هو دينها وخلقها وعفافها، لأن ذلك يحقق سعادته الحقيقية على جميع أصعدة الحياة الزوجية وفي مجالات الحياة كافة.
وهنا تبين الروايات أن أفضل معيار يمكن أن تستند عليه الفتاة في اختيارها للرجل هو دينه وخلقه وتقواه؛ لأن ذلك يحقق سعادتها الحقيقية في حياتها أيضا.
السيدة خديجة خير مثال :
حظيت السيدة خديجة (عليها السلام) من بين زوجات النبي بمكانة خاصة ومنزلة رفيعة لديه وقد أكّدت الوثائق التأريخية هذه الحقيقة، بل بقي طيلة حياته يذكرها بخير ويؤكد على مكانتها في قلبه الشريف وكان يثني عليها ولا يرى من يوازيها في تلك المنزلة الرفعية.
لقد كانت السيدة خديجة شريكة النبيِّ في كلّ آلامه وآماله، والمسلّية له بما أصابه من أذىِ، بل كانت المعينة له على مكاره قريش؛ ومن هنا لم يتزوج في حياتها غيرها.
وتحتوي قصة زواج السيدة خديجة من الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) على عبر قيمة لكل مسلم، وكلها جديرة بأن تكون عبرة مناسبة لكل من ينوي الدخول في بيت الزوجية والاستمتاع بحياة هنيئة وسعيدة وبعض تلك العبر هي كالآتي:-
لم يكن زواج النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) من السيدة خديجة ناجما عن الاهواء او الميول النفسية او المادية او العشائرية، بل انه كان ناجما عن معرفة عميقة ودقيقة، لكل طرف بالنسبة للطرف الآخر ومبتنيا على القيم والاسس والاهداف الانسانية والمعتقدات الرصينة. فالسيدة خديجة (سلام الله عليها ) بالرغم من انها كانت كباقي سكان مكة تعرف النبي وسبق ان سمعت بأوصافه وسجاياه، لكنها لم تكتف بما شاع عنه بين الناس، وراحت تدقق وتحقق في صحة ما سمعت عنه لفترة طويلة. ومنذ ان التحق النبي بركبها التجاري، كان خدمتها وغلمانها يراقبون كل حركات واعمال وحتى اقوال النبي، وتعامله مع من كانوا تحت امرته، وباقي شركائه، كما انها كانت تراقب ايمانه والتزامه بمعتقداته بالله سبحانه وتعالى و تحققت من ذلك بكل دقة ثم اختارت الزواج منه.
الزواج لم يتأثر بالفوارق الطبقية:
لم تكن حياة السيدة خديجة والنبي تتساوى من الناحية الاقتصادية قبل الزواج.
فالنبي لم تكن لديه اي امكانيات مادية، انه عاش لسنوات طوال تحت رعاية جده عبد المطلب ثم عمه ابو طالب، وقد ساءت اوضاع كل منهما بعد ما شاخ وهرم ابو طالب.
في حين ان السيدة خديجة كانت من اثرى نساء العرب ومن كبار تجار مكة. لكنهما بعد ان قررا الزواج، اسسا حياتهما على اسس الايمان والثقة المتبادلة بحيث لم تدخل ايا من سجايا الجاهلية كالتفاخر والتحامل على الآخر والضغائن في حياتهما الزوجية قط.
بل سادت حياتهما الثقة بالآخر والاحترام المتبادل والايثار وتبادل المحبة. و تخلت عن كل التعلقات والالتزامات الظاهرية للحياة، ووهبت كل ثروتها واموالها للنبي، كي يتصرف بها كما يرى فيه المصلحة والصلاح، لنشر الدعوة الاسلامية او يصرفها في طريق المحافظة على الاسلام والمسلمين، واستبدلتها بالمحبة والوفاء لزوجها.
تبادل المحبة واحترام الحرمات:
لقد فاق الرسول الاكرم والسيدة خديجة الكبرى اقرانهما في النمو والكمال جسما وعقلا، بحيث كانا يتمكنان من اتخاذ اي قرار تستلزمه حياتهما وبكل بساطة.
لكن هذا النمو العقلي والمحبة المتبادلة لم يتسببا في التغاضي عن شأن الكبار وإبعادهم عن حياتهما المشتركة، او الاستغناء عنهم حين التشاور لاتخاذ قرار ما، لشؤون الحياة.
بل انهما وبتدبيرهما العقلاني وبمحبتهما المتبادلة، كانا يشركان الكبار والشخصيات المعتبرة، في اتخاذ قراراتهما، وهذا ما بان في اول قرارهما الذي جلب اعتماد الكبار لهما، وساعدهما في الاسراع على الاقتران واقامة مراسم العقد والزواج. فقد جند كل منهما العقلانية والمحبة لخدمة الطرف الآخر، وقررا الزواج على اساس الايمان والمعرفة عن الطرف الآخر، وحافظا على هذه العلاقة في اطار السنن والاعراف والقيم المتبعة انذاك وزيناها بمباركة الكبار.
امتلاك قيم ومعايير لاختيار الشريك:
لم تتزوج السيدة خديجة مع النبي ، من اجل حاجة مالية او موقع اجتماعي او بعض حالات الحرمان الاجتماعي.
كانت سلام الله عليها اوصت النبي حين وفاتها بأن يغفر لها ان كانت قد قصرت في مواكبتها له، حيث قالت له:
"أنا مقصرة في حقك، فأرجو ان تعفو عني".
فأجابها الرسول الاعظم: " كلا، لم ار منك اي تقصير فقد كرست كل جهودك، واتعبتي نفسك في بيتي".
استيعاب وتفهم الطرف الآخر:
كان النبي وزوجته السيدة خديجة متفاهمان ومتفهمان لبعضهما البعض على مدى حياتهما المشتركة، فكل منهما كان يستوعب الطرف الآخر، وهذا التفهم والاستيعاب كان ناجما عن المعرفة الدقيقة والايمان والثقة القوية المتبادلة فيما بينهما، ما أدى الى احباط كل المشاكل والمعارضات التي كانت قريش تفتعلها لحياتهم بالسر والعلانية.
حتى انهما استثمرا هذا التفاهم لبلوغ اهدافهما وانجاز المهام الالهية في المجتمع، وكانا لا يألوان جهدا في مساعدة الطرف الآخر، بل كان كل واحد منهما سندا داعما للآخر حيث كان الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) يلاحظ الجوانب المختلفة لحياته، وكان يجتنب من اي عمل قد يقلق السيدة خديجة او يشغل بالها.
ومن اجل ذلك كان عندما تطول فترة اعتكافه في غار حراء، ويحتمل ان ذلك قد يقلق السيدة خديجة، كان يرسل لها عمار بن ياسر ليقول لها: " يا خديجة لا تظني ان انعزالي واعتكافي نابع من عدم الاهتمام بك، بل ان ربي امرني بذلك ليحق امره.
فلا تفكري بشيء سوى الخير والسعادة، واعلمي ان الله يباهي بك الملائكة عدة مرات كل يوم، فاذا جن عليك الليل، فاغلقي بابك واستريحي في مضجعك".
كرم السيدة خديجة
كانت السيدة خديجة من اكرم واجود نساء زمانها، فقد كانت ملاذا للفقراء والمعوزين قبل بزوغ فجر الاسلام، وكانت تمد المحتاجين وابناء السبيل بأموالها.
كما انها رضوان الله تعالى، عليها كانت تهتم بالمعوزين المحيطين بها وحتى اقربائها مهما ابتعدوا عنها، وكانت تتفقدهم وتساعدهم في المناسبات المختلفة.
وكانت تساعد تجار وعمال قريش، الذين كانوا يفتقرون لرأس مال يتاجرون به، كانت تدعوهم وتمنحهم شيئا من اموالها، ليساهموا معها في ركبها التجاري الى الشام.
وفي مطلع حياتها الزوجية مع النبي الاكرم ، وهبت كل اموالها وثروتها للرسول كي يتصرف بها كيف يشاء وحيث يشاء، لنصرة الاسلام والمسلمين، واليكم بعض الخطوات الكريمة التي تنازلت فيها خديجة عن حقها واموالها وثروتها للرسول الاعظم.
1_ كان زيد بن الحارثة شاب وسيم من قبيلة بني كلاب، وقد اسرته جماعات قطاع الطرق، ذات يوم. فذهب ابن اخيها حكيم بن حزام الى سوق عكاظ واشتراه لخديجة (س). وبدورها قامت السيدة خديجة بالتنازل عنه لصالح الرسول الاكرم ووهبته له. ونشأت علاقة حميمة بين الرسول الاكرم وهذا الشاب زيد، وقد استأنست السيدة خديجة بهذه العلاقة فقالت لرسول الله لقد وهبته لك. فما كان من رسول الله الا ان يعتق رقبة زيد، ويجعله حرا طليقا، ليختار زيد البقاء الى جانب الرسول، ويتبناه النبي الى آخر عمره الشريف، حتى عرف المجتمع "ان الرسول الاكرم قد تبنى زيدا في حياته".
2- كان النبي ذات يوم جالس في البيت ويحاور السيدة خديجة (سلام الله عليها) واذا بشخص دخل عليهم ليخبرهم بقدوم السيدة حليمة بنت عبدالله السعدية اليهم. منذ ان سمع الرسول اسم حليمة السعدية، طار فرحا وعلته الفرحة وابتسم وجهه، فما كان من خديجة الا وقامت لاستقبالها والترحيب بها، ودعوتها الى داخل الدار. فلما دخلت حليمة السعدية الى الدار وقعت عين رسول الله عليها واشار اليها قائلا: امي، مي، امي، ...
فقام من مكانه وبسط لها عباءته، وجلس امامها جلسة مؤدب مهذب، وكان يعاملها وكأنها امه الحقيقية آمنة بنت وهب، وقد جاءت لزيارة ابنها.
ثم سألها عن حياتها وظروفها واخبار عشيرتها وحياتهم.
فأجابته حليمة السعدية قائلة: ان حياة ابناء عشيرتها اضحت عصيبة، لان الجفاف يعصف بمنطقتهم حتى اصبحت قفراء. فما كان من النبي الا ان يبحث الامر مع السيدة خديجة (سلام الله عليها ) وبدورها تقوم السيدة المضحية، بتجهيز اربعين شاة وناقة وتقدمها لها، لتعود السيدة حليمة الى عشيرتها مسرورة وحاملة كل الخير لهم.
خديجة الكبرى افضل نساء النبي
كان للنبي ازواجا متعددة، لكنه (صلى الله عليه واله) من بين تلك الازواج، اشار للسيدة خديجة فقط، باعتبارها افضل واكرم ازواجه، واحدى افضل اربع نسوة في العالم.
وهذه الاشارة لم تشمل باقي ازواجه، فقد قال الرسول الاكرم في افضلية السيدة خديجة على باقي ازواجه عدة احاديث وعبارات مختلفة دليلا آخر على مكانتها ومقامها الشامخ، لتحملها كل تلك الايذاءات والفتن، التي جرت عليها والمسلمين الاوائل في الصدر الاول للاسلام.
وهذا ما دفع النبي الاكرم ليعرف السيدة خديجة و ابنتها فاطمة الزهراء (سلام الله عليهما )، باعتبارهما مؤشرين ونموذجين مقبولين للمسلمين.
فقد قدم الرسول الاعظم اربعة من النساء، باعتبارهن افضل نساء العالم واكثرهن تكاملا في الكون. فكانت اثنتان منهما مسلمتان والاخريان من الديانات الاخرى.
حديث افضلية خديجة في الجنة:
عن رسول الله بانه ذات يوم رسم اربعة خطوط على الارض وقال لاصحابه: "اتعلمون ما تعني هذه الخطوط؟
قالوا: لا، الله ورسوله اعلم منا بذلك.
قال: افضل نساء اهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ومريم بنت عمران. وبهذا الحديث الذي فصله عبر ترسيمه لتلك الخطوط، اوضح الرسول اسماء النساء اللواتي هن نماذج واسوة لنساء العالم في الدنيا والآخرة، كما يؤكد هذا الحديث ان هذه النسوة الاربعة، هن افضل نساء اهل الجنة، كما يُعتبرن افضل النساء ولن يخلق افضل منهن حتى قيام الساعة.
خيرة نساء العالمين:
منذ بداية الكون وحتى نهايته، وفي كل الأديان السماوية هؤلاء النسوة الاربع. سيدات نساء العالم اكثر نساء العالم كمالا:
ذكر رسول الله محمد ان اكثر نساء العالم كمالا في حديث وسماهن بالاسم، حيث قال (صلى الله عليه واله وسلم ): "حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم وهو حديث صحيح وواضح لا غبار عليه.
افضل الجدات:
كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) ذات يوم جالسا في المسجد مع اصحابه وتحدث في شأن حفيديه الامام الحسن والحسين عليهما السلام فقال: «ایها الناس الا اخبركم بخیر الناس جدا و جدة!"
فقال الحاضرون نعم یا رسول الله(ص)!
فقال: «الحسن و الحسین، جدهما رسول الله و جدتهما خدیجة بنت خویلد»
فقال الحاضرون نعم الجد ونعم الجدة یا رسول الله.
اضافةتعليق
التعليقات