أيام نتذكرها وأيام ننساها، أيام تحفر أخاديدا بالروح مملوءة بالفرح حينا وبالحزن حينا، وأيام تمضي بلا اثر.
ما أصعب ان تكبر وتجد نفسك أمام ميزان يرجح بنقصان أيامك وأنت كما أنت، وان ما سرق من عمرك قد مضى وتلاشى دون ان تحقق صرح أحلامك، هناك أحلام تنتهي وتموت مكفنة بأفكارها في حين تعيش بعض الأحلام عمرا مديدا حتى تشيخ معنا، وهناك من ينبض بها الأمل بعدما طوتها الأيام فتطفوا على شتات الذاكرة وتحيا من جديد لنرسمها على ارض الواقع رغم أعمارنا التي سرقتها السنوات.
ترى هل نحتاج إلى معجزة لتحقيق أحلامنا في الحياة ؟ أم نحتاج إلى إرادة ام الى ان نحب و نؤمن اكثر بما نريد؟ هل بمقدورنا اللحاق بالزمن لتحقيق ما نتمناه؟ وهل مازال هناك وميض امل بأن نكون كما اردنا نحن، ليس كما اراد غيرنا او حتى المجتمع.
المصور
الحلم كأنه قدر جميل ومدهش ومستحيل وغريب بل قد يكون جنونا لا يتحقق لكنه يخلق عالما مختلفا بداخلنا يغير لنا الواقع حتى وان حققنا صرح أحلامنا يبقى حلم الطفولة يلج بذاكرتنا.
بهذه الكلمات استهل لؤي عبد الهادي/ أستاذ جامعي 60 سنة حديثه ثم قال:
كم نعتوني بالمجنون حينما عزمت على تحقيق حلم الطفولة ولم يؤيدني احد سوى ابنتي الصغرى حيث قالت (افعل ماتؤمن به ويسعدك)، كان أبي يصر بأن أكون أستاذا جامعيا ودائما يحدثني انه حلمي الذي لم اناله وأنت من سيكمل ذلك الحلم، وراحت السنوات وانا امضي قدما بدراستي، لن يسألني ابي يوما عن حلمي الذي اتمناه، ولم يعدل عن قراره، ما كنت اود ان اخذله واكتفيت بالصمت حتى نلت على شهادة الماجستير.
مرض ابي ولازم الفراش، طلب رؤيتي وكانت اول مرة يسألني بها هل مازلت تحلم ان تكون مصورا؟
لم احزن كوني أصبحت أستاذا فقد أرضيت أبي وحققت نجاحا كبيرا في مجال التدريس، لكني حزنت جدا بوفاته وآخر ما طلبه مني أن أحقق حلمي وأكون كما أردت (مصور)، بدأ الأمر وكأني أعيد شبابي، فتحت استيديو وحققت حلم الطفولة ومارست هوايتي، لكني ما توقفت عن حمل الكاميرا طيلة تلك السنوات في المناسبات والسفرات العائلية وعمدت على إفراغ احد الغرف كأستوديو وجهزتها بما يلزم حيث كنت اقضي معظم أوقاتي بها.
الغريب بالأمر ان ابنتي عادت لتقول لي (أبي حتى حلمك حققته حينما طلب جدي منك ذلك)، أدركت حينها إن المشاعر هي الجزء الأكبر في تحقيق الأحلام فحبي لأبي واحترامي لرغبته جعلني أحقق حلمي وحلمه.
الرسام
بينما وميض الرسام/ 48 سنة حدثنا قائلا: تسرقنا الأيام فتجد الأشياء الجميلة قد ضاعت وخفت ضياؤها، ليتنا نستطيع ان نعيد عربة الوقت الى الخلف ونوقف العمر لتلتحق بنا احلامنا فتشفق علينا وتتحقق.
هذا ما كانوا ينادوني به فقد احتل لقب الرسام اسم والدي، وقد كنت سعيدا لهذه التسمية التي كانت تزعج أسرتي وحينما نلت أعلى الدرجات رفضوا وبشدة أن ادخل كليه الفنون، أودعت كل لوحاتي التي رسمتها بصناديق وأقفلت عليها لأضع مكانها صورا للهياكل العظمية وبعدما كنت أعيش مع الألوان والجمال وترافة المشاعر، أصبحت اقبع بين البحوث والجماجم، لم اشعر بالندم كوني أصبحت طبيبا.
وتابع قائلا: هناك أحلام تفوق الخيال لا يمكن تطبيقها على ارض الواقع وأحيانا لا يكون الأهل هم المسؤولين بل الوضع الذي تواكبه في بلدك هو من يفرض عليك وهذا ما أدركته حينما وجدت الحروب تتزاول عبر الأجيال، استطيع الان أن أكون كما أردت في الماضي لكن ليس في بلدي.
ختم حديثه: تموت الأحلام وتتوصد أحيانا لما يفرضه المجتمع، فبحكم عملي تغيرت مشاعري خصوصا إن يدي تعودت على حمل المشرط وتأبى حمل فرشاة الرسم.
الفنانة
ومن جانب اخر قالت سندس علي/ 38 سنة: ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فلا بد أن تعيش الأحلام كجزء من الواقع وليس أمرا منفصلا عنه، كثيرا ما كنت استمع للأغاني وأدندن بها وراحت الفكرة تلج براسي وتكبر، لم أتجرأ على البوح بما أتمناه لأسباب معروفة، لم أتوقف عن الغناء فقد كنت اغني في الحفلات العائلية والسفرات المدرسية حينما كنت صغيرة، مرت السنوات وأكملت دراستي الجامعية في كلية الفنون، كنت أتمنى أن أحيا وأموت على خشبة المسرح لكن القدر حال دون ذلك، لم أقف في منتصف الطريق ليسرق الزمن مني حلمي في الترقب بل صنعت من المستحيل ممكنا وجعلت الناس تستمع لي بشيء أفضل واستثمرت موهبتي للطريق الصحيح، فأنا الان منشدة حسينية ولجمال صوتي تلقيت إعجابا وقبولا كبيرين.
طريق الأحلام
وشاركنا أستاذ علم النفس عبد عون المسعودي قائلا: كل البشر لديهم أهداف وأحلام وأماني يسعون لتحقيقها لكنهم قد يتعرضون لمعوقات تمنعهم من ذلك وهي على نوعين، معوقات داخلية أي ذاتية إذ البعض يضع أحلاما وأهدافا تتطلب قدرات وإمكانيات لا تتوفر لديه، كالعقلية والنفسية والبدنية وغيرها، وهناك معوقات خارجية تتمثل بالبيئة المحيطة التي قد تمنع تحقيق بعض الأماني أو لا توفر الآلية لتحقيقها كالأسرة والقانون والتشريعات الدينية وغيرها، مما يجعل الفرد يعيش حالة الإحباط التي قد تكون مؤقتة أو دائمية حسب نوع وطبيعة الأهداف والأحلام.
ويضيف المسعودي: إن طريق الأحلام ينطلق من المشاعر وبالأيمان الكبير بها، ويتوقف الحلم على المرء الذي يحلم بأن يصل إلى شيء كبير في الحياة قد لا يتصور احد أن يصل إليه فحينما يؤمن به ويشعر به سيتحقق وذلك لقوة عقله الباطن بإنجاز ما يبتغيه.
وأكد: على إن الشخصية الحالمة ليست بالضرورة تكون شخصية محبطة بل من الممكن ان تكون شخصية منجزة فقد يحلم أن يكون أفضل مما يرسمه القدر له فسيكون حسب إرادته وعزيمته.
موضحا: إن تحقيق الأحلام ممكن ان يحدث على مختلف المستويات حتى المستوى العاطفي، فأحيانا ترتبط الأحلام بالحالة العمرية لدى الإنسان فالأولاد قد يحلمون أحلاما قد تتحقق وقد تفوق الخيال لذلك يجب متابعة الأبناء لإدخالهم دائرة الواقع، فحينما يدخلون سن المراهقة تبدأ الأحلام تدخل الجانب العاطفي أكثر وبالخصوص الفتاة، والشاب يحلم بالسلطة والجاه والمال وبتحقيق ذاته بأشياء غير واقعية، ولربما تقوده لطرق يصعب إيقافها أحيانا وهنا يحتاج لدور المربي والموجه.
ختم حديثه: ويبقى الحلم هو الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان ان يمارسه دون رقابة احد، فلا تتوقفوا عن الحلم حتى لو بات مستحيلا.
اضافةتعليق
التعليقات