تشهد أسعار الغذاء حول العالم ارتفاعا متزايدا حتى أنه بات من الصعب الحصول عليه أحيانا.
وأصبح يتعين على الناس أن يتكيفوا مع الظروف الجديدة، وهذا يعني أحيانا تغيير ما اعتادوا عليه من أطعمة.
في الـ 22 من مايو/أيار في الأردن، غرّد أحدهم باللغة العربية على حساب مجهول عبر تويتر مروّجًا لـهاشتاغ يدعو إلى مقاطعة منتجات الدواجن.
ولم تمض أيام معدودة حتى وجدت حملة المقاطعة طريقها إلى الانتشار الواسع. هذا ما اكتشفتْه سلام نصر الله لدى عودتها إلى المنزل قادمة من أحد المتاجر.
تقول سلام: "جاءتنا أخبار حملة المقاطعة من كل مكان، كل أصدقائنا وعائلاتهم كانوا يتحدثون عنها. كانت أخبارها تملأ فضاء منصّات التواصل الاجتماعي وشاشات التليفزيون".
وعندما وصلت سلام منزلها وراجعت فاتورة المشتريات لاحظت ارتفاع الأسعار بشكل كبير. وبصفتها أُمّ لاثنين وغالبا ما تطهو سلام لوالديها وأخواتها وأبنائهم، فهي تشتري الكثير من الدواجن.
وهكذا وجدت سلام نفسها مدفوعة إلى المشاركة في حملة المقاطعة.
ولمدة عشرة أيام، امتنعت سلام عن منتجات الدواجن، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة؛ ذلك أن اللحوم الأخرى والأسماك أسعارها مرتفعة.
وكانت سلام وأسرتها اعتادوا على تناول منتجات الدواجن كل يوم. وها هي قد صارت العائلة تأكل وجبات الحمص أو الفلافل أو الباذنجان المقلي بدلًا من اللحوم.
وبعد مرور 12 يوما من انطلاق الحملة، انخفض سعر الدواجن بمقدار الثلث - عند حوالي دولار (0.7) للكيلوغرام.
لكن رامي برهوش، الذي يدير مزارع للدواجن فضلا عن مجازر لها، يرى أن حملة المقاطعة هذه ليست في محلها، وذلك رغم إيمانه بجدوى المقاطعة بشكل عام كفكرة.
وتعاني مزارع برهوش مع ارتفاع التكاليف منذ بداية العام، لا سيما تكاليف الوقود وعلف الدواجن.
وتضافرت عدة عوامل عالمية لتسهم في رفع أسعار الوقود والحبوب، من تلك العوامل تنمية الصين ثروتها من الخنازير بعد تفشي وباء أنفلونزا الخنازير، ومنها كذلك الجفاف في أمريكا الجنوبية، ومنها أيضا الحرب في أوكرانيا.
واقترحت الحكومة في الأردن وضْع تسعيرة للدواجن، لكنْ دون تعميم الخطوة على منتجات أخرى عديدة.
ووافقت مزارع الدجاج على الالتزام بتسعيرة الحكومة حتى نهاية شهر رمضان. ومع أوائل شهر مايو/أيار، وجدت هذه المزارع نفسها مضطرة إلى رفع الأسعار لتصل إلى مستوى قياسي اشتعلت معه مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول برهوش: "ثمة استياء من أسعار الدواجن مع غيرها من المنتجات".
ولم تُخف سلام نصر الله سعادتها لما رأت من آثار حملة المقاطعة، لكنها في الوقت ذاته تعرب عن قلقها لأن الحملة لم تعالج أصل المشكلة.
تقول سلام: "للأسف، الصغار من أصحاب مزارع الدواجن وبائعيها هم أكبر المتضررين وليس كبار التجار ممن يرفعون أسعار كل شيء تحتاجه المزارع".
إنها الرابعة صباحا والجو لزج بفعل الرطوبة والحَر في ولاية جورجيا صيفًا، حيث يتعين على دونّا مارتن الذهاب للعمل.
ويعني كل يوم جديد بالنسبة لـ دونّا معركة جديدة للحصول على وجبات تغذية للتلاميذ في المدرسة التي تعمل بها.
وتعمل دونّا مديرة خدمات التغذية المسؤولة عن توفير الوجبات المدرسية المجانية لنحو 4,200 تلميذ.
تقول دونّا: "لا يوجد سوى اثنين من متاجر البقالة في منطقتنا التي يسكنها 22 ألف شخص. إننا فِعليًا في "صحراء طعام'".
ومنذ نحو عام، تعاني دونّا في سبيل تأمين هذه الوجبات المدرسية.
وسجّل التضخم في أسعار الغذاء 10.9 في المئة في يوليو/تموز، وهو أعلى معدّل منذ 1979. ومع ارتفاع الأسعار، يفقد مورّدو الأغذية لـ دونّا الرغبة في توفير الوجبات للمدارس.
تحكي دونا: "يقولون لي أنتم يصعب إرضاؤكم، وليس ثمة هوامش للربح".
ويوصف برنامج وجبات المدارس في الولايات المتحدة بصرامة التنظيم؛ بمعنى أن المنتجات التي تتضمنها الوجبات مثل البقسماط المطحون وقطع الدجاج يجب أن تشتمل على خبز القمح الكامل وأن يكون مقدار السكر والملح في الأطعمة منخفضا.
وفي ظل هذا البرنامج، يتعين على دونَا مارتن البحث عن أنواع بعينها من المنتجات الغذائية - من حبوب الإفطار إلى الكعك المدوّر أو الزبادي.
وتدرك دونّا أن مورديها يعانون أيضا. ويجد هؤلاء صعوبة في تأمين سائقين بسبب النقص المزمن في العمالة، كما أن أسعار الوقود زادت بنسبة 60 في المئة منذ العام الماضي.
وعندما لا يجلب الموردّون طلبات دونّا، يتعيّن عليها أن تتصرف لإيجاد بديل. وحدث مؤخرا أنها لم تستطع الحصول على زبدة الفستق التي يحبها الأطفال، فاستبدلت بها تغميسة الفول.
وفي ذلك تقول دونّا: "أعلم أن الأطفال لن يحبوا ذلك كثيرا، لكن يتعيّن عليّ أن أقدم لهم غذاء ما".
وعادة ما تجد دونّا نفسها هي وفريقها مضطرين إلى قضاء ساعات مبكرة من النهار ومتأخرة من الليل في مداهمة المتاجر الموجودة في المنطقة مثل أحد فروع سلسلة وول مارت للبقالة.
تقول دونا: "في كل يوم على مدار الأسبوع نضطر إلى شراء كل ما في المنطقة من زبادي".
وتضيف: "هناك الكثير من الأطفال يتوقون إلى العودة للمدرسة، ولا أريد أن أسمعهم يقولون: 'ماما لم نستلم عصائر فاكهة اليوم'".
لا يعيْر إيمانويل أونورا كثيرًا من الاهتمام للسياسة؛ فالرجل صاحب مخبز ولا يريد سوى أن يبيع الخبز.
لكنّ عمل إيمانويل هذا بات مستحيلا في نيجيريا في الآونة الأخيرة.
يقول إيمانويل: "خلال العام المنصرم، ارتفعت أسعار دقيق القمح بنسبة تجاوزت 200 في المئة، وارتفع سعر السكر بنسبة ناهزت 150 في المئة، وكذلك البيض -الذي نستخدمه في الخبز- ارتفع سعره بنسبة ناهزت 120 في المئة".
ويضيف إيمانويل: "إننا نجري في متاهة". وقد اضطر إلى تسريح 305 من أصل 350 من العاملين في مخبزه. "من أين يطعم هؤلاء عائلاتهم؟".
وبصفته رئيسا لرابطة منتجي الخبز في نيجيريا، يقف إيمانويل في القلب من الأحداث.
وفي يوليو/تموز، قاد إيمانويل إضرابًا ضمّ قرابة نصف مليون من العاملين في المخابز لمدة أربعة أيام على أمل أن تلتفت الحكومة إليهم وتعمل على خفض الضرائب التي تفرضها على المنتجات التي يستوردونها.
وتضافرت عوامل عديدة لرفع أسعار القمح والزيت النباتي حول العالم - ومن تلك العوامل تضرُّر المحاصيل الزراعية، وزيادة الطلب بعد تفشي الوباء، ثم الحرب في أوكرانيا التي زادت الأمور سوءا.
وفي نيجيريا، يتم استيراد معظم المنتجات التي تحتاجها المخابز. ومع ذلك فإن سعر رغيف الخبز لا يكاد يساوي جزءا ضئيلا من سعر الرغيف في أوروبا.
ويعاني قطاع إمداد الطاقة العمومي في نيجيريا عددا من المشكلات. وقد زاد سعر الوقود بنسبة 30 في المئة. ولا تمتلك معظم الشركات المولّدات الخاصة التي تحرق الديزل.
وعلى الرغم مما تحظى به نيجيريا من ثروة نفطية، فإنها لا تمتلك مصافي تكرير، ومن ثمّ تضطر إلى استيراد كل ما تحتاجه من الديزل.
ورغم ارتفاع التكلفة إلى ثلاثة أضعاف، يقول إيمانويل أونورا إنه لم يتمكن من رفع أسعار الخبز سوى بنسبة تتراوح بين 10 إلى 12 في المئة. ولا يستطيع زبائنه أن يتحمّلوا فوق ذلك.
يقول إيمانويل: "النيجيريون يعانون، وشركات الأعمال توصد أبوابها، والأجور راكدة، ولا يمكن تحميل الناس أكثر من ذلك".
وفي المتوسط، ينفق النيجيريون حوالي 60 في المئة من دخلهم على الغذاء. أما في الولايات المتحدة فلا تزيد هذه النسبة على سبعة في المئة.
ولا يعد الاستمرار على هذا المنوال أمرًا محتملا للعاملين في قطاع المخابز. يقول إيمانويل: "لسنا مؤسسات خيرية. إننا في مؤسسات تستهدف الربح".
ويحذر إيمانويل: "بالاستمرار على هذا النحو، لن يجد النيجيريون ما يأكلون".
مما كان يوما حقلا للأرز في منطقة كاندي بوسط سريلانكا، تجني أنوما كوماري اليوم قرون الفاصوليا الخضراء وورق الليمون الأخضر.
من هنا يصعب تخيّل الفوضى الكائنة في أماكن أخرى من البلاد، في ظل كبوة الحكومة وتعثّر الاقتصاد.
وثمة نقص في كل شيء - الدواء، والوقود، والغذاء. حتى ذوي المناصب الجيدة باتوا يجدون صعوبة في تأمين احتياجاتهم الأساسية.
تقول أنوما: "الناس ينتابهم القلق بشأن المستقبل. يخشون أن يأتي يوم لا يجدون فيه ما يأكلون."
وتمتلك عائلة أنوما قطعة أرض كانت قد بدأت فلاحتها في أثناء الوباء على سبيل تمضية الوقت - أما الآن فقد صارت فلاحة هذه الأرض وسيلة للبقاء.
وتعلّمت أنوما زراعة الخضروات من الكتب ومن مقاطع فيديو عبر اليوتيوب. وهي الآن تجني ما تزرع من الطماطم، والسبانخ، والقرع، والقلقاس، والبطاطا. ولا يواتي الحظ جميع الناس بالقدر نفسه بحيث يمتلكون قطعة كبيرة من الأرض.
ويتحوّل الآن كثير من السريلانكيين إلى مصدر آخر للغذاء - هو أشجار الجاك فروت.
تقول أنوما: "في واحدة من بين كل حديقتين، ثمة شجرة جاك فروت".
وبحسب أنوما، لم يكن الناس حتى وقت قريب يلقون بالًا للجاك فروت؛ كانت ثماره تسقط من الشجر وتُترَك على الأرض مُهمَلة.
وبدلا من طبق الدجاج بالكاري وحليب جوز الهند، أصبحت أنوما في ظل ارتفاع الأسعار تطهو لأسرتها الخضروات.
وبات الجاك فروت يظهر كذلك في طبق الـ كوتو - من المأكولات السريعة الشعبية التي تباع في الشوارع. ويلجأ بعض السريلانكيين أحيانا إلى طحن البذور للحصول على دقيق ليخبزه أو ليصنع منه الكعك.
بينما تصعد إحدى التلال المطّلة على مدينة ليما -عاصمة بيرو- التي يغطيها الضباب في الصباح، تفكّر جاستينا فلوريس ماذا ستطهو اليوم.
ويمثل هذا السؤال لـ جاستينا مشكلة يزداد حلّها صعوبة يومًا بعد يوم.
وفي أثناء تفشي وباء كورونا، كانت جاستينا رفقة 60 من جيرانها يجمعون ما يحتاجون من مواد للطهي.
وتعدّ غالبية سكان منطقة سان خوان دي ميرافلوريس من العاملين في المنازل - طباخين، وخادمات، ومربيات، وبُستانيين. ومثل جاستينا، معظمهم فقَد وظيفته في أثناء الوباء.
وكانت هناك عائلات تعاني ويلات الجوع. وبدأت تلك السيدات مجتِمعات في الطهي في طنجرة كبيرة أمام منزل جاستينا، وقد جمعن لذلك ما يكفي من الوقود.
وناشدت جاستينا التُجار بالتبرع بما يتبقى لديهم من غذاء بدلا من التخلص منه. وبعد عامين أصبحت تلك السيدات بقيادة جاستينا تقدِّمن الطعام لـ 75 شخصا، ثلاث مرات في الأسبوع. وكانت جاستينا قبل الوباء تعمل مساعدة في مطبخ.
تقول جاستينا: "أظلّ أدق على الأبواب، باحثة عن داعمين".
وكانت جاستينا معتادة على تقديم يخنة دسمة باللحم والخضروات إلى جانب الأرز، لكنّ ذلك لم يعد قائما منذ بضعة أشهر في ظل قلة التبرعات وصعوبة تأمين كافة أنواع الغذاء.
تقول جاستينا: "نحن يائسات، أجد نفسي مضطرة إلى تقليص المقادير".
ما بدأ في أبريل/نيسان كمظاهرات، شارك فيها مزارعون وعمال في النقل احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود والمخصّبات، تطوّر إلى سلسلة من الإضرابات زادت بدورها من تعطيل سلاسل الإمداد الغذائية.
مؤخرا، وبسبب ارتفاع التكلفة، وجدت جاستينا نفسها مضطرة إلى التوقف عن تقديم اللحوم، واستبدلت بها أمعاء الحيوانات وما إلى ذلك مما يمكن تحمُّل نفقاته.
وكانت جاستينا في وقتٍ ما تطهو أكباد الحيوانات لكنها استعاضت عنها لاحقا بالبيض المقلي، ولما ارتفع سعر الزيت باتت جاستينا تعطي البيض نيئًا للأسر لكي تطهيه في المنازل. والآن لم تعُد جاستينا تطهو البيض أيضا، ولكنها تقدّم معكرونة الباستا مع صلصة هي خليط من البصل والأعشاب. حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات