التفكير حق من حقوق الإنسان الثابتة وبدونه يفقد ما يميزه عن سائر المخلوقات ألا وهو العقل، والتفكير عملية عقلية وقودها ثقافة المرء ومعطياته الخاصة، والانسان الذي يبعد نفسه عن التطور الفكري الحاصل لا يمكنه أن يبني نفسه.
فتراه يعيش بعيدا عن عصره متخبطا فيه فقط، يقال أن تاجرا ذهب مرة إلى السوق ليشتري عبدا يستخدمه فرأى عبدا قد زاده الله بسطة في الجسم فأعجب به وقال للبائع: بكم تبيع هذا العبد؟ فعرض ثمنا زهيدا فدفع له الثمن ثم توجه للبائع فسأله ما عيبه؟ فقال البائع: كل شيء فيه جيد لكن عيبه الوحيد أنه لا يفكر وأي أمر تأمره ينفذه في الحال.
قال التاجر: ذلك أفضل أنا لا اريده مفكرا عبقريا.
وذات مرة قال التاجر للعبد: اذهب وابحث عن ولدي، فذهب العبد باحثا عن ولده التاجر فرآه يغرق في البحر إلا انه لم يحرك ساكنا وعاد إلى مولاه وأخبره بأن ولده في البحر يغرق.. فقال له: ولماذا لم تنقذه؟
فأجاب أنت لم تقل لي أنقذه إنما قلت فقط أين هو.
كم من هؤلاء الذين مضت من حياتهم عشرات السنين دون أن يعادلها تفكير منهجي، وأن التفكير هو السعي الواعي نحو الهدف المحدد وبطريقة معينة تكشف الحقائق فهو يجب ألا يقف عند حدود المعلومات البسيطة الساذجة.
وهناك مجموعة من المراحل التي تساعد الانسان على التفكير بصورة سليمة:
مرحلة الملاحظة العامة: وهذه الملاحظة تُدرك عادة بحواس الإنسان فعندما تدخل في مكتبة ما فإنك ترى مجموعة من الكتب وتلامس يداك أحجامها، ثم عقلك يقرر طبيعة الكتاب الذي ينبغي الحصول عليه.
مرحلة الفرض والنظرية: عندما تتجمع هذه الأفكار في العقل وتتكدس كما الأحجار المكومة يبدأ العقل في هذه المرحلة بتقسيم الأحجار وبناءها بعضها فوق بعض، وهذه هي مرحلة الأفتراض حيث يبحث العقل عن إيجاد العلاقة بين الحوادث المتفرقة واذا اكتملت هذه العلاقة صارت نظرية والتي تعني بناء الأفكار على بعضها وربطها في وحدة فكرية.
مرحلة البرهان: يبحث الأنسان بعد أن تكتمل الفكرة في عقله عن براهين وأدلة لاثبات صحة الأفتراض من الواقع والتجربة، وعندها سوف يحصل في النهاية على التيقن من صحة الفكرة أو خطأها.
بناء التفكير يحتاج إلى عملية هدم مسبقة لكل الرواسب والعوامل التي تجعل تفكير الإنسان يسير في اللامنهجية وعملية الهدم هذه هي جزء من مرحلة البناء وهذا يتم عبر مجموعة من المراحل:
١_ الهدف ثم التفكير: سئل الإمام الجواد عليه السلام عن الصيد في الحج فأخذ يقسم السؤال إلى عدة أسئلة تجاوزت العشرات، ثم بعد ذلك أعطى الجواب، هذه هي الطريقة العلمية السليمة التي تعتمد على تحديد المشكلة قبل البحث عنها وتحديد المشكلة هو في الواقع تحديد الهدف الذي يراد الوصول إليه من خلال التفكير، وهذا يعني أن نحدد بالضبط الهدف العلمي الذي نريد الوصول اليه وكلما كان الإنسان بارعا في توجيه السؤال كلما كان أكثر قدرة على الحصول على الجواب السليم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (حسن السؤال نصف العلم).
٢_ لا تفكر في المسلمات: التفكير في الحقائق الواضحة كوضوح الشمس تقود الانسان إلى تكرار صياغة المعلومات وبالتالي ينشغل عن البحث عن معلومات جديدة ويجعل الفرد مترددا حتى في المعلومات السابقة.
٣_ لا تفكر في المستحيل
مهما استطاع العقل البشري أن ينمو ويتطور ويخترق الحقائق إلا إن له مستوى معينا لا يستطيع أن يتجاوزه ولا يمكن له أن يصل إلى حقائق فوق مستوى العقل البشري، ومن الخطا أن يجهد الشخص نفسه في سبيل الوصول إلى المستحيل ويكون على صورتين:
الصورة الأولى
التفكير في أمر بعيد عن مستواه العلمي محاولا فهمه، كمن يريد فهم النظرية النسبية وهو لم يتعد المرحلة المتوسطة، فإن ذلك يجر بالإنسان الكفر بتلك النظرية لذلك جاء في الحديث (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم).
الصورة الثانية:
حينما تكون طبيعة الموضوع الذي يفكر فيه فوق مستوى العقل البشري كمن يريد أن يدرس حالة الكائنات في آخر مجرة كونية في الفضاء أو أن يفكر في كنه الله فإنه بالطبع سوف يكفر وجاء في الحديث صراحة عن هذه الفئة: (من تفكر في ذات الله تزندق).
٤_ لا تتسرع في التفكير
من العوامل النفسية التي تؤدي الى نتيجة خاطئة هو التسرع في الحكم على النتيجة، وذلك عندما تميل النفس إلى حب الراحة وعدم التكلفة، وعندما ينال التفكير من الشخص ويرهقه، فإنه يعجل في اصدار الحكم على النتيجة دون التفكير المركز المتأني، وكما نعلم أن التفكير عملية صعبة وتحتاج من الانسان الصبر لذلك فإن جذر الخطأ يكمن في التسرع.
٥_ ابتعد عن غموض الألفاظ
من يتعمد أن يعقد الألفاظ لكي يرفع من مستوى فكرته كما يعتقد فإن ذلك لا يرفع من مستوى الفكرة بقدر ما يحط منها لأنه سوف يعقدها ويصعب فهمها والأفكار إنما تطرح لتؤثر في الناس لا لكي يقفوا أمام الألغاز.
هذا التنظيم الفكري غالبا ما يقود الانسان إلى التفكير بطريقة سليمة تخلو من الشوائب وبالتالي يؤسس لنفسه فكرا حرا لا تعيقه معوقات الحداثة وتشتيت طبيعة التفكير لذلك من الضروري أن يبني الانسان نفسه حتى لا تجره سوق الأفكار المنتشرة حديثا.
من كتاب معالم الشخصية الرسالية، حسن محمد الملا
اضافةتعليق
التعليقات