عيشة ضنكا تجر البؤس تلو الآخر، الجميع يتباكى، ودجى الليل أظهر مخالبه، وفجأة تستشعر فحش الفراغ يجر على أذياله خواء المعنى وتنطلق الكلمات عبثاً من حنجرتك على هيئة عتب ليس له أساس وإنما هو محض كلمات من نسج خيالك.
حين تسيطر عليك فكرة أنك خلقت بلا هدف ولامعنى، كان مجرد سؤال طرحته على حسابي الشخصي أتساءل عن شخصيات من هم بقربي.
ماذا تعرف أنت عن رسالتك كإنسان في الأرض؟
انطلقت التعليقات بين مستهزئ ومتسائل ومعترض على كلمة "رسالة" قائلاً "لسنا رسلا لنقارن أنفسنا ونقول أننا حاملون رسائل" ثم اتبعه من يرون أن الدنيا شغلتهم عن التفكير بوجودهم وآخرون جرهم الاستهزاء وكان السؤال بالنسبة لهم هو فلسفه مملة لا تستحق الوقوف عندها، بينما كانت وجهة نظر آخرون منهم أن رسائلهم هي حياتهم الحالية، (نوم يتلوه طعام ثم عمل) ولو كان هناك شي إضافي على يومهم لأدرج ضمن القائمة، لكن لو أمعنوا النظر أكثر ألى الجواب هل حقا أنهم خلقوا لهذا الشيء فقط؟
حين تأخذك الأيام على عاتق التيه، ستعلم أنك ماخلقت بلا رسالة، ببساطة ماخلق الله شيء عبثاً، فهل تظن أن سائر من هم أهل لأتباعهم من أنبيائه وأوليائه خلقوا هكذا، وهو ما يثبت أنك ماخُلقت عبثاً، إلا إن كنت أنت تختار أن تكون كذلك أو هناك احتمالية الايمان بفرضية العدم.
لماذا يجب أن تعرف رسالتك؟
أغلب الناس لا يعلمون سبب وجودهم في هذه الدنيا، رغم أنهم إن لم يكن بشكل يومي فأغلب الأوقات يطرحون هذا السؤال على أنفسهم:(لماذا خلقنا؟)، فيتقلبون بين مشاعر الغضب والإكتئاب والإحباط والشعور بالذنب، فالهدف من معرفة رسالتك هو منحك القدرة على الإحساس بقيمتك، معرفة الوجهة المستقبلية واتخاذ القرار، واكتشافها يعني معرفة دافعك المطلق الذي يتضح في النهاية أنه إثبات ذاتك الحقيقية والتعبير عنها والسماح لنفسك بالنمو ، وأن تعي دورك في الحياة.
باختصار كلمة السر التي ستجيبك، هي أول أمر، أمر الله لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله (اقرأ)، بمعناها الشامل، هي كل طريق للعلم والبصيرة واستغلال قدراتك العقلية، اقرأ وتعلم، اقرأ رسائل الله في الكون، اقرأ نفسك وقدراتها، اقرأ النعم في وسط البلاء، طوال الوقت اقرأ لكن بشرط: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )، أي بإسم ربك وليس باسم أهوائك، هنا يمكن تصل لمرحلة قوله تعالى: (وَالذينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَهُمْ سُبُلَنَا)، وحينها تعرف ما هو دورك في الحياة جيدا، ثم يقودنا هذا التوضيح إلى سؤال آخر هو:
أين يمكن ايجاد رسائلنا؟
بما أن العقل لا يأتي بجديد، فهو يعيد ترتيب الموجود ليخرج بنتيجة مختلفة، فالروح هي صاحبة كل إبداع وتيسر لك الطريق.
وإن الله الذي يسر لك أدوات رسالتك، قد يسر لك أيضا معرفتها، فاكتشفها فربما تكون رسالتك من صلب شخصك ولكنك ماكنت منتبها لها، كان يكون، شيء يستهويك وتستمتع بعمله أو مهارة تبدع فيها، وربما شيء يخبرك الآخرون عن تميزك في أدائه، وأحيانا توجهك أصواتك الداخلية نحوه، وربما فعل تشعر فيه بالتيسير كلما طرقت بابه.
وإذا لم تصل بعد كل ذلك فاعمل ما هو متاح وانتظر الإشاره الإلهية، وفي كل دور تختاره لنفسك في الحياة حاول أن تبحث فيه عن اسم الله الحسن الذي عليك تبليغه من خلال قيامك بهذا الدور، فتطبيق أسماء الله الحسنى على أرض الواقع هو بحد ذاته الرسالة السامية التي بعثوا خير الناس لإيصالها.
فإذا تأملت قول المولى (إن مع العسر يسرا)، ستفهم أن في كل لحظة أمامك خياران إما البقاء في الطريق العاثر وإما التوجه إلى الطريق اليسير، فإن الله عز وجل سخر لك ما في السماوات وما في الأرض، قال تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ»، أما كيفية تعاملك مع هذا التسخير، واستغلاله، فهو من خلال ما ميزك الله عز وجل به من لغة وإدراك وقدرة على التواصل والبصيرة لاستغلال عقلك وقدراته: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ).
ولو بحثت ستجد بالفعل معظم الناجحين مروا بنقطة التحول تلك وانتقلوا إلى الدرب اليسير حيث النجاح، أما إذا ضعف يقينك ولم تقدر بعد على اتخاذ القرار، مارس رسالتك بالحياة ولو بشكل جزئي في صورة عمل جانبي أو على سبيل الهواية، هذا سيؤكد لك ذاتك ويمنحك شعورا جيدا مما ينعكس إيجابا على مختلف جوانب حياتك، وربما حينها تتمكن من اتخاذ القرار.
فيجب أن تكون هناك دوما وقفة مع النفس، فإذا صعب عليك الطريق وكان مغلقا ولم تتيسر لك السبل فيه فاعلم أنه ليس طريقك الذي خلقت له.
اضافةتعليق
التعليقات