إننا نعيش كالملوك ولكن مع وجود كل هذه التقنيات لا نشعر بالسعادة، لو نتصفح تاريخ آبائنا نجد كفاحهم العظيم كيف كان يؤثر على انتاجيتهم بينما في يومنا هذا أصبحنا من المسرفين الذين يلتهمون كل شيء بطريقة مخيفة وحال أطفالنا أسوء منا بكثير فقد نرى أجساد متكئة على الأرائك تحدق في شاشات تضحك لوحدها وتتفاعل مع عالم خرافي أكثر من العالم الواقعي.
قد نفكر بأننا قدمنا لهم الحياة المثالية عن طريق تسجيلهم في أفضل المدارس وشراء أفضل الملابس والأدوات وعدم اعطائهم المسؤولية في أمور البيت فضلا عن خارج البيت، فقد كبر أطفال اليوم على عدم المسؤولية وجعبة مليئة بالتوقعات وعدم المبالاة بجميع مايدور حولهم وبعد كل هذا التفاني من الآباء الأمر الصادم هو عدم قناعة هؤلاء الأطفال بما يُقدم لهم من خدمات فهو يشعر بالكآبة ويتذمر على الدوام فهذه المؤشرات تجلب انتباهنا وتحذرنا عن اعطاء المزيد من كميات السكر لهم كما إن استخدام السكر يسبب الكثير من الأمراض للجسد ويكون الاحساس بالاشباع كاذبا كذلك هذه الخدمات تعد بمثابة كميات كبيرة من السكر حيث تؤثر على الجهاز المناعي والهضمي و تشل الجسد.
في المقابل علينا أن نبحث عن وجبات أساسية تغذي هذه الأجساد المهشمة والأرواح المتشردة التائهة في دهاليز الشك فنركز على تغذية العقول قبل البطون، هم الناس بالدنيا الأموال لذلك السارق عندما يهم بالسرقة يأخذ معه الذهب والأموال، ولم نسمع يوما أن سارقا سرق كتابا إلا في حالات نادرة لعدم الاكتراث بالعلم فقد يشير مولانا زين العابدين (عليه السلام) على أهمية الاكتراث بالعلم حيث يقول:
"أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال لأن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه ".
هاهو مولانا زين العابدين وهو وارث العلوم الالهية كآبائه عليهم السلام ولكن يرث العلوم من آبائه ويورثه اضافة إلى العلوم اللدنية.
فقد رَوَى الكُلَيْنِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: إِنَّ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) لَمّا حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ، دَعَا ابْنَتَهُ الكُبْرَى فَاطِمَةَ بِنْتَ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَابًا مَلْفُوفًا وَوَصِيَّةً ظَاهِرَةً وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) مَبْطُونًا مَعَهُمْ لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ لما بِهِ، فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الكِتَابَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ثُمَّ صَارَ وَاللهِ ذَلِكَ الكِتَابُ إِلَيْنَا يَا زِيَادُ قَالَ: قُلْتُ: مَا فِي ذَلِكَ الكِتَابِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: فِيهِ وَاللهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ آدَمَ إِلَى أَنْ تُفْنَى الدُّنْيَا، وَاللهِ إِنَّ فِيهِ الحُدُودَ، حَتَّى إِنَّ فِيهِ أَرْشَ الخَدْشِ.*١
وبعد ذلك يقدم هذه الكتب المقدسة إلى الوصي من بعده؛ التفت علي بن الحسين (عليهما السلام) إلى ولده وهو في الموت وهم مجتمعون عنده، ثم التفت إلى محمد بن علي فقال: يا محمد هذا الصندوق اذهب به إلى بيتك، قال: أما إنه لم يكن فيه دينار ولا درهم، ولكن كان مملوء علما.
سادات الخلق يعلمونا كيف نعيش وكيف نترك الأثر الطيب وبماذا نهتم يعلمونا أهمية التركيز على العلم وأهمية توارثه للأجيال القادمة فالاهتمام باحتياجات الجسد حسن ولكن ان زاد عن الحد فهو مذموم لأنه يشغل الانسان عن الأهم.
ورد عن مولانا زين العابدين (عليه السلام): تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وهو عند الله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام وسالك بطالبه سبيل الجنة، وهو أنيس في الوحشة وصاحب في الوحدة وسلاح على الأعداء وزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم وترمق أعمالهم وتقتبس آثارهم وترغب الملائكة في خلتهم، يمسحونهم بأجنحتهم في صلواتهم، لأن العلم حياة القلوب من الجهل ونور الأبصار من العمى وقوة الأبدان من الضعف، ينزل الله حامله منازل الأبرار ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة، وبالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف الله ويوحد، وبالعلم توصل الأرحام وبه يعرف الحلال والحرام، والعلم إمام العقل والعقل تابعه، يلهمه الله السعداء ويحرمه ٢ ".
اضافةتعليق
التعليقات