إن دراسات كالتي أوضحناها قد سمحت لنا بتحديد الخيوط الشائعة في كل البيئات الإثرائية، وسمحت لنا أن نحكم إذا ما كان المحيط الذي يتواجد به الطفل يحتوى على مقدار كاف من المثيرات أم لا.
البيئة الإثرائية تتضمن مصادر ثابتة من الدعم العاطفي الإيجابي:
توفر غذاء يحتوى على البروتين والفيتامينات والمعادن والسعرات الحرارية، تستثير كل الحواس (وليس بالضرورة استثارة كل الحواس في نفس الوقت)، ذات مناخ خال من الضغوط غير الضرورية، وبها قدر كاف من الخبرات الممتعة، تقدم سلسلة من التحديات الجديدة والتي ليست سهلة جداً، أو صعبة جدا بالنسبة للطفل ومرحلة نموه، تسمح بالتفاعل الاجتماعي فى معظم الأنشطة التي يقوم بها الطفل، ترتقى بنمو مدى متسع من المهارات والاهتمامات العقلية، والجسمانية والجمالية، والاجتماعية، والعاطفية، تعطى للطفل فرصاً لاختيار الكثير من أنشطته الخاصة، تعطي الطفل فرصة لقياس نتائج جهوده وأن يعدلها، تشكل مناخاً ممتعاً يرتقى بالاستكشاف ومتعة التعلم.
وقبل كل ذلك، تسمح البيئة الإثرائية للطفل بأن يصبح مشاركاً نشطاً بدلاً من كونه ملاحظا سلبيا.
البيئة غير الإثراثية سوف تميل إلى العكس في معظم هذه المعالم ويتضمن ذلك:
غذاء منخفض البروتين والفيتامينات والمعادن وعاليا جداً أو منخفضا جداً في السعرات، مناخا عاطفيا سلبيا، الحرمان الحسي تنبیه محدود للحواس، مستويات مرتفعة من الضغوط، ظروفا غير متغيرة وتفتقر للتجديد، فترات طويلة من العزل بعيداً عمن يقومون على رعايته، أو أقرانه، مناخا ثقيلا وكثيباً يفتقر للمتعة أو حس الاستكشاف ومتعة التعلم، الاشتراك السلبي وليس الإيجابي في بعض أو كل الأنشطة، اختيارات شخصية قليلة للأنشطة، فرصا قليلة لتقديم النتائج أو التأثيرات والتغيير لأنشطة مختلفة والنمو يتم داخل إطار ضيق من الاهتمامات.
ليس ضروريا اقتباس مشهد ملجأ الأيتام من قصة «ديفيد كوبر فيلد» لبلورة معنى البيئة الفقيرة. كل ما هو مطلوب تصور طفل دارج يجلس وحيدا وسلبيا لساعات أمام شاشة التليفزيون، أعين حالمة مع مسحة من التعجب تكسوها، تحجر في الخيال، والطاقة الاستكشافية مقيدة. ثم الارتماء في صحن من بطاطس الشيبيسي والصودا.
علامات رائعة على طريق النمو مشاهدة طفل وليد يكبر وينمو هو من أكثر المسرحيات البيولوجية الخلابة بالنسبة لحياة الشخص العادي كما أنه أكثر مدعاة للمرح من مشاهدة تقدم الفرد نفسه في العمر. وعلى الرغم من أن الوقت الذي نستغرقه في النمو يعتبر طويلاً مقارنة بكلب، أو قطة، أو قرد فإن الكائن البشري لا زال يتطور من طفل حديث الولادة إلى طفل دارج إلى طفل بسرعة ملحوظة.
إن الاتساع في الحركة والحواس، والمزاج واللعب والتفكير والتحدث، والاجتماعيات خلال السنة الأولى والثانية من العمر يعكس نمو العقل الذي يقف خلف كل ذلك، والذي سبق وأن ناقشناه الانفجار في عدد الوصلات العصبية بين الأفرع العصبية النهايات العصبية، انطلاق الطاقة المستهلكة والأنشطة الخلوية؛ التراكم السريع لمادة الميلين، التسارع في النبضات العصبية على مدار المسارات العصبية ؛ تضاعف وزن المخ بل وصوله إلى ثلاثة أضعاف وزنه عند الولادة قبل أن يلتحق الطفل بالمدرسة. وضع الأسس السلوكية التي تعقب استقرار مراحل الفهم لكيفية نضج المخ، وكيف أن هذا النضج يكمن خلف الإشارات المبهجة لتقدم الطفل في العمر.
الطفل حديث الولادة
عادة ما يشير الناس إلى حديثى الولادة باعتبارهم عديمي الحيلة، وبالفعل فإن الطفل الرضيع ما هو إلا كرة صغيرة من استجابات الحيوان، الذي يعتبر قادراً حتى على الدفاع عن نفسه بدرجة محدودة. ويصف كل من فرانك وتيريسا كابلان المتخصصين في نمو الطفل، هذه الاستجابات الخاصة بالدفاع الذاتي في كتابهم بعنوان الاثنا عشر شهراً الأولى من العمر The first Twelve month of Life فالطفل يفزع من الأصوات العالية أو الأضواء المبهرة. وهو يدفع بذراعيه وساقيه كاستجابة للضوضاء المفاجئة أو اللمس المفاجئ.
وحين يرقد فإنه يدير رأسه ليحمى نفسه من الاختناق. وهو ينقب من حوله للعثور على الحلمة ويمصها مثل أي حيوان في فترة الرضاعة. وإذا ما سقطت فوطة على وجه الطفل الرضيع. فإنه يحاول أن يسحبها من على وجهه من خلال تحريك ذراعيه ورأسه. وإذا ما تمت ملاطفته، فإن أيدى وأرجل الرضيع سوف تحاول الإمساك بمن يلاطفه. كما أن الرضيع سوف يقوم بحركات الخطو إذا ما تم حمله رأسياً ويقوم بحركات شبيهة بالعوم إذا ما تم حمله أفقياً في الماء.
باقي سلوكيات الطفل الوليد تعتبر شبيهة بحركات الحيوانات: فالطفل الرضيع يحرك يديه ورجليه بصورة عشوائية، كما أن يديه تقبضان بإحكام في صورة قبضة محكمة ويمكن لأعين الوليد أن تتتبع حركة ما، ولكن ذلك فقط لمسافة بوصة من وجهه؛ كما أنه ينام ۸۰٪ من الوقت.
عند الشهر الأول
بعد أربعة أسابيع من ميلاد الطفل، ولا زالت حركات الأذرع والأرجل والجسم عشوائية، ولكن الوليد بدأ في إدراك الأشكال شديدة التضاد، وأن يسمع ويستجيب للأصوات من خلال النظر إليها أو عمل بعض الأصوات، وأن يبكى عن قصد لجذب الانتباه وهو يتعرف على الأشياء الطرية ويفضلها ، ونفس الشيء بالنسبة لإمساكه بطريقة لطيفة وحانية بدون قسوة، كما يتعرف على الروائح الحلوة ويفضلها على تلك النفاذة وطبقا لرأى الأطباء في كتاب بعنوان رعاية وليدك وطفلك الصغير Caring for your baby and young child . يفضل بصفةخاصة أن يتم حمله وهدهدته بطريقة لطيفة .
عند الشهر الرابع
أصبح سحر الطفل ملموسا الآن إلى جانب قدراته النامية. فبإمكانه أن يرفع يده وصدره ويرفع نفسه على ذراعيه وأن يرفس ويمدد رجليه، ويفتح ويغلق يديه عن قصد ؛ وأن يقف بمساعدة ويضرب بشدة الأشياء المتدلية أمامه ويقبض على اللعب الصغيرة، ويهزها ويضعها في فمه. إن رؤيته أصبحت ناضجة الآن، ويمكن أن يتتبع بعينيه الأشياء المتحركة لمسافات طويلة. وهو يبتسم كالفائز حين تتم ملاعبته، أو الحديث إليه، أو هدهدته ويناغى ويصدر أصواتا أحادية المقاطع.
وبقليل من العون يمكنه الجلوس، وهذا يحرره لكي يلعب بيديه ويضعها في فمه، ونفس الشيء بالنسبة لأصابعه، وأرجله وأصابع قدميه وهو ينفق الساعات من وقت يقظته الآخذ في التزايد في التجريب على الأشياء ومعرفة ملمسها، وحجمها، وحركتها ووقع سقوطها على الأرض. وهو يحب الموسيقى الهادئة وعادة ما يحب أن ينشر الماء بيديه ويرفس برجليه في البانيو الخاص به. والطفل في هذه السن لديه تنويعات من الحالات المزاجية والأساليب التي من خلالها يجذب انتباه والديه، ويحافظ على هذا الانتباه من جانبهم، يجعلهم يستجيبون لحالته المزاجية.
عند الشهر الثامن
يبدأ الوليد الآن في توكيد وجوده وذاته، فيصرخ لجذب الانتباه، ويزحف حول أرجاء المنزل، ويتشبث فيجذب نفسه لكي يقف بجوار الأريكة ويستكشف اللعب والأدوات بهزها وخبطها، ورميها، ودحرجتها لرؤية وسماع ما الذي تفعله. إن أهدافه جيدة حين يسعى ويصل إلى الأشياء وهو الآن يمكن أن يحرك فقط الإبهام والسبابة لالتقاط الأشياء الدقيقة، القريبة منه، لديه الدافع للتلفظ بأصوات وأن يتهته بسلسلة من المقاطع، وأن يناغي أثناء أي حوار ودي معه؛ وأن ينطق أول كلمة أو كلمتين له؛ إن انتباهه ووعيه المتزايد.
اضافةتعليق
التعليقات