لم يكن لنا ملاذاً سوى الصمت أنا وأختي حينما نسمع صوت أبي وأمي وهو يعلو كل مساء, جدالهما الذي لا ينتهي قد اعتدنا عليه حول مصروف البيت ومسؤولياته التي لا يكترث لها والدي.
كانت أمي تعمل عاملة خدمة في إحدى المدارس أضناها التعب وقسوة الحياة وهي تحمل على عاتقها أعباء كل شيء.
في كل مرة يتحول جدالهما إلى شجار ليصل إلى الضرب وبعدها يغيب أبي عن البيت لأيام متتالية, وحينما يسدل الليل ستاره يتناغم إلى مسامعي أنين أمي ونحيبها.
بقي نشيج أمي يراودني عبر السنوات، ما زلت أشعر بحرقة قلبها وكنت أخشى دائما أن ألاقي نفس مصيرها إن تزوجت! ترك أبي أبشع صورة في مخيلتي للزوج..
مضت السنوات كنت أرفض الزواج حينما يتقدم أحد لخطبتي, كان الخوف يعتريني ولا أرى أمامي سوى ظلمة قلب أمي وما سببه لها والدي.
كانت فكرة الاقتران برجل تجعل مني وحشا كاسرا وبعد زواج أختي الكبرى التي كانت تصارع من أجل أن ينجح زواجها حتى لا تحمل لقب مطلقة، قتل بداخلي حلمي بارتداء الفستان الأبيض، بقيت أخاف من المستقبل حتى أصبحت عانساً.
انعكاسات سلبية
في داخل كل بيت حكاية قد أوصدت عليها الأبواب كحال ساكنيها لربما تكون حكاية جميلة وربما تكون حزينة ومليئة بالشقاء أو التعاسة.
فالحياة الزوجية لا تخلو من المنغصات فبقدر ما بها لحظات سعيدة، نجد فيها لحظات عكس ذلك.
منها المشاجرات الزوجية, والتي تنعكس على حياة الزوجين أولا والأطفال ثانيا خصوصا حينما تصل إلى الضرب أمامها فتشوه الصورة الذهنية لديهم عن فكرة الزواج والاستقرار.. وحول هذه القضية أجرت (بشرى حياة) هذا التحقيق..
عكس التيار
من جانبها روت لنا (ا.ر) موظفة وأم لأربعة أطفال قصتها قائلة: لفرحته لم يصدق بأني أصبحت زوجته, اتفقنا بمشاركة كل شيء، تحملت الكثير بانتظار الغد الأفضل كنا كمن زرع وننتظر الثمار ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
قرر الاقتران بزوجة أخرى وأخذ بالبحث عنها وحينما علمت بمبتغاه قررت أن أخطب له أنا, كنت مجبرة خوفا بإحضار زوجة لا تخاف الله فتهد حياتي التي كافحت كثيرا من أجلها, تغير كثيرا بعد زواجه وبدأ يخلق المشاكل ويثور دون سبب، كان الحزن يصيب أبنائي مما أثّر على دراستهم, كنت أهون الأمور عليهم، حاول طردي من البيت إلا إني تمسكت بعائلتي من أجل مستقبلهم وبقيت اصارع المشاكل وأحاول جاهدة التغلب عليها, أصعب شيء في تلك المرحلة حيرة الأولاد بيننا ثم طلبت منهم أن يكونوا محايدين ليبقى والدهم بأبهى صورة للحفاظ على نقاء نفوسهم, وبرغم قساوته تلك وانقطاعه لنا عن مصروف البيت وعزله لنا عن أقربائه وتشويه صورتي أمامهم, إلا أنهم كانوا يحترموه.
وتابعت: ما حصل معنا كان يعطيهم قوة واصرار بأن يكونوا أفضل ويرى والدهم أنني استطعت أن اوصلهم إلى بر الأمان ليعتلوا أعلى المراتب حتى وإن كان غائبا عنا, وبأن غيابه لم يجعلهم فاشلين كما كان يظن هو، لعبت دور الأب والأم بجدارة.
أنهى ولداي الجامعة وابنتي أصبحت معيدة جامعية والأخرى تحضر للدكتوراه تزوجوا جميعا وأصبحت جدة إلا أن أذي والدهم لي مازال ينكأ قلبي.
ختمت حديثها: أحمد الله أن الخلافات الزوجية التي مررت بها كانت حافزاً يقوي عزيمتهم واصرارهم حتى وصلوا إلى ما عليه الآن.
بينما حدثنا (ح.ر): كان أبي قاسيا جدا مع أمي كان يضربها لأقل خطأ ترتكبه, أذكر ذلك اليوم حينما ضربها أمامي وانا أرتعد خوفا، حاولت منعه إلا إني لم أستطع لصغر سني حتى ضربني معها, بكينا أنا وهي سويا لساعات طوال.
إن أفعال أبي أعطتني رد فعل عكسي فدموع أمي جعلتني أقدس أسرتي ولم أعاملهم بقسوة يوما أبدا.
رؤية نفسية
فيما قالت الباحثة الاجتماعية في مركز الإرشاد الأسري ضحى مجيد العوادي:
أغلب العوائل تعاني من المشاكل بين الحين والآخر بين الزوجين ونجد البعض من هذه العوائل لا تخفي مشاكلها عن الأبناء بل تكون أمام أعينهم متجاهلين الأثر النفسي الذي يؤثر سلبيا عليهم في الحاضر والمستقبل.
إن المشاكل المستمرة تخلق جوا مشحونا بين أفراد الأسرة مما يزيد التوتر والقلق بين الأبناء لأنهم نشأوا في بيئة جدلية ذات ضغوط نفسية فالعنف والعدوان سيقودهم إلى الفشل في اقامة علاقات مع الآخرين في حياتهم وبالتالي يصبح الشخص انعزالي يشعر بصعوبة التكيف مع الأخرين ولا يرغب بالتحدث مع أحد وهذا يؤدي إلى الاكتئاب وأيضا يؤثر على مستواهم الدراسي حيث يكونون مشتتي الانتباه وقليلي الإدراك نتيجة تفكيرهم بالمشاكل داخل الأسرة.
اضافةتعليق
التعليقات