يعاني العالم منذ الازل مشكلة سرمدية ما استطاع افضل حكام العالم وابرز علماء الاقتصاد من القضاء عليها تماماً، وتفاقمت هذه الظاهرة حتى اكتسحت العالم، واثّرت بصورة سلبية على الوضع الحالي، فاختلفت المصطلحات بين ضعف الحال، والازمة المالية، وتراجع الاقتصاد، لتصب جميع هذه المشاكل في مصب واحد، ألا وهو الفقر.
ولكي نكون اقرب الى الواقع الاقتصادي نلاحظ بأن العراق في السنوات الاخيرة بات يمر بأزمة مالية صعبة انتهت آخرها بتقليص رواتب موظفين الدولة، والتقاعد و...الخ. لتستمر الازمة وتتفاقم اكثر بإستفحال الارهاب ودخول داعش الى الاراضي العراقية والذي سبب خلل كبير في موازنة الدولة على اثر العتاد ووسائل الحرب التي دفعت الدولة اموال كثيرة في تهيئتها لمواجهة العدو.
ولاشك بأن الظروف الامنية تلعب دوراً كبيراً في اقتصاد البلد، ويعتبر الوضع الامني من العوامل المهمة في زيادة نسبة الفقر، خصوصاً وان الاحصائيات الاخيرة تشير بأن 35% من الشعب العراقي بات يعيش تحت خط الفقر، بسبب الهجرة الداخلية ودخول الارهاب، والنزاعات الطائفية والبطالة وضعف الحالة الاجتماعية...الخ.
ناهيك عن الدول التي اخذهم الفقر الى حالة من المجاعة والتي بات على اثره يموت طفل في كل 5 ثواني بسبب الجوع!، ولا نريد ان نتصور بأن العراق من الممكن ان يتعرض الى مثل هذه الحالة، لأنه يعتبر من الدول الغنية التي تملك احتياطي كبير من النفط الأسود.. ولكن!!.
على اية حال.. سوء الاوضاع السياسية والتوتر الامني اضافة الى النزاعات الداخلية والخارجية وعدم توفر القيادة الصحيحة جميعها تمثل عوامل مساعدة في زيادة انتشار الفقر، ولمعالجة هذه الحالة لابد لنا من مراجعة التاريخ ليشهد لنا بوجود قائد عظيم، استطاع ان يعالج الفقر ويحد من انتشاره، ليكوّن على اثره دولة خالية من الفقر تماماً... الا وهو الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، حيث قال الامام (عليه السلام): "ولعل بالحجاز او اليمامة من لا طمع له بالقرص!، ولا عهد له بالشبع!" (1).
ومكافحة الفقر لم يكن موضوعاً هيناً ابدا، وفي هذا المنظور نلاحظ بأن الامام علي استخدم استراتيجية فذة وشمولية لمكافحة الفقر... فالمشكلة لا تكمن في اشخاص يفترشون الارض ويستعطون الناس، انما في العوامل والاسباب العديدة والمتشابكة التي ادت الى وجود هذه الشريحة الكبيرة وظهورها على السطح بهذه الصورة التي تثير الاسف اكثر مما تثير الشفقة والعطف.
وتتجلى اسباب الفقر ومخرجاته، في مرتكزات اساسية المتمثلة بالمجالات السياسية والاقتصادية والامنية، كون ظاهرة الفقر في اسبابها وكذلك معالجتها تتحرك ضمن العوامل السياسية والاقتصادية المتمثلة بدور الدولة ومؤسساتها وقطاعات الاقتصاد الوطني، في انتاج الثروات وتنميتها وتوفير البيئة السياسية المستقرة لتنميتها وتنشئتها، ثم تضطلع العوامل الاجتماعية وهيئات المجتمع المدني بأدوارها المحورية في معالجات هذه الآفة، وضمن بيئة أمنية سليمة توفر لها اسباب النجاح والديمومة.
وتنقسم الحلول الاستراتيجية لمكافحة الفقر الى قسمين:
القسم الأول: حلول الدفع او الموانع، وهي تلك التي تحول دون تولد الفقر او بتعبير ادق هي عوامل ايجاد الثروة والغنى ثم اسباب المحافظة عليها ثم بواعث تنميتها، وترتبط بالبنية التحتية والمنهج العام والارضية التي تعد حاضنة لمشكلة الفقر.
القسم الثاني: حلول الرفع، وهي تلك التي تعالج الفقر بعد حدوثه.(2)
كما ان طرق مكافحة الفقر تنقسم على ثلاث محاور رئيسية احدها فردية، والاخرى تعتمد على الدولة والأخيرة تعتمد على الإثنين معاً اي الفرد والدولة.
وان عوامل ايجاد الثروة وتنميتها وطرق مكافحة الفقر تتلخص بمنح الأرض والمعادن والثروات كلها للناس، وتوفير حق استثمارها، اضافة الى التكافل والضمان الاجتماعي، ووضع معايير موضوعية للمسؤولين الاقتصاديين والزامهم بها، وتكريس مبدأ المساءلة والمحاسبة ليسود العدل بين الناس.
وتنشيط حركة الاموال.. اذ كلما تحركت رؤؤس الاموال شهد الاقتصاد نشاطا وحيوية اكثر وتوفرت السيولة بيد الناس وجرت التعاملات بسهولة اكثر وانخفض التضخم، اما اكتناز الاموال فهو يجمدها ويمنع من الثروة، اذ قال الله في كتابه الكريم: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم"(3).
وان من الحلول _اضافة الى ضرورة ان تكون الضرائب على الارباح لا على الاستهلاك_، ان يتسم النظام الضرائبي بالمرونة، وعليه يجب ان تنخفض نسبة الضرائب كلما انخفضت نسبة الارباح وهو ما ينسجم مع العقل وفي ذلك نص الامام علي (عليه السلام): "فإن شكوا ثقلا او علة او انقطاع شرب او بالة او احالة ارض اغتمرها غرق او اجحف بها عطش خفقت عنهم بما ترجو ان يصلح امرهم".
كما ان هنالك عوامل غيبية كالتقوى وتجنب الربا، اذ انها تعتبر من العوامل التي تستجلب البركة الالهية غيبياً وتستدعي لطف الله لرزق عبيده من خزائن غيبه، حيث قال الله في كتابه العزيز: "ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض"(4).
والعوامل الاخلاقية كالصدق والنزاهة والانصاف فانها سلسلة كاملة تصب بشكل غير مباشر في انماء الثروة والحفاظ عليها، فإن الناس لو عرفوا من الكاسب او التاجر الصدق والنزاهة لثقوا به واقبلوا عليه وازداد عملاؤه.
وهنالك اسباب كثيرة تقضي على الثروة والغنى، وتزيد نسبة الفقراء في المجتمع بشكل مباشر او غير مباشر مثل موجبات ارتفاع الاسعار وظاهرة الغلاء وسوء التوزيع والربا، وكثرة الموظفين الذي يشغلون مناصب وهمية، اضافة الى سباق التسلح الذي اثقل كاهل ميزانية الدولة، وسرقات الحكومة والفساد المالي والمقامرة والاحتكار و...الخ.
سبل وآاليات الغنى والخروج من دائرة الفقر:
التفكير الابداعي والمغامرة المدروسة يعتبران من اهم سبل اكتشاف طرق جديدة نحو الثراء كما انهما يعدان من اهم سبل التغلب على العقبات غير المتوقعة التي قد يواجهها ارباب العمل والشركات.
وجوهر هذين الامرين يشير اليه الامام عليه السلام: "كن لما لا ترجو ارجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران خرج يقتبس لأهله ناراً فكلمه الله فرجع نبياً، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان، وخرجت سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون فرجعوا مؤمنين"(5)، اذ كثيراً ما يكون الثراء والفرج والتقدم في غير المتوقع، وفي (ما لا ترجو فائدته)، بل ولا تحتملها ابدا، فلا تكن تقليديا جامداً، بل كن متحررا مطلقاً.
ولكن هذا لا يعني ان يخاطر الانسان بطريقة غير مدروسة، بل يجب ان تكون خطواته خطوات واعية ومنطقية وفق خطة مدروسة لأوضاع السوق وظروف المستهلك وخصوصيات المتعاملين.
ويعتبر العدل والانصاف والابتعاد عن ظلم الناس من الامور التي اكد عليها الامام علي بن ابي طالب في رسالته الى مالك الأشتر حيث قال في نصه:
"انصف الله وانصف الناس من نفسك ومن خاصة اهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك فإنك ان لا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله ادحض حجته وكان لله حرباً حتى ينزع او يتوب وليس شيء ادعى الى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من اقامة الظلم فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد وليكن احب الامور اليك اوسطها في الحق واعمها في العدل واجمعها لرضا الرعية فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة"(6).
وهذه السياسة العظيمة التي استخدمها الامام في القضاء على الفقر لها تفرعات كثيرة لم تسعنا الحروف من طرحها والتوسع فيها اكثر، اذ تعتبر هذه الآلية من اعظم الآليات التي شهدها التاريخ في مكافحة الفقر.
خطوات عملية واضحة وصالحة لأي زمان ومكان، يقدمها لنا الإمام لتفادي هذه المشكلة والقضاء عليها، فلو عملنا بهذه الثروة العظيمة والحلول السحرية التي تركها لنا الامام لعمَّ الغنى في كل بلد، ولما بقي فقير واحد على وجه الكرة الارضية!.
اضافةتعليق
التعليقات