عندما نكتب عن سيرة السلطان وأنيس ملك القلوب قبل العقول شهد بذلك أعدائه قبل محبيه إذن نحتاج إلى قافلة من الحروف التي تسعفني في كتابة بعض السطور في حقه كيف لا وهو علي الرضا سلطان طوس وأنيس النفوس مع لمحة من تاريخه وكيف كان يعيش السلطان في حرمه، يذكر التاريخ أن سيرة الامام علي الرضا لا تخلو من تضحيات أجداده والمؤامرات الظالمة في حقه فلابد أن يكون هناك من يقتل النور ويعود إلى الجهالة والانحراف الفكري العقائدي.
يذكر أن يوما قد اقترب موكب الإمام الرضا من مدينة (مرو) و الناس كلهم في رغبة وشوق، وعيونهم ترصد الطريق، وكان المأمون العباسي مع جلاوزته من جملة من يستقبل الإمام ..
وما إن وصل الإمام إلى مرو، حتى كان المأمون من متقدمي المستقبلين فرحب بالإمام وأخذ يتظاهر بالمحبة والتودد له حتى وصل الإمام إلى محل إقامته.
ويقول: یابن رسول الله إني أعترف بفضلك وعلمك وعبادتك وأنت أجدر وأليق للخلافة مني فهلا - سمحت لي بأن أخلع نفسي منها، وأعهدها إليك، وأكون أول من يبايعك..
ولكن الإمام كان يعلم بالأهداف الحقيقية للمأمون العباسي وخبث نيته فما كان منه إلا أن أجابه جواباً قاطعا لم يستطع المأمون الرد عليه في جوابه: إذا كانت الخلافة من حقك والله قد أقرك عليها، فليس لك أن تتنازل عنها لغيرك وتخلع القميص الذي ألبسك الله إياه، وإن لم تكن الخلافة لك، فلا يحق لك أن تعهد إلى ما ليس لك.
المأمون وسياسة النفاق
أخذ المأمون العباسي يتظاهر بالارتياح ويبدي سروره بولاية عهد الإمام الرضا، فأمر الكل بمبايعة الإمام وأودع السجن كل من امتنع عن ذلك، ومن جهة أخرى أمر بضرب السكة باسم الإمام الرضا في جميع أرجاء الدولة الإسلامية تعظيما لذلك اليوم، كما أمر بأن تقرأ الخطبة باسم الإمام، وأقام مجالس الفرح، ودعا إليها الشعراء والأدباء لينشدوا الأشعار في مدح الإمام تهنئه على ولاية العهد، وأخذ يصرف على ذلك المبالغ الطائلة من بيت المال، ويمنح الجوائز والصالات الكبيرة الثمينة المداحين والمهنئين .
ومن جهة أخرى تراه - أي المأمون - يوجه الدعوة إلى كبار علماء المذاهب المختلفة وأكبر الشخصيات العلمية ليباحثوا الإمام الرضا ويطرحوا عليه أصعب الأسئلة في مختلف العلوم، ظنا منه أنه سيحرج الإمام ليعجز - والعياذ بالله - ولو مرة واحدة عن الجواب، ويخسر في المباحثة والمناظرة، ليربح المأمون الورقة ويستطيع بها أن يجترئ على شخصية الإمام من الناحية العلمية، وكما هو المشهور: إذا أراد الله صار العدو سبب الخير، فالإمام الرضا أظهر تفوقه على الجميع وفي جميع المسائل العلمية الدقيقة والعميقة وفي مختلف الأديان والعقائد وأخذت شخصية الإمام تبرز أكثر في المنطقة .
شروط قبول ولاية العهد
وهنا قال الإمام الرضا: إن الله نهاني أن أدفع نفسي للهلاك، فعلي أن أقبل بولاية العهد مكرها، لكن بشرطين: أحدهما: أن لا أعين أحدا ولا أعزل أحدا أبدا ولا أنقض رسما أو سنة.
ثانيهما: أن أكون في الأمر من بعيد مشيرا أي بسبب النصيحة العامة من دون أن تنسب الأمور إلى الإمام.
بهذين الشرطين سلب الإمام الرضا شرعية المأمون، وقضى على خطته الخبيثة التي أراد أن يلصق بها الإمام كل تلك المساوئ والسلبيات في حكومته.
فكان الإمام بعيد المدى ودقيق النظر، صائبا في تعامله من النظرة السياسية وغيرها، حيث قطع على المأمون طريقه، وفشله من أن يحقق أهدافه، لأن الإمام الرضا إذا كان قد وافق على التنصيب والعزل وتدخل في الآداب والرسوم العباسية، كان قد أشرك نفسه في أمور الدولة الظالمة، ومن هنا ابتعد عنها بالكامل.
قام المأمون بسجن الإمام وتاريخنا اليوم يدين أعمال المأمون العباسي وأمثاله ويحكم عليه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سلبيات المأمون وأنه على باطل، مضافا إلى ضعفه وأحواله المضطربة ونفسه القلقة.
ولذا جعل المأمون العيون والجواسيس على الإمام الرضا وأخذ بالتحقيقات وأبى أن يترك الإمام في هداية العلم، يعلم الناس الطيب من القول والمأثور من جوامع الكلم النبوي، والإمام أعلم الناس بالكتاب والسنة وتعاليم العترة الطاهرة كما أن المأمون لم يترك الإمام وشأنه حتى يشتغل في امور العبادة، مسبح لله في محرابه و بذكر الآخرة ويدعو على أولئك الظالمين .
من أخلاق السلطان.. عيادة المريض
الاهتمام بأمر المسلمين والعناية بشأنهم، والدفاع عنهم، والعمل الدائب على ترقية حاضرهم، وإعدادهم لمستقبل أعز وأكرم كل ذلك مما يقتضيه الإيمان وتوجبه الأخوة في الدين، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ومن الأخلاق الإسلامية السامية عيادة المريض، وقد حدثنا التاريخ عن ثامن أئمة أهل البيت الذي كان يسير بسيرة جده المصطفى ويتأسى به، فإنه لو كان إذا لم ير أحدا من المؤمنين لبضعة أيام، استفسر عن حاله وسأل وإذا بلغه أنه مريض أسرع إلى لقائه وعيادته. وهكذا كان الإمام الرضا حيث مرض أحد شيعته فسأل عنه، فلما أخبر بمرضه جاء لعيادته ودخل بيته وكان الرجل في سكرات الموت، فأخذ الإمام يقدم له النصيحة والموعظة فقال: إن الناس صنفان، أحدهما من يرتاح هو عند الموت والآخر من يرتاح الناس من شره عند موته، فإذا أردت أن تكون من الصنف الأول، فجدّد إيمانك بالله وولايتك فأخذ الرجل بنصيحة الإمام الرضا.. ولم تمر لحظات حتى فارق الحياة الدنيا مؤمنا مغفورا له.
ألقاب الامام
لقّب الإمام الرضا (عليه السلام) بـ "قرة عين المؤمنين"؛ لأنه كان زينًا للمؤمنين وفخرا وكهفًا وحصنًا لهم …
«إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين».
اضافةتعليق
التعليقات