أُطلق على عالمة الفيزياء الهندية التي تحولت إلى حماية البيئة والدفاع عن حق الحصول على الغذاء، فاندانا شيفا، لقب "غاندي الحبوب" و"نجمة الروك" في عالم الحركة المناهضة للأغذية المعدلة وراثيا، و"الإلهة المحاربة لحماية البيئة".
ومنذ أكثر من 40 عاما، تركز شيفا نشاطها على الزراعة، انطلاقا من إيمانها بأنه يمكننا القضاء على الجوع في العالم والمساهمة في إنقاذ كوكب الأرض، وفي نفس الوقت الحفاظ على ثقافة الطهي وتقاليده المحلية الفريدة التي تجعل عالمنا رائعا في تنوعه.
وتعد شيفا من أشد المؤمنين بأهمية نوعية ما نأكله من طعام، لأنه ينعكس علينا جسديا وثقافيا وروحيا. ومن خلال دعم المزيد من الاستدامة وضمان حقوق المزارعين المحليين في جميع أنحاء العالم، فإن شيفا مصممة على تذكيرنا بأن الطعام والثقافة هما عملة (عصب) الحياة" - وأنه لا يمكنك الحصول على أحدهما دون الآخر.
التقينا بشيفا مؤخرا وسألناها عن نشأتها في جبال الهيمالايا الهندية، وكيف يساعد التنوع البيولوجي في الحفاظ على الثقافات المحلية، وما الذي يمكن للمسافرين فعله ليكون العالم مكانا أفضل، وجاء الحوار كالتالي:
- بعد مسيرة طويلة من الدفاع عن السكان الأصليين والممارسات التقليدية والعلاج الطبيعي، ما الذي يدفعك إلى الاعتقاد بأن هذه القضايا تكتسب أهمية خاصة اليوم؟
بدأت تكريس جهدي لخدمة الأرض والمجتمعات الأصلية منذ ما يقارب الخمسة عقود (مع حركة تشيبكو، وهي حركة نسائية لحماية الأشجار). وأظن أن حماية الأرض والحفاظ على الثقافات الأصلية هما اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى لأن خمسة قرون من الاستعمار، وثلاثة قرون من التصنيع القائم على الوقود الأحفوري قد أوصلتنا إلى الانهيار.
كان السكان الأصليون يعيشون في وئام مع الطبيعة، يحترمون الأرض وحدودها. إنهم خبراء في كيفية البقاء والاستمرار في فترات الأزمات والتهديد بالانقراض.
- كانت هذه السنة صعبة، ولم يسبق لها مثيل. ما هي بعض الأشياء التي شاهدتها في موطنك الهند والتي أعادت إيمانك بأن الطعام والثقافة هما "حقاً عملة الحياة"؟
مؤخرا، اجتمعت نساء من منطقتي في جبال الهيمالايا في مقر حركة نافدانيا احتفالاً بمهرجان حبوب الدخن. لكن الثورة الخضراء (التي أحدثت ثورة في إنتاج المزارع في الهند خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي) وصفت هذه الحبوب بأنها "بدائية". لكن الحقيقة أن الغلال كانت أكثر بعشر مرات، وباستخدام كمية من الماء أقل بعشر مرات.
لقد كانت عضوات حركة نافدانيا، يتصلن بي أثناء الإغلاق ليخبرنني بأن "حدائق الأمل" التي أطلقناها، توفر الطعام لعائلاتهن ومجتمعاتهن على الرغم من الإغلاق.
الغذاء والثقافة هما عملة الحياة. وبينما يحيط بنا المرض والموت، يمكن لثقافة الطعام الحية أن تكون الضوء الذي يقودنا إلى طريق الحياة.
- أنت من المدافعين عن السيادة الغذائية، فما هو تعريفك للسيادة الغذائية، ولماذا تعتبرين أن السيادة الغذائية تساهم في تعزيز التنوع البيولوجي في العالم والحفاظ على الثقافات المحلية؟
بالنسبة لي، السيادة الغذائية هي السيادة على حياتك ومعيشتك وصحتك. نحن مرتبطون بالكائنات الأخرى، وبالتالي فإن السيادة الغذائية هي عملية بيئية مشتركة مع أشكال الحياة الأخرى.
تبدأ بسيادة البذور: حفظ البذور الحية واستخدامها. وهي تشمل رعاية الأرض والتربة. لا يمكننا الوصول إلى سيادة غذائية إذا لم نعمل على تغذية التربة العضوية. السيادة الغذائية تستند إلى الزراعة العضوية وتجنب المواد الكيميائية والسموم.
- ما هي بعض الوسائل التي لاحظت أن هذا يتجلى بها عمليا في الهند؟
أجريت دراسة حول الثورة الخضراء في البنجاب عام 1984، ودعيت إلى اجتماع حول التكنولوجيا الحيوية عام 1987، وبدأنا بحفظ البذور- وهي الحركة التي تسمى نافدانيا منذ عام 1991. وجرى إنشاء أكثر من 150 بنك بذور مجتمعياً. إن البذور المحلية المتكيفة مع الثقافات المحلية توفر قدرا أكبر من الغذاء وهي أكثر قدرة على التكيف مع تغير المناخ. لقد دربنا أكثر من مليون مزارع على الزراعة العضوية الخالية من المواد الكيميائية والقائمة على التنوع البيولوجي.
لقد ارتفع إنتاج المزارعين من الغذاء بمقدار ضعفين، ومن خلال عدم هدر المال على المواد الكيميائية والبذور غير المتجددة، فهم يكسبون 10 أضعاف ما يكسبه مزارعو السلع الأساسية.
- كيف ساهمت نشأتك على سفوح جبال الهيمالايا في اهتمامك بالغذاء والبيئة؟
لأنني نشأت في جبال الهيمالايا وتطوعت في حركة تشيبكو، أدركت قيمة التنوع البيولوجي. لقد استخدمت هذه المعرفة لأفهم سبب اندلاع العنف في ولاية البنجاب، حيث فُرضت الثورة الخضراء لأول مرة. كما ألفت كتاب "عنف الثورة الخضراء"، وتعهدت بتطوير أنظمة غير عنيفة للحفاظ على الغذاء والزراعة. هذا ما أفعله منذ 1984.
أدركت أن الغرب المستعمر صناعيا قائم على عقلية ميكانيكية، وثقافة أحادية العقل. وبناء على تدريبي ونشأتي في جبال الهيمالايا، بدأت بزرع عقلية التنوع البيولوجي، وتجديد التنوع البيولوجي في مزارعنا وطعامنا.
- لقد كنت مناصرة لـ "توفير البذور" و"حرية البذور" طوال عقود، فلماذا تعتبرين هذه الممارسات مهمة للغاية، وكيف عملت منظمة "نافدانيا"، التي أسستها، على تحسين ذلك في الهند؟
البذور هي مصدر الغذاء، وبالتالي فهي مصدر الحياة. ولكي نحمي حرية الغذاء، علينا أن نحمي حرية البذور. كان أول ما فعلناه هو إنشاء بنوك بذور مجتمعية لاستعادة البذور باعتبارها سلعة مشتركة، والوقوف في وجه تسجيل براءة اختراعات على البذور (المعدلة وراثيا). وتم إنشاء أكثر من 150 بنك بذور ساعدت المزارعين على زراعة المزيد من محاصيل الأغذية والحصول على بذور قادرة على التكيف مع تغير المناخ والكوارث المناخية.
لقد ساعدت في كتابة قوانين تعترف بأن النباتات والحيوانات والبذور ليست اختراعات بشرية. لقد حاربنا قضايا القرصنة البيولوجية، وتسجيل براءة اختراع للتنوع البيولوجي الذي نمارسه. لقد أظهرنا، من خلال البحث التشاركي، أنه عندما نكثف التنوع البيولوجي بدلاً من استخدام المواد الكيميائية، ونحسب كمية الغذاء التي ينتجها كل فدان بدلاً من عائد كل فدان، يمكننا أن نزرع من الغذاء ما يكفي لضعف عدد سكان العالم.
وقد أظهر بحث جديد أن البذور المحلية مغذية أكثر من "الأصناف عالية الغلال" التي تُنتج صناعيا، والتي تكون فقيرة من حيث التغذية ومليئة بمواد سامة.
- كما سبق أن أشرتِ مرات عديدة، فالنساء يزرعن معظم الغذاء في العالم. لماذا تعتبر السيادة الغذائية مهمة بشكل خاص بالنسبة للنساء؟
لقد أدركت على مدى أربعة عقود من العمل والبحث أن معظم المزارعين في العالم هم من النساء. إنهن يزرعن الطعام كغذاء وليس كسلع. إنهن يزرعن الطعام المفيد للصحة وليس المسبب للمرض. النساء لديهن الإمكانية لقيادة عملية التحول باتجاه تجديد الأرض وتنوعها البيولوجي لأجل صحتنا وتغذيتنا.
- ما هي بعض الثقافات التي يمكن للناس في جميع أنحاء العالم أن ينظروا إليها على أنها أمثلة جيدة على نهج الغذاء العضوي؟
جميع ثقافات السكان الأصليين هي حافظة لنهج الغذاء العضوي. السكان الأصليون لأستراليا يزرعون (وفق نهج عضوي) منذ 60 ألف عام. وقد كان صغار المزارعين في الصين والهند مزارعين (على نفس النهج) منذ 40 قرناً.
السير ألبرت هوارد، الذي جاء إلى الهند عام 1905مبعوثا من قبل الإمبراطورية البريطانية ليحسن الزراعة الهندية، قام بدلا من ذلك بتحسين الزراعة في الغرب من خلال تعلم طرق الزراعة العضوية من الفلاحين الهنود. وكما قال في كتابه "شهادة زراعية"، أنه بعد تعرفه على جودة وفعالية ممارسات السكان الأصليين في الهند، اتخذ الفلاحين الهنود أساتذة له.
- لقد ألفتِ أكثر من 20 كتابا، وفي عنوان أحد أكثرها شهرة، قمت بصياغة مصطلح "ديمقراطية الأرض". ماذا يعني هذا، وكيف يمكن للمسافرين ممارسته؟
لقد أدى الاستعمار والنظام الاقتصادي الصناعي إلى تدمير الأرض وثقافات السكان الأصليين من خلال أربعة افتراضات خاطئة.
أولاً، أننا منفصلون عن الطبيعة، ولسنا جزءا من الطبيعة. ثانياً، أن الطبيعة شيء ميت، ومجرد مادة أولية للاستغلال الصناعي. ثالثا، أن ثقافات السكان الأصليين بدائية وأدنى منزلة، وتحتاج إلى أن تصبح "حضارية" من خلال البعثات الحضارية للاستعمار الدائم.
رابعا، أن الطبيعة والثقافات بحاجة إلى تطوير وتحسين بواسطة التحكم والتدخلات الخارجية. وهذه الافتراضات الخاطئة هي الجذور التي جاءت منها الثورة الخضراء، والمحاصيل المعدلة وراثيا، وتحرير الجينات.
لقد كتبت "ديمقراطية الأرض" لإظهار أن العولمة خلقت تجارة غير منظمة، وأطلقت العنان لجشع غير محدود، ما أدى إلى نشوء اقتصادات تعتمد الإبادة الجماعية وتخريب البيئة. لقد أدت الديمقراطية الانتخابية التي يمولها أصحاب المليارات والشركات الكبرى، إلى تحويل الديمقراطية من كونها من الناس، ومن أجل الناس، وبواسطة الناس، إلى نظام سياسي تديره الشركات، ومن أجل الشركات، وبواسطة الشركات. وجراء التسبب في هيمنة حالة من الشح والمنافسة العالية، خلقت الحروب الثقافية.
لذا، طورت مفهوم ديمقراطية الأرض على أساس فلسفتي وممارستي المنطلقتين من أننا جزء من الأرض، وأن حرية الإنسان ورفاهيته تعتمدان على الأنواع الأخرى (من الكائنات). نحن لسنا متفوقين على الأنواع الأخرى، نحن كائنات في وجود متبادل.
وتسمح لنا ديمقراطية الأرض بالتحول من الاقتصادات والثقافات التي تقتل، ومن الديمقراطيات الميتة، إلى الاقتصادات الحية، والديمقراطيات الحية، والثقافات الحية على الأرض، وإلى تشارك وفرتها واحترام حدودها.
- لقد ساعدتِ المنظمات الشعبية عبر أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، وتحدثت في مناسبات في أنحاء العالم. ما الذي لاحظته في أسفارك ويمكن اعتباره الخيوط المشتركة التي تربط بين الأطعمة المحلية والهوية؟
لقد كنا مقسّمين من قبل الاستعمار. جرى تقسيمنا حسب الجنس والعرق والدين والطبقة الاجتماعية. لكننا جزء من الأرض، والطعام هو عملة الحياة. والنظام الغذائي الذي هو في حالة حرب مع الأرض، هو أيضا في حالة حرب مع أجسادنا.
في أنحاء العالم أجمع، وخاصة مع انتشار الوباء، هناك وعي متزايد بأن مصادر الطاقة المتعددة التي نعيش من خلالها، تمتد جذورها عبر أرضية نظام غذائي غير عادل، وغير مستدام، كما أنه صناعي ومعولم. وتكمن الحلول لجميع الأزمات في إنشاء أنظمة غذائية محلية ومتنوعة بيولوجيا وخالية من السموم ومن المواد الكيميائية، وترفع مستوى التغذية لجميع الكائنات، كما تقلل من آثار بصمتنا البيئية المخربة.
- كيف تتأكدين من أن الطعام الذي تتناولينه أثناء سفرك، معد من منتجات محلية ووفق طريقة مستدامة، وما هي النصائح التي يمكنك تقديمها للمسافرين الآخرين الذين يرغبون في فعل الشيء نفسه؟
عندما كان السفر إلى أنحاء العالم ممكنا، كنت إما أتناول طعاما من إنتاج المزارعين المحليين، أو ألجأ إلى الصيام. ونظرا إلى أن فرض الإغلاق أدى إلى توقف السفر، فأنا أتغذى على المنتجات المحلية التي نزرعها، وقد أطلقت حركة "ازرع صحتك".
- ما هي أفضل نصيحة يمكنك تقديمها للمسافرين الذين يرغبون في جعل العالم مكانا أفضل، لكنهم قد لا يعرفون من أين عليهم أن يبدأوا؟
يمكن أن يكون الطعام الذي نتناوله من أكبر المساهمين في خلق المشاكل، في حين يمكن أن يكون تناول الطعام بشكل واع من أكبر المساهمين في الحلول. ما يجب أن نضعه في الاعتبار هو أن الطعام هو عملة الحياة. عندما تشارك في أنظمة غذائية وليدة المختبرات الصناعية، فإنك تشارك في كسر دورة الحياة.
تجنب الأطعمة المصنعة، وتناول الطعام الطازج. وتجنب الأطعمة المجهولة التي لا تعرف ما الذي يدخل في تصنيعها. جميع الكائنات حية، وجميع الكائنات واعية. تناول الطعام هو بمثابة حوار مع كائنات حية أخرى. الأطعمة المجهولة تعطل هذا التواصل، كما تؤذي صحتنا.
- ما الذي لا يزال يمنحك الأمل في أن عالمنا يمكن له أن يتغير إلى الأفضل؟
الأمل ليس شيئا خارج أنفسنا، فالأمل هو عملية عيش كاملة. أنا أزرع الأمل في كل فكرة ومن خلال كل تصرف. حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات