الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان، الذكرى تفتح جروح طوتها الأيام، الذكرى تعيدني إلى ذلك الصباح الذي كنت أخشى فيه من رؤية وجوه إعتدت على أن اراها مشرقة، فكيف لي أن أرى الحزن غلب على جوانحها! .
لكن ذكر مصائب محمد وآل محمد.. كان يفوح من محياهم.. كأنهم يقولون بنظراتهم لكل من جاء معزيا:
كل المصائب قد تهون سوى التي تـركت فـؤاد مـحمدٍ محزونا ..
أما الأجواء هناك، فقد كانت ما لم ترى عينا ولا تسمع أذنا، أفواج من النساء، الرجال جاؤوا مواسين، كل واحد منهم يذكر موقف له مع الملاك الراحل #السيد_محمد_جواد_الشيرازي، فقد كان صورة حية ترسم لنا منهاج آل بيت الهدى (عليهم السلام)..
موقفان حدثا أمام ناظري الأول صعب والثاني أصعب .
الموقف الأول: عندما سمعت السيد الصابر المتأسي بجده الحسين السيد مرتضى الشيرازيمحدثا لحفيده (حسين)، وكان يبلغ من العمر آنذاك ما يقارب العشر سنوات، قائلا: (الله سبحانه وتعالى يقول نوفي الصابرون أجرهم، لم يقل المصلون أو الصائمون بل خص الصابرون، أنت الآن كبير العائلة، أنت قوي، فقال له: لا أنا لست قوي، قال له إذن لقن نفسك مئة مرة بأنك قوي، مئتان مرة، أكثر، واعلم بإنك يجب أن تتأسى بجدك الحسين وعمتك السيدة رقية، قال له: السيدة رقية ابنة أمام معصوم وماتت عندما رحل والدها ماذا عني أنا؟؟).
اندهشت بوقتها فكيف أن العلماء يعطون دروسا نيرة حتى في أصعب الظروف وأقسى الحالات، وتذكرت قول الإمام علي الهادي عليه السلام (ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها) أي العلماء..
أما الأصعب والأكثر حزنا.. لحظة دخول ذلك النعش ذو القماش الأخضر المنقوش بأسماء محمد وآل محمد.. الرائحة تفوح منه كالمسك والعنبر، كيف لا وحبيب الحسين فيه!.. ذكر مصيبة الزهراء، مع شموع حمراء جعلت الحزن يغلب على سائر أنحاء المكان، أيدي متشبثة بأطراف النعش، وآخرون يشمون ريحه، أما الوالدة الثكلى، فقد أخذت تردد مصيبة علي الأكبر! وكيف إن أباه جاء به إلى المخيم.. ازددت حيرة ودهشة فكيف للقلب أن يكون بهذا الإخلاص والعشق والفناء لحسينه!.
حتى أنها ظلت تردد طويلا(فداء لأبي عبد الله)، جعلتني أشعر بأنها ممن واست ام البنين بقولها (فدوة لحسين اقدم كل بنيني)..
أما أنا كنت شاردة الذهن، حتى دموعي أخذتها الحيرة وتوقفت عن النزول لكن قلبي قال مخاطبا معاتبا :
نائم يا ليتك الهنى
أمك إعتادت على العنى..
وبعد اكتمال الوداع الأخير توجهت صوب كربلاء، مخاطبة لها:
سيدنا سيكون تحت تربتكِ
ممزوجا مع طموحه لبناء الدين في جوفكِ
هونك عليه!
فإن أمه تخاف عليه، ملوحة التراب، وخشونة الكفن ..
اضافةتعليق
التعليقات