كافحت فلورا لتطوير عادات صحية في الجامعة، خاصة وأنه يتعين عليها إعطاء الأولوية للمهام التي تستغرق 12 ساعة في المكتبة، على تناول وجبات منتظمة.
يعد تفريغ الأمتعة للاستقرار في سكن جديد، وتكوين صداقات جديدة، والتيه في الممرات للوصول إلى قاعة المحاضرات جزءا من بدء الحياة الجامعية - لكن فلورا غوسلينغ أمضت معظم أسبوعها الأول وهي تحدق في الأطعمة الموجودة على رفوف المحال التجارية، يعتريها شعور بالذعر لأنها لن تتمكن من تناول أي منها.
يمكن أن تأكل فلورا المعكرونة والخبز والزبدة فقط، وهي من بين الأطعمة الوحيدة المبرمج دماغها على أنها صالحة للأكل. يمكن لأي شيء آخر أن يؤدي بها إلى التقيؤ أو الاختناق أثناء الأكل.
إذا حاولت أن آكل شيئا غير مدرج في قائمة "الأطعمة الآمنة"، "فإنني نفسيا وجسديا على حد سواء، تصبح لدي هذه الحاجة الفورية لإخراجها من فمي".
الشابة البالغة من العمر 23 عاما، من مقاطعة أبردينشير في بريطانيا، تعاني من اضطراب تجنب أو حصرية تناول الطعام (ARFID) ، وهو اضطراب في الأكل يمكن أن يجعل من مسألة الغذاء أمرا مقلقا للغاية.
غادرت فلورا المنزل لأول مرة لتذهب إلى نيوزيلندا لمدة سنة قبل بدء الحياة الجامعية في ديارها، مما يعني أنها لم تعد تتلقى المساعدة من والديها للتأكد من أنها تستطيع الحصول على الطعام المناسب.
وهي الآن في عامها الأخير في دراسة اللغة الإنجليزية والمسرح في جامعة غلاسكو في اسكتلندا، وتقول إنها بسبب الاضطراب في الأكل الذي تعاني منه باتت تجربة الجامعة أمرا "مرهقا يرافقه شعور بالعزلة الشديدة".
ارتفع عدد الأشخاص الذين تعين عليهم تلقي العلاج في المستشفيات أثناء جائحة كورونا ارتفاعا حادا، لأن إجراءات الإغلاق كان لها تأثير مدمر على الصحة العقلية للشباب خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض. وتقول خدمة الرعاية الصحية الوطنية في إنجلترا إن عدد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 19 عاما يتلقون علاجا لاضطراب الأكل ارتفع في السنوات الأخيرة أكثر من أي وقت مضى.
ووفقا للبيانات المتاحة، بدأ في الأشهر الثلاثة الأخيرة، من أبريل/ نيسان إلى يونيو/ حزيران من هذا العام، نحو 2862 طفلا وشابا بتلقي العلاج الذي توفره خدمة الرعاية الصحية لاضطراب الأكل، وما زال نحو 1721 شخصا مدرجا على قائمة الانتظار، علما أن قائمة الانتظار هذه قد ازدادت أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بنفس الفترة قبل ثلاث سنوات.
لكن مؤسسة "بيت" Beat الخيرية المعنية باضطراب الأكل، تقول إن المعلومات غير متوفرة حول عدد الشباب الذين يحتاجون إلى دعم للتغلب على اضطراب الأكل، وذلك بسبب العملية المعقدة للانتقال من خدمات دعم الأطفال إلى خدمات دعم البالغين.
وقالت رئيسة قسم الحماية وضمان الجودة في المؤسسة الخيرية، كيري فليمنغ، لبي بي سي إن المعلومات "المفقودة بسبب الانتقال بين المرحلتين العمريتين" تعني أن الجامعات "غير قادرة على الاستعداد كما ينبغي" لتقديم الدعم للطلاب المتضررين.
تقول فلورا: "أتذكر أنني كنت أمام ثلاجة مليئة بأنواع مختلفة من الزبدة لم أتعرف عليها، وبكيت لأنني لم أستطع أن أقرر ما إذا كنت سأقضي عاما كاملا بدون زبدة، أو أن أجرب نوعا جديدا قد يجعلني أتقيأ".
خلال تلك السنة، وجدت فلورا أيضا صعوبة بالغة في أن تطهو طعامها شديد الخصوصية أمام أشخاص لا تعرفهم جيدا.
"هناك حرج كبير يرافق الطهي وتناول الطعام أمام الغرباء، لأنه عليك أن تتعامل مع مشاعر القلق التي تنتابك وكذلك شرح الأمر للأشخاص من حولك" ، كما تقول.
ومن الخبرة التي اكتسبتها خلال السنة التي قضتها في نيوزيلندا، قررت فلورا تجنب المطابخ المزدحمة والمشتركة في قاعات الطلاب عندما بدأت دراستها الجامعية - واختارت بدلا من ذلك مشاركة شقة مع شخص واحد فقط.
لكنها ما زالت تكافح من أجل تطوير عادات صحية، خاصة وأنه يتعين عليها إعطاء الأولوية للمهام التي تستغرق 12 ساعة في المكتبة، على تناول وجبات منتظمة.
"أتذكر عودتي إلى المنزل ذات يوم وإدراكي أنه لا يوجد شيء يمكن أن آكله.. لقد انهرت باكية ولم أستطع أن أشرح لأي شخص سبب شعوري بالضيق الشديد" ، كما تقول.
ما هو اضطراب تجنُّب أو حصرية تناول الطعام؟
يتجنب الأشخاص المصابون باضطراب الأكل أطعمة معينة أو مجموعات غذائية كاملة - لذلك قد يكافحون للحفاظ على وزن صحي أو للحصول على الكميات المناسبة من العناصر الغذائية.
ليس الاضطراب مدفوعا بأمور تتعلق بالوزن وصورة محددة عن شكل الجسم.
بل هو نتيجة قلة الاهتمام بالطعام والأكل، أو مشاكل حسية أو مخاوف بشأن الشعور بالتوعك أو التوعك فعلا بعد تناول الطعام.
يمكن أن يشمل ذلك الحساسية الشديدة للمذاق أو الملمس أو الرائحة أو المظهر لأنواع معينة من الطعام، أو القدرة على تناول الأطعمة فقط عند درجة حرارة معينة.
بعد قضاء ساعات في البحث عن وجبة، استقرت فلورا أخيرا على نوع معين من الخبز. أدت هذه المحنة إلى فقدانها يوما من وقت الدراسة، وخلفت لديها شعورا "بالتعب والجوع والإحراج".
يقول توم كوين، مدير الشؤون الخارجية في جمعية "بيت" الخيرية، إن الجامعة يمكن أن تكون "مرحلة صعبة" للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل لأسباب عديدة، مثل الابتعاد عن المنزل، وتغيير الروتين، وضغط مقابلة أشخاص جدد، والدراسة لساعات طويلة.
ويقول إن الإجهاد يمكن أن "يفاقم من سلوكيات اضطراب الأكل ويجعل التعافي أكثر صعوبة".
تقول فلورا إن العثور على الدعم المناسب قد يكون أمرا بالغ الصعوبة، وإنه تعين عليها التعامل مع الأمر بمفردها في بعض الأحيان.
قالت جامعة غلاسكو إن لديها خدمات متاحة لتقديم المشورة والدعم للطلاب الذين يعانون من اضطرابات الأكل، ويمكن أن تساعدهم في الحصول على الدعم المتخصص من خلال الأطباء العامين وخدمات هيئة الرعاية الصحية الوطنية الأخرى.
وقال متحدث لبي بي سي نيوز إن الجامعة لديها برامج خاصة لتلك الأمور، مثل برنامج اضطراب الأكل الشهري، ومجموعة دعم المصابين باضطرابات قهرية، والتي توفر "مكانا آمنا" للطلاب وغيرهم في المناطق المحلية.
لقد تعلمت فلورا كيفية التعامل مع اضطراب الأكل الذي تعاني منه، أثناء دراستها الجامعية. لديها "خريطة مثالية" في رأسها للمقاهي والمطاعم ومحلات الأطعمة في منطقة ويست إند في مدينة غلاسكو، حيث يباع الطعام الذي يمكنها تناوله، وباتت لا تذهب إلا لتلك الأماكن.
تقول: "يمكن أن يعيق الاضطراب الذي أعاني منه الشعور بالراحة في التفاعل مع الآخرين في المناسبات الاجتماعية، وغالبا ما تنتابني مخاوف عن كيفية تأثير علاقتي بالطعام على علاقاتي بالآخرين، ولكنه أمر اعتدت عليه" ، مضيفة أنها تقبلت حقيقة أن الشعور بالإرهاق والقلق في الجامعة هو جزء من ذلك الاضطراب.
وتمضي فلورا للقول: "يمكن أن يكون أمرا مرهقا ويجعلك تشعر بالعزلة ولكن في نفس الوقت يمكن التعامل معه، ما عليك سوى تطوير آليات وإجراءات التكيف الخاصة بك".
تقول مؤسسة "بيت" الخيرية إن هناك نقصا في البيانات حول عدد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل في المملكة المتحدة ، ولكن استنادا إلى أرقام من دول أخرى، يقدر أنه قد يصل إلى 1.25 مليون.
تقول كيري فليمنغ من المؤسسة الخيرية إن طلاب الجامعات الجدد الذين يعانون من اضطرابات الأكل يجب أن يتحدثوا إلى فريق الصحة النفسية في الجامعة، وأن يسجلوا لدى طبيب عام محلي لمتابعة حالتهم، ولا ينبغي أن يكونوا "في حالة إنكار" بشأن حاجتهم إلى المساعدة.
بالإضافة إلى التوصية بزيارة الطبيب العام، توجه بعض الجامعات الطلاب أيضا نحو المؤسسات الخيرية التي تدير ورش عمل وخطوط مساعدة للتعافي، وتطبيقات للصحة العقلية.
وتضيف: "لا تحاول التظاهر بأن كل شيء على ما يرام، وقد يعمد البعض للقول إنهم قادرون على التعامل مع الأمر، وأن هذه مجرد عقبة عابرة، ويحاولون الاستمرار كالمعتاد".
وبدوري أقول لهم "اطلبوا الدعم، لا تخجلوا من هذه الخطوة". حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات