إن الحياء قيمة إنسانية عليا، فهو كما عُرف في كلمات النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إنه: "الحياء هو الدين كله"(١)، فجاء هنا مثل سُور يؤطر ويحدد علم وعمل المتدين، وهي بمثابة مرآة كاشفة لجوهر هذه النفس الملتزمة بذلك الدين.
الحياء ومعتقد الإنسان
عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: "إن لكل دين خلقًا، وإن خُلق الإسلام الحياء"(١)، فهنا جاء تصريح مباشر إن الدين هو الاسلام، أي إن الحياء سمت المسلم دون غيره؛ وقال إمامنا المجتبى (عليه السلام) بهذا الخصوص "لا حياء لمن لا دين له"(١)، هنا كما يبدوا أي لا حياء لمن لا يدين بدين الإسلام، فهو الدين الوحيد الذي يبرز على معتنقه صبغة الحياء الفطرية.
إذ إن للدين-كما هو معلوم- منظومة فكرية من تبناها وآمن بها انعكس ذلك على سلوكه، كما ورد" إنما الدين المعاملة"، بالنتيجة أي خلل سلوكي في تدين المتدينين هو راجع - وفقًا لهذه الأحاديث - لخلل في حياءه.
الحياء مع الله تعالى
والحياء هنا يبدأ من الحياء من الله تعالى، فعن الإمام علي (عليه السلام): "كثرة حياء الرجل دليل إيمانه"(١)، إذ إن كثرة الحياء دليل على تحقق ارتباط وثيق واستشعار عميق لوجود الله تعالى في حياة هذا الإنسان ، والرجل هنا ليس الذكر فقط بل كل نفس انسانية شاعرة واعية ذكر كان أو انثى لها دورها الفعال في هذه الحياة.
الحياء مع النفس
ثم الحياء من النفس، فعن الإمام علي (عليه السلام): "الحياء يصد عن الفعل القبيح"(١)، وعنه (عليه السلام): "لا ترخص لنفسك في شئ من سئ الأقوال والأفعال"(٢)، فمما يخطر في الذهن معاني منها: [لا ترخص] بمعنى لا تجعل نفسك رخيصة أي تقلل من قيمتها وقدرها بوضعها في شيء بقول أو عمل سيء، فتعود بعدها وأنت متأسف خجلاً، بل إستثمر هذا الحياء كعصمة وواقي من أن تضع نفسك في هكذا موضع...!
و[لا ترخص] بمعنى لا تعطيها الرخصة أي لا تسمح لها بذلك فتضعها في هكذا موضع؛ فتفقدها بذلك صفائها ونقاوة فطرتها التي خلقت بأحسن تقويم، فمن يسمح لنفسه مرة سيفتح لها باب الاستعداد والرخصة في كل مرة، فهو مع إنه سيفقدها طهارتها سيحتاج إلى جهد مضاعف لإرجاعها لنقاوتها؛ فعدم الترخيص بدأ هو كالحصن الواقي الذي يحفظها ويبقيها سليمة من الآفات بل وسهلة الاستقبال والتحلي بالفضائل وكل قول وفعل حسن.
الحياء مع الآخرين
ومن آثار الحياء هي في طبيعة التعامل مع الآخرين، فأن يكون الإنسان ممن يحترم مشاعر الاآخرين، يحترم أوقاتهم، آلامهم، لا يتعدى على حدودهم أو يظلمهم، كل ذلك نابع من الحياء الذي هو بالأصل نابع من الحياء من الله تعالى ومن الذات المكرمة، فما نراه من قسوة في التعاملات، وعدم الاتزان في الأخذ والعطاء إنما هو لخلل في الفطرة الانسانية التي فطر الإنسان على أن يكون حييا، وبالنتيجة افقده الدقة والاحتراز في تعاملاته.
وختامًا: الحياء يرسم للإنسان المسلم شكل الحياة الإلهية التي أريد منه أن يحياها، فيكون حييًا من الله تعالى فلا يعصيه، ومع نفسه فلا يضعها فيما لا يليق به، ومع الآخرين فلا يتجاوز حدود أخيه.
________
اضافةتعليق
التعليقات