ما ضاع حق وراءه مطالب، فالمطالبة بالحقوق مشروعة شاء من شاء وأبى من أبى، أليس قلة الوظائف والعاطلين عن العمل والفقر والفاقة والحاجة إلى الحياة الكريمة والدواء وغيرها حقوق للمواطن يريد البحث عن علاج لها، فهذا داء ومشكلة ومعضلة والدواء في ايصالها، قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون).
(ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم).
ففي حين أن هذه الحقوق يمكن أن تؤثر على كثير من الناس ويمكن أن يكون لها بعد جماعي، فإنها أيضاً حقوق فردية وأهم الحقوق الإنسانية التي تكفلها الدستور، وتتضمن أغلب دساتير دول العالم الديمقراطية وحتى غير الديمقراطية نصوصاً تؤكد على احترام هذا الحق وعدم المساس به، بينما يَعدّه الإسلام حق وواجب في ذات الوقت.
فثقافة المطالبة بالحقوق يجب أن تكون مقترنة بعناصر النجاح الأخرى مثل التوقيت المناسب وشكل هذه المطالبة التي يجب أن تكون بداية بعيدة كل البعد عن الفوضى والعشوائية والافتقاد للقيادة الواعية التي تقود المطالبة بالحق، ووجود القيادة الرصينة في هذا الاتجاه قد يحقق نسبة كبيرة من المطالبة بالحق, ونحن اليوم ما أحوجنا إلى تبني هذه الثقافة من جديد على أسس السلام والتعبير الايجابي عن الرأي وسط تردي الخدمات, ما أحوجنا اليوم لأن نعبر عن تحضرنا ورقينا بإتباعنا الأساليب السلمية.
المطالبة بالحقوق أمر مشروع يكفله القانون الدولي والإنساني، وهو مطلب ذاتي متى ما وجد الإنسان بالأدلة الثبوتية أنه صاحب حق، وسلب الحقوق وإيقافها دون اعتبار للإنسانية ودون اعتبار بأن الظلم ظلمات وجريمة ليست في حق الإنسان فقط، إنما في حق المجتمع حيث سيادة الفوضى والفساد فكيف بالحقوق الوظيفية، والتي هي حق مكتسب للفرد في مجتمعه كما هي الدينامو المحرك للمسيرة الحياتية للإنسان لتحقيق الأمان المعيشي.
** وتكتسب قضية حقوق الإنسان أهمية متزايدة في واقعنا العربي والاسلامي، بسبب أن معظم الحكومات هي في قائمة الدول المنتهكة لحقوق مواطنيها وشعوبها، أما في المجال الدولي فنحن نجد أن انتهاك حقوق الإنسان يمارس بصورة أوضح نتيجة لثنائية القيم بين الداخل والخارج، أو نتيجة للتكتلات الدولية أو المصالح السياسية أو النزعات العنصرية.. فحقوق الإنسان نموذج للمفاهيم التي يحاول الغرب فرض عالميتها على الشعوب الأخرى.
فالحق سيف قاطع يعلو ولا يعلى عليه وإذا أردنا أن نفصل في هذا المجال، على ضوء (نهج البلاغة) للإمام علي (ع)، نجد الأثر الكبير، الذي خلفه القرآن الكريم وسنة نبيه العظيم، في تشكيل شخصية الإمام المسلم والحاكم المؤمن، وفي توجيه علاقته بالإنسان، فخليفة المسلمين حريص على حفظ دين الفرد مع تقديم كافة الضمانات التي تصونه وتجعل منه انساناً حراً في عقيدته وعبادته وتفكيره (عباد الله، الله الله، في أعز الأنفس عليكم، وأحبّها إليكم. فإن الله قد أوضح لكم سبيل الحق وأنار طرقه. فشقوة لازمة أو سعادة دائمة، فتزودوا في أيام الغناء لأيام البقاء. فقد دللتم على الزاد وأمرتم بالظعن، وحثثتم على المسيرة. فإنما أنتم كركب وقوف لا يدرون متى يؤمرون بالمسير ألا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخرة وما يصنع بالمال من عما قليل يسلبه، وتبقى عليه تبعته وحسابه).
يفترض على الفرد منا أن يتبع نهج دينه ولا يسكت عن المطالبة بحقه لأي سبب كان، وحقه في الحياة والرأي والسلام والكرامة الانسانية والعيش الكريم، ولكي نجابه كل الطغاة نقف بأقلامنا بأصواتنا التي لابد أن تنتصر في نهاية المطاف.
اضافةتعليق
التعليقات