آدم وحواء؛ رفقا بفؤاديكما فما عادت الحياة حياة... سوء الظن شعور تولده الشكوك و الوساوس وما ان اجتمعت عليك وتصورتها ستصبح مثل قذيفة أُعدت للإنطلاق وما ان قُذفت واصابت الهدف حطمته وخلفت خسائر لا تقدر بثمن، ولن يعود اي شيء كما كان ابدا..
بات سوء الظن شعورا يسيطر على غالبية الناس وخصوصاً من المتزوجين، ودائماً ما تردد حواء: ان آدم اليوم ما عاد آدم القديم وما عاد بوسعي امتلاكه، هو لا يكتفي بي ويرى من هي اجمل مني ويطمح للتغيير بابتعاده عني، هو يتمتع بكل ما يريد وانا له كالعبدة، يمتلك الحق في ان يعيش كما يحلو له ويجدد حياته بمن يرِق له قلبه، هو لا يعاب عليه شيء، وتفتح له كل الابواب، هو "السي السيد" في بيته وانا الخاضعة لأوامره، هو ستغفر له كل خطيئة! وانا سأعاقب على ردودي الجريئة!، تباً لآدم كم هو ظالم ينزل بأحكامه على زوجته ولغيرها خادم!.
أما آدم فيقول عنها: حواء لم تعد كسابق عهدها غدت قوية وقاسية تهذي بامتلاك حقوق لم تشرع حتى لآدم، تحب الهيمنة وكأنها مركز الكون، تفتخر بنفسها وتتفضل علي في كل عمل تقوم به، دائمة التذمر تسعى للتحرر، قد اصيبت بالجنون وترى من نفسها رب حنون في كل حين تشتكيني ولا تقدر تعبي وانيني، ترى كل الرجال من حولها انفع مني، فأبتعد عنها رغما عني، جعلتني في حالة كلال، ولي حق بغيرها حلال، زوجتي حواء كم هي حمقاء! تحطم حياتها بغباء!!.
أصبحت مشاكل آدم وحواء اليوم لا تعد ولا تحصى، فقد أثر التطور بجميع مجالاته بشكل سلبي على الكثير منهم وخاصة في مجتمعاتنا الفقيرة، بجهله على مفهوم الحرية والإنفتاح بالمعنى الصحيح، الغني بترجمتها وممارستها بأساليب مختلفة من شخص لآخر حسب منظورهم الخاص..
منذ ذلك اليوم الذي بزغ علينا فجر جديد يحمل بين طياته ما لا يختزل، جمع فيه كل مستحدث ومبتكر قد طال انتظاره من قبل الكثيرين وفتح بوابة عصرية دخل من خلالها كل شيء لم نعهده سابقاً، وأبرز ما صُدر الينا عادات و ثقافات اوربية سلبية ومتنوعة غزت بلادنا واناخت فينا بالغ الأثر، وابسطها ما يعرض على شاشات التلفاز من المسلسلات والأفلام التركية والأجنبية التي استولت على فكر الغالبية وغيرت المفاهيم وطبقت الأحداث والتصرفات التي يجسدها البطل والبطلة من قبل البعض متناسين مبادئ ديننا الاسلامي الحنيف، واخلاقنا وشريعتنا السامية، وبذلك هدمت البيوت وتفرقت الأسر وعمَّ الخراب في معظم الشعوب…
وأسوء ما اصابنا هو وباء ليس له أي دواء، هذا الجهاز الالكتروني الملازم لأيدي البشر اضحى بمثابة الهوية الخاصة، يحتوي كل معلوماتهم ومعلومات العالم بما فيه ينقلها بالصوت والصورة فمن يحمله اليوم من البعض يحسب نفسه قد امتلك ما يغنيه عن الكثير، وبمرور الايام ودون شعور يصبح عبد بائس مبرمج يصيبه مرض اشبه بفوبيا تسيطر عليه وتختلق في داخله عدة شخصيات يقتبسها بمجرد ضغطة زر!.
وتجده يقف عند كل بوست ليدلي "بكومنت" لشخصية مغايرة تماما عن الشخصية التي كانت حاضرة قبل دقائق!، ذاك النوع من آدم بالتحديد امسى مهووسا بكل جديد سمع عنه ولم يره، متعطش لخوض علاقات يكون فيها (دونجوان) الرجل العظيم الوسيم المتحرر، يرى من نفسه شخصاً مهما يتجول بين البرامج ويتلاطف ويتغزل بكل من هبت ودبت من النساء ويترك زوجته في حالة تصحر!.
آدم هذا مسكين جدا هو لا يدرك ضياع ايام عمره سدى، يقضي سنين حياته مشتتا بين الواقع والخيال يرى من منزله وزوجته معتقلا يسجن فيه ويشعر بالنكد والإختناق، يسارع في اللهو بدل القيام بإصلاح حياته، ينشغل بالبحث عن إمرأة تستهويه، ممن لا تخاف الله وما اكثرهن في زماننا هذا، يتواصل معها، تخيل له نفسه وكأنها ملاك يود لو يجدها امامه فهي ماكرة تعرف كيف تسيطر عليه وتزيح همومه وتعدل مزاجه لتريه عالم وردي يغمره بالسعادة لتخرجه من معقله فيهرب بعيدا يهيم بكلماتها واسلوبها وصورها الجذابة.
وما هي سوى الشيطان بأم عينه تستغل ضعفه لغاية في نفسها، تستحوذ على تفكيره ليقارنها بزوجته المملة، توهمه باختلافها المزيف والرخيص وتنسيه مكانة المرأة الحقيقية تلك التي تحافظ عليه وعلى نفسها وحياته واسرته بشرف واخلاص، تخاف الله وتقدس رباط الحب بالزواج والإستقرار والوفاء.
وهذا ما يحصل كثيرا في عصرنا الحالي ليجعل من سوء الظن شعورا يسيطر على فكر حواء وفي الاغلب تجاه آدم ما ان غاب وانشغل عنها على غير عادته تساورها الشكوك وتتهمه حتى لو كان بريئا…
يا عزيزي آدم، زوجتك هي نصفك الآخر ولا تنسى بأنك من طلبها ولا يمكنك الاستغناء عن وجودها في حياتك، وكما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {ومٌن آيِآتٍهً آن خلّق لّگٍمٌ مٌن آنفُسگٍمٌ آزُوآجُآ لّتٍسگٍنوآ آلّيِهًآ وجُعلّ بيِنگٍمٌ مٌودﺓ ورحًمٌـٍة آن فُيِ ذٍلّگٍ لّآيِآتٍ لّقومٌ يِتٍفُگٍرون}،(سورة الروم/ آية21)، وفسرت الآية بان الله جل جلاله خلق حواء من ضلعك الأيسر ليجعل بينكما إئتلاف ومودة ورأفة.
يا آدم حاول ان تمتلك زوجتك اولاً، ولا ترهق نفسك بالبحث عن غيرها قد تجد اثنتين او ثلاث وقد حلل الله لك تعدد الزوجات، ولكن لعدة اسباب وبشروط معينة لا تستطيع الجزم بأنك قادر على تنفيذها وكن واثقا بأنك لن تجد كل ما تتمناه في واحدة لان (الكمال لله وحده) وبهذه الطريقة ستهدر وقتك عبثاً وتتلاشى طاقتك، فإن تعددت حواء في حياتك ستجد نفسك بين هذه وتلك، تلتبس عليك الأمور وكما يقول المثل الشعبي (بين حانه ومانه ضاعت لحايانه).
صدقني يا آدم، حواء واحدة هي الأجدر بما تبذل من مجهود، فهي زوجتك ام اولادك رفيقة دربك، هي من النساء الاصيلات التي تحملت منك وعنك ما لا تعلمه عن نفسك وحياتك وستبقى مخلصة ومضحية الى اخر العمر، هي لا تخلو من العيوب مثلك تماما، وما ان قدرت مجهودها ستجعل منك رجلا عظيما وملك زمانك، هي أشبه بهاتفك الجوال الذي تحمله اين ما ذهبت، تحتوي على كل ما تحتاج اليه وتتمناه، تختزن كل ما يدور حولها وتظهره لك بشكل او بآخر، ما عليك سوى مسح شاشة قلبها بلطف لتزيل عنها ضباب القلق والتعب والظن، لتشع عليك بنورها الدافئ الحنون وتضيء عالمك بالوان الطيف…
اذهب نحو عينيها افتح ذاك الأستوديو وتصفح ما يحمله من صور تخصك بالذات، تمعن النظر واحذف الصورة السيئة واحتفظ بالصورة الجميلة..
تفقد الرسائل المخزنة في ذهنها الواردة منك التي ترد عليك فيها بتصرفات صادرة عن ما تحتويه رسائلك، استبدل الكلمات الجارحة بكلمات لطيفة واوصل رسائلك وانقل مغزاها بصورة غير مباشرة لتحفظها بشكل جميل...
راجع الملفات القديمة من خلافات ومشاكل خلفت آثارا صعبة الزوال، اجمع تلك الملفات واطرحها للمرة الاخيرة بقرار يصدر منك بعدم اعادتها واتلافها بمحرقة النسيان…
واهم شيء عليك القيام به هو شحن شريكة حياتك بالطاقة كل صباح، اغمرها بحبك وعطفك، اسمعها كلامك المعسول، جدد عهدك بالوفاء والإخلاص في حبكم لبعض وكن واثقا بانها ستكون لك كل النساء…
عزيزتي حواء زوجك هو نصفك الآخر هو ذاك الخاتم المرصع بالألماس الذي تتباهين بوجوده في يدك اليسرى، هو زينة يزيدك جمالا ويجعلك في مأمن، وخزينة تهبك كل ما ترغبين، يبعث في نفسك الطمأنينة والسلام ما دمت تحافظين عليه من الكسر والضياع، وما ان اهملته بسوء ظنك سينطفئ بريقه، وعند اول محاولة منك بانتزاعه او تركه سيختفي ويتوارى عن ناظريكِ لتخسريه فتجده اخرى تستولي عليه وتمتلكه وتعيد بريقه، فهو فرصة لا تعوض بالنسبة للأخريات الكثيرات... احتويه يا عزيزتي تفنني باظهار جمالك وذكائك وحسن تدبيرك، ستجدينه عاجزا امامك ممتن لك ملبي ما تطلبين منه بفخر واعتزاز…
وأخيرا يا آدم ويا حواء اعلما بأن الحياة قصيرة جدا ولا تستحق ان نحياها بعناء واجحاف، لا تترددا بالبوح بما تختلجه صدوركما تجاه احدكما الآخر، اطرحا مشاكلكما وتناقشا بصددها، حتما ستجدان الحل الامثل لتلافيها وتجنب الحرب التي ستلحق الدمار بكليكما، فأنتم اشبه بدولتين كل واحدة تمتلك ما يسد احتياجات الاخرى، تعاونا لتنعم رعاياكم بالسعادة والخير والامان ولتهنئا بعيش رغيد يسوده الحب والسلام، عليكما ان تتجنبا سوء الظن فإن بعض الظن اثم.
اضافةتعليق
التعليقات