إن للتربية مكانة مهمة في الحياة تقع على عاتق الأبوين في اختيار أساليب التربية المناسبة لأطفالهم لذا يجعل دورهما الأكثر تحدياً في هذه الحياة، فهناك الكثير من الأساليب السلبية التي يتبعها الأهل أثناء تربية الطفل.
والتي يجب أن ينتبها إلى معالجتها بالطريقة الصحيحة منها موضوع ملفنا؛ الضرب والصراخ في وجه الطفل ونعته بالألفاظ القاسية بصوت مرتفع. إن الصراخ في وجه الطفل هو شكل من أشكال المعاملة السيئة، وعندما يكون في الزمان والمكان غير المناسبين يكون أشد قساوة وتأثيراً على الطفل. فبالرغم من أن الصراخ هو رد فعل عند الغضب والتوتر؛ يزعج الطرف الآخر الذي نصرخ في وجهه، إلا أن الغضب والصراخ في وجه الطفل أمام أحد أقرانه أو أقاربه له التأثير الأسوأ، حيث لا تنتبه العديد من الأمهات إلى أن صراخهن في وجه أطفالهن يؤثر سلبيا في نفسيتهم، وهذا أحد أشكال المعاملة السيئة، ويكون أشد تأثيرا على الطفل عندما يكون أمام أحد أقرانه أو أقربائه.
والعصبية مع الأطفال من أكثر الأمور التي تمارسها الأم، ربما نتيجة للضغوط التي تتعرض لها ما بين مسؤولياتها الأسرية وطموحاتها الشخصية وضغط إيقاع الحياة، لتجد الأم نفسها في حالة غضب وصراخ دائم حتى أثناء النقاشات العادية مع الزوج والأبناء. حيث إنك لست وحدك من تشعر بالحيرة في مواجهة وتوجيه هذه الكائنات الصغيرة والسهام الحية التي تحمل ذكاء أكبر مما نتصور، والتي رغم صغرها حجمًا فإنها تحمل من القدرات ما يجب احترامه ووضعه في الاعتبار قبل التفكير في رسم أي منهج للتعامل معها بشكل صحيح. إن التعب ومشاكل العمل وتأزم الأحوال اجتماعيًّا واقتصاديًّا ووجود العديد من العوامل المقلقة التي تعترض حياة الآباء والأمهات قد تجعلهم بشكل عفوي يتخذون من أبنائهم منفذًا لتنفيس كل هذا الغضب، وقد يحاول الأهل السيطرة على عصبيتهم في الظاهر وإن ظلت متحكمة بشكل خفي في سلوكهم، وهو ما يعبر عنه بالملاحظات الجارحة عند كل هفوة أو نبرات الصوت اللائمة ولو بصوت معتدل ودون صراخ.. وتظل المسألة خارج نطاق التربية وإنما هي وسائل للتعبير عن الغضب، وتقول المحللة الفرنسية فرانسواز دولتو: "إن راشدًا يتكلم بفظاظة وعدوانية ويتصرف بعنف ويستسلم لانفجارات مزاجية تجاه ولده، عليه ألا يندهش إذا ما رأى هذا الولد يتصرف بالطريقة نفسها مع من هم أضعف منه..".
إذن فلا تنسَ أننا نتحدث عن الضرب والصراخ وغيرها تحت عنوان كيف نوجّه أبناءنا، لا كيف نعبر عن غضبنا حيال تصرفاتهم والذي يفاقمه مشكلات حياتنا، "فالأبوة هي أن يتعلم الآباء السعادة لسعادة من سواهم -وهم الأبناء- حتى آخر المطاف وفي هذا موت للأنانية" وهو ما أكده د. برنارد مولدروف.
هكذا يتصرف الطفل عند صراخ الأم
تقول إيلينا إنه لا يخفي على الأمهات أن الصراخ هو السلوك الأكثر شيوعا، وهو أمر لا يمكن لأحد إنكاره، إلا أنه يعتبر من أسوأ طرق التعامل مع الأطفال لما له من آثار متراكمة على نفسية الطفل، مؤكدة أن الصراخ عقاب فاشل للأبناء يشعرهم بالخوف الدائم والتوتر من الاحتكاك بالأم والبعد عنها خوفا من رد فعلها العنيف.
وتبين أنه من المقبول التحدث بلهجة صارمة حازمة مع الأطفال، لكن الغضب ثم الصراخ ليس مفيدًا، خاصة إذا كان الغضب يحدث على كل شاردة وواردة. كما أن صراخ الأم المتكرر يسبب لبعض الأبناء أزمة نفسية تجعلهم يكرهون الصوت العالي ويميلون لسد آذانهم والاختباء عند سماعه، وهذا الأمر يعّد من الاضطرابات السلوكية الناجمة عن صراخ الأم.
كما أنه يغرس العصبية في سلوكيات الأبناء دون الانتباه لذلك، فالطفل مثل الإسفنجة تتشرب جميع تصرفات من حوله كالعصبية المتكررة من أحد الوالدين وما يصاحبها من انفعال وصراخ، مما يجعل الطفل يقلدها مستخدما هذا الأسلوب في تعامله مع الآخرين، فالصراخ لا يعالج المواقف أو يقدم الحلول لها، بل يزيد من عناد الأبناء ويأتي بنتائج سلبية.
مداواة جراح الأطفال بسبب الصراخ
وتتابع إيلينا بأن ما يضحك في الأمر هنا، أن الكثير من الأمهات بعد الصراخ على أبنائهن يشعرن بالندم، وقد يلجأن للبكاء عند محاسبة أنفسهن بعد أن يهدأن وينظرن لأطفالهن بعين الرحمة، فتتساءل الأم: "كيف أقدمت على الصراخ عليهم بهذا الشكل؟".
وتعتبر معاتبة الأم لنفسها أول طرق السلوك الصحيح في التربية طالما أنها شعرت بالخطأ، فستحاول علاجه وتقويمه، وقبل كل ذلك تقوم بإصلاح ما أفسدته ومداواة جراح أبنائها بسبب صراخها عليهم.
نصائح ضرورية للأمهات
خمسة أشياء يمكن عملها لتأديب الطفل دون اللجوء إلى الضرب والصراخ وهي:
1. أهم شيء هو أن نكون هادئين تمامًا عندما نقوم بتأديب الطفل
فالانفعال يؤدي إلى أمور سلبية. ولكن علينا أن نشعر بالهدوء ونبدأ بالحديث معهم، ولكن إن لم نشعر بأننا على قدر كافٍ من الهدوء فمن الأفضل أن ننتظر ونطلب من أبنائنا التحدّث لاحقًا دون أن نذكر أن السبب هو الانتظار إلى أن نهدأ، فهذا له آثار سلبية على مشاعر الأبناء، فقد يشعرون أننا غير قادرين على السيطرة على الأمور بشكل تام.
2. عندما نبدأ بالحديث معهم، فعلينا أن نتكلّم بنبرة حازمة ولكن غير مرتفعة
لأن ذلك لن يفيد في حل المشكلة ولكنه يمكن أن يؤذي ويزعزع شخصية الأبناء. علينا الانحناء إلى مستوى العيون والنظر إليهم مباشرة على أن يكون الصوت مستقرًا وحازمًا. فثباتنا بإظهار الاستقرار سيجعل الأمر أكثر جدية لهم وسيجبرهم على الالتزام.
3. التحدّث إليهم عن عواقب الأمور
مثلاً في حال كسر شيء ما كان عليهم عدم لمسه، فضربهم لن يعلّمهم، ولكن علينا التحدّث إليهم بأن يمتنعوا عن اللعب حول الأشياء التي قد تتضرّر وأن نطلب منهم القيام ببعض المهام للتعويض عن خطأهم، مثلاً بمحاولة إصلاح ما تم إفساده أو بالقيام ببعض الأعمال في المنزل عوضًا عن ذلك.
4. من المهم جدًا عدم الانفعال أثناء المجادلة
خاصة إن استخدموا أسلوبًا غير لائق كرفع الصوت أو الصراخ أو المجادلة بطريقة غير مؤدبة، وإن حدث ذلك ما عليكم سوى الانسحاب وإخبارهم أنكم في الغرفة الأخرى، وأنكم مستعدون للتحدّث عندما يتخلّصون من توترهم.
5. تلعب المسامحة دورًا كبيرًا في إنهاء الأمر
فإن طلبوا المسامحة علينا مسامحتهم على تصرّفهم الخاطىء. هذا سوف يخفف جدًا من أجواء التوتر التي قد تزيد من سلبية الوضع. قد يرفض بعض الأبناء الاعتذار وطلب المسامحة. علينا أن لا نظهر المسامحة إلا عندما نشعر بأنهم اعترفوا بأن ما فعلوه خطأ وأنهم يطلبون المسامحة.
بهذه الخطوات البسيطة ستلاحظون أن الأبناء سيطيعونكم ويسمعون لكلامكم أكثر، وسيتغيّرون في تصرفاتهم مع الاحتفاظ على استقرارهم العاطفي والنفسي.
نصائح للتخلص من الصراخ
وتؤكد إيلينا ضرورة اتباع هذه النصائح أيضا للتحكم في الغضب والتخلص من العصبية، ومن أهمها:
- التفكير بما يستثير الغضب ومحاولة تجنبه.
- التفكير بعدد المرات التي يتم فيها مدح الطفل مقابل عدد المرات التي يتم الصراخ فيها عليه.
- الحسم والجدية في نبرة الصوت بدلا من الصوت العالي.
- تقبُّل الطفل كما هو ومعاملته وفقا لعمره.
- استعمال كلمات الثناء والمحبة بدلا من كلمات التوبيخ.
- شرح خطأ الطفل قبل الصراخ وتأنيبه.
- استخدام الحوافز والمكافآت لتحسين سلوكه بدلا من الصراخ عليه
اضافةتعليق
التعليقات