لا شك أن كل ثورة لها مجموعة من الأهداف القريبة والبعيدة، التي تسعى من خلال عملها الثوري للوصول إليها وتحقيقها، وثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ليست خارجة في واقعها وفي تخطيط قيادتها عن قواعد العمل الثوري، وبالتالي، سوف يطرح هذا السؤال، ما هو الهدف أو الأهداف التي سعت من أجلها حركة الإمام الحسين (عليه السلام)، والتي يمكن من خلالها الحكم أن هذه الثورة نجحت أم لا، وإذا نجحت كم هو مقدار النجاح استطاعت أن تحرزه؟ إذاً، توجد مجموعة من الأسئلة، لكن السؤال الأساسي، إنما هو عن هدف أو أهداف هذه الثورة؟ يمكن القول إنه يوجد من يرى أن للثورة هدفًا واحدا سعت إليه، وإن كان الاختلاف قد وقع في تحديد هذا الهدف الواحد، هل هو الوصول إلى السلطة، أم هو إيقاظ إرادة الأمة وتحريكها، أم نزع المشروعية السياسية والدينية عنها، أم هو فضح السلطة الحاكمة من خلال ما ارتكبته في يوم عاشوراء وما بعده...؟.
وقد نصل إلى هذه النتيجة، أنّه ليس من الصحيح الاقتصار على هدف واحد، وإنما توجد مجموعة من الأهداف التي قصدتها استراتيجية الثورة، والتي عملت على تحقيقها، وهي مجتمعة - مشروعا متكاملا أرادت قيادة الثورة إنجاحه والوصول تشكل - إليه.
إيقاظ إرادة الأمة: يرى من يعتقد أن الثورة الحسينية كانت تقصد هذا الهدف، أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يعلم أنه سوف يستشهد، وأن هذا العلم كان قبل خروجه، سوى أنه كان يريد أن تكون شهادته حدثا مدويا يهز ضمير الأمة، ويوقظ فيها إرادتها، التي ضعفت، حتى وصلت إلى مرحلة اعتادت على الظلم، وألفت المنكر فهي كانت تدرك انحراف بني أمية، وتعلم بمنكراتهم، سوى أنها فقدت إرادة التغيير، أو ضعفت هذه الإرادة، إلى مستوى لم يعد يرتجى منها أن تبادر للقيام بعمل تغييري، يقضي على انحراف السلطة الأموية ويعالج الفساد القائم.
وقد تبنى هذا الرأي السيد الشهيد محمد باقر الصدر(رض)، حيث نقل آية الله السيد كاظم الحائري رأيه في كتابه الإمامة وقيادة المجتمع، فيقول: "أما أستاذنا السيد الشهيد (رض) فإنه كان يرى أنّ الأمة كانت مصابة بمرض الشك في زمن معاوية بن أبي سفيان، وقد عالجه الإمام الحسن بالصلح مع معاوية، أما في زمن يزيد، فإن الأمة برأت من ذلك المرض، وكانت تعرف الحق وأهله، وتعرف الباطل وأهله، ولكنها أصيبت بمرض آخر هو مرض فقدان الإرادة أو فقدان الضمير، وهذا المرض لم يكن له علاج لكي تبرأ الأمة، سوى أن يقدم الإمام الحسين (عليه السلام) على التضحية بنفسه وأهل بيته وأصحابه، لكي يهز بها الضمائر الميتة ويبعث الشجاعة والإرادة فيها، وهذا ما حدث فعلًا، وحصلت تبعا لذلك النتائج المتوقعة.
الوصول إلى الحكم: يذهب البعض إلى أن هدف الإمام الحسين (عليه السلام) إنما كان الوصول إلى الحكم وإقامة الحكومة الإسلامية، فهو لم يكن يريد الاستشهاد، بل لم يكن يعلم أنه سوف يستشهد. وهو إنما ذهب إلى الكوفة لأن المعطيات الاجتماعية والسياسية كانت توحي أن ظروف الثورة قد وصلت فيها إلى مرحلة النضج، وأنه لم يعد إلا إعلان هذه الثورة وقيادتها إلى شاطئ النصر، والذي حصل أنّ بعض المعطيات قد طرأت، وأن ظروفا قد استجدت، مما جعل الموازين العسكرية تنقلب لصالح السلطة الأموية، وهذا ما أدى إلى عدم وصول الثورة إلى هدفها الذي سعت من أجله. بل إن بعض أنصار هذا الرأي، يذهبون إلى أن شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت خسارة كبيرة للإسلام، وأن الإمام الحسين(عليه السلام) لو بقي حيا، لاستفاد منه الإسلام أكثر بكثير من استفادته منه بعد شهادته.
وينقل السيد الحائري ما ذكره الكاتب صالحي نجف آبادي، في كتابه شهید جاويد، إذ يقول: "ما معنى اعتبار قتل الحسين (عليه السلام) انتصارا للإسلام.. هل إن قتله سوف يسبب هداية الناس، أم أنّ وجوده حيا بين الناس هو الذي يؤدي إلى هدايتهم؟ وهل إنّ مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) قد أدى إلى فضح يزيد بن معاوية، وهو المفضوح بشرب الخمر والفجور والفسوق.. وهل أن مقتل الحسين (عليه السلام) قد أدى إلى قوة الشيعة وحركاتهم الثائرة، كحركة التوابين، وحركة المختار الثقفي، وحركة سليمان بن صرد الخزاعي، وهي جميعها قد أُجهضت وقتل قادتها، ولم تتحقق جميعا أهدافها؟
نزع المشروعية السياسية والدينية عن السلطة الأموية: هنا يمكن القول إن الهدف من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن الوصول إلى الحكم، لأنّه كان يعلم بنتيجة تحركه، وأنه سوف يستشهد في نهاية المطاف. وبالتالي، فإن الوصول إلى الحكم لم يكن هدفا واقعيا للتحرك الثوري. ولا شك أنه يجب- في جميع الأحوال - الحكم على هذه الثورة على ضوء الهدف الذي وضعته نصب عينيها، فإن وصلت إليه، تكون هذه الثورة قد حققت نجاحًا، وإن لم تصل إليه تكون قد فشلت، لأنها لم تحقق الأهداف أو الهدف الذي أرادت. وما يجب قوله، إن هدف الثورة هو أمر آخر غير ما ذكر آنفا، ألا وهو نزع المشروعية السياسية والدينية عن بني أمية والمشروع الذي حملوه.
فالإمام الحسين (عليه السلام) كان معلوما أنه ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد مدحه النبي (صلى الله عليه وآله) في موارد عديدة، وقال بشأنه إنه سيد شباب أهل الجنة، وإنه إمام قام أو قعد.. فالأمة كانت تعلم المكانة الدينية والاجتماعية الكبيرة التي كانت للإمام الحسين (عليه السلام)، وكانت تعلم عظمة منزلته عند الله تعالى وعند رسوله (صلى الله عليه وآله).
وعليه، فإن إقدام السلطة الأموية على قتله وقتل أهل بيته وأصحابه، وخصوصا بالطريقة التي فعلت، سوف يفقد تلك السلطة آخر ورقة توت كانت تستر بها فسادها، وانحرافها عن الدين ورسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
إن إقدام السلطة على ارتكاب تلك الجريمة النكراء بحق عترة الرسول (صلى الله عليه وآله)، سوف يؤدي إلى نزع المشروعية السياسية والدينية من السلطة الأموية، بمعنى أن تلك المشروعية السياسية، التي كانت السلطة تنظر لها، وتسعى إليها من خلال أخذ البيعة من وجوه المجتمع الإسلامي آنذاك؛ إنّ هذه المشروعية سوف تتحطم من خلال حدث الشهادة، ولا يمكن لها أن تنجبر أبدا بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وشهادته.
اضافةتعليق
التعليقات