الطفل الحساس نعمة كبيرة فهو يحمل من المشاعر ما يكفي لتوجيه العالم من حوله، المشكلة الوحيدة التي تواجهه هو كيفية إدارة تلك المشاعر والسيطرة عليها وقت الحاجة، وهذا هو التحدي الذي تواجهه بعض الأمهات مع أطفالهن كثيري البكاء لأسباب من الممكن أن تكون تافهة وصغيرة بالنسبة إلينا، لكنها بالنسبة للطفل الحساس كبيرة تحركه من الداخل ولا يجد من الكلمات ما يكفي للتعبير عن مشاعره فيلجأ للبكاء.
عرف علماء النفس الطفل الحساس على أنه طفل يولد بجهاز عصبي واع للغاية وسريع الاستجابة وقادر على الرد على كل متغيّر من حوله، مشيرين إلى أن درجة الحساسية تتفاوت من طفل لآخر تبعا لجهازه العصبي ولعوامل وراثية وبيئية.
ويؤكد علماء النفس أن الطفل الحساس سريع الفهم والإدراك لأي متغير طفيف يجري في بيئته المحيطة، حيث يفضل أن يفكر مليا قبل أن يبدي أي تصرف، كما أنه شديد التأثر بأي تحفيزات أو تغييرات مفاجئة أو أي اضطراب عاطفي عند الآخرين.
ويمتلك الطفل شديد الحساسية مزاجا مختلفا عن باقي الأطفال، ويتحلى بمزيج من عدة صفات. وهذه الصفات يمكن أن تزداد نماء بشخصيته، إلا في حال قرر الطفل الانضمام إلى مجموعة من الأطفال لا يعرفهم.
ويعدّ الأطفال الحساسون شديدي الحساسية لبيئتهم النفسية والعاطفية، كما يستجيبون بشكل سريع لأي تغيير في بيئاتهم، سواء كان إضاءة، أو أصوات، أو روائح أو حتى المزاج العام للناس المحيطين بهم.
ويعتبر علماء النفس الحساسية الزائدة عند الأطفال سمة رائعة وليست مرضا أو متلازمة ويؤكدون أنها حالة أو نمط فطري سلوكي وُجد عند الكثير من الأطفال، وبما أنه شيء غير مستمر وغير خطير فإنه أمر طبيعي، يتمثل في استراتيجية أخذ كل شيء في الاعتبار قبل التنفيذ. ويرون أنها استراتيجية فطرية من مبدأ التفكير قبل العمل، كما أن الطفل الحساس يستطيع أن يشعر بالخطر في الأمر والتنبؤ بالنتائج التي تترتب على القيام بشيء قبل الآخرين.
وتبلغ نسبة انتشار الأطفال الحساسين 20 في المئة أي أن من بين كل 10 أطفال تقريبا يوجد طفلان من ذوي الشخصية الحساسة.
وتتعامل الكثير من الأمهات مع الشخصية الحساسة من زاوية الاستجابة العالية لأي فعل وانعكاس ذلك على مشاعرهم وشعورهم بالخجل والخوف ويغفلن في المقابل العديد من الجوانب المميزة مثل الإحساس العالي بالخطر والقدرة على الانضباط الذاتي إذا تم التعامل مع الطفل بشكل سليم والقدر الكبير من التعاطف مع الآخرين.
وينصح خبراء علم النفس بقراءة مشاعر الطفل الحساس وتقدير اختلافه، حيث من المهم أن يتعلم الطفل الحساس أسماء المشاعر التي يشعر بها ليستطيع التواصل مع الآخرين واكتساب طرق مقبولة اجتماعيا لتنفيذها دون ضرر يقع عليه أو على من حوله.
كما يجب أخذ خطوات صغيرة مع الطفل الحساس حيث أن شدة التحفيز الحسي لديه تمنعه أحيانا من التصرف بشكل صحيح، كما أن تزويده بمهارات التفكير المنطقي ووضع خطوات محددة للتصرف في المواقف المحتملة يساعده كثيرا في تخطي الأوقات الصعبة.
كما ينصح خبراء علم النفس بإبطاء الوتيرة تجاه الطفل الحساس، فإذا كانت الإضاءة القوية أو الأصوات العالية أو الازدحام سببا في انزعاج قوي للطفل الحساس، فإعطاؤه فرصة كافية لمواكبة الوضع وشحن طاقة التواصل بداخله أولا يجنبه ويجنب أسرته الكثير من التعليقات والانتقادات التي تزيد الوضع سوءا.
ولا يخفي علماء النفس أهمية النقاش والمحاورة في التعامل مع شخصية الطفل الحساس.
أهم صفات الطفل الحساس:
1. سريع البكاء وتستثيره أبسط الأشياء للغضب.
2. ينزعج كثيرًا من الصخب والأماكن المزعجة، وإن نام يستيقظ من أدنى صوت حوله.
3. لا يتحمل أن تلمس قدمه الرمال أو الأرضيات الباردة ولا يلعب أبدًا بالصلصال، يبكي كثيرًا أثناء الاستحمام، ويحك جسده إن ارتدى ملابس جديدة.
4. يلاحظ الروائح غير المعتادة بسهولة، ولا يتشجع على الاستكشاف بسهولة لأن لديه شعورًا قويًا بالحذر والعواقب.
5. يواجه مشكلة حقيقية مع درجة حرارة طعامه، فلا يطيقه باردًا أو ساخنًا أكثر من حد معين، وغالبًا ما ينتهي الأمر بالبكاء رفضًا له، ويرفض أيضًا الكثير من الطعام لأنه لا يحب قوامه في فمه أو لونه في الطبق أو حجمه المقطع به، ولا تختلف النهاية كثيرًا.
6. حساس جدًّا للألم، ويلاحظ ملامح الألم بسهولة على وجوه الآخرين.
7. يسأل أسئلة عميقة دقيقة التفاصيل مثيرة للتفكر، ويستخدم تعبيرات في كلامه تفوق أقرانه في نفس العمر، ولديه حس فكاهي ذكي.
8. لا ينسجم بسهولة مع اختلاف البيئة من حوله، ويتوتر عند اختلال روتينه اليومي المعتاد.
9. يفضل اللعب الهادئ على اللعب المليء بالحركة، ولا يحب التجمعات الكبيرة، وكلما كان اليوم مثيرًا صعب عليه الاستغراق في نومه بسهولة.
الطفل الحساس ذو حواس متحفزة باستمرار، اللمس والبصر والسمع والشم والتذوق تستثيرهم حتى أبسط المنبهات الحسية، ولذلك يصعب على الطفل الحساس تنظيم انفعالاته العاطفية والسلوكية في حالة التحفيز الحسي الزائد، حتى أنه من الممكن أن يستغرق في البكاء فور استيقاظه من النوم.
نظرة المجتمع للطفل الحساس
ينظر الكثير من الآباء وعلماء النفس في مجتمعنا إلى الطفل الحساس من جانب واحد، بأن الطفل الحساس هو الطفل الذي يعاني من الخجل والخوف والحساسية المفرطة، لكن عند الدخول لعقل الطفل الحساس وفهم طبيعة تفكيره، سنجد شيئاً مختلفاً من الإبداع والحدس والحكمة والتعاطف مع الآخرين، فهذا الأمر يختلف إطلاقاً عن الأشخاص المصابين بالاكتئاب والقلق والخجل مما يسبب لبس في التفرقة بين الأمرين.
وحسب مركز (LiHSK) أن الكثير من المراهقين اكتشفوا أن طفولتهم كانت صعبة وبشكل لا يطاق، والكثير من الآباء كان لديهم النية والرغبة الصادقة في تربية أطفالهم على نحو مناسب، إلا أنهم لم يعوا الطريقة المثلى للقيام بذلك.
فيمكن أن يكون للآباء أو المعلمين دوراً كبيراً في التأثير العكسي على الطفل الحساس، من خلال توجيه الكلام السلبي على أنه شخص خجول وحساس.
وهذا ما يدفع الأمر ليصبح أسوأ، فيميل الطفل للخجل والانطواء والعزلة، لذلك يجب معالجة الأمر معالجة خاصة، ووضع هؤلاء الأطفال موضع التقدير، واكتشاف ما لديهم من احتياجات خاصة وسلوكيات مفهومة لكنها تحتاج إلى تصحيح، والتعامل معهم بعناية حتى لا يشكل لديهم قلق أو خوف من المجتمع.
كيفية التعامل مع الطفل الحساس
هؤلاء الأطفال يمتلكون صفات عديدة كالفكر الخلاق والعاطفي والرحمة والحنان، والكثير من الآباء يجدون في تربية الطفل الحساس صعوبة وإرهاق، لكن هذا الأمر ليس بالسيء كما يُعتقد، فإذا وصل طفلك إلى البيت بعد انتهاء المدرسة، ووجدته يبكي لأنه قشط ركبته. فلربما يبكي من الألم، أو على الأرجح شاهد أحد أصدقائه يضحك على الموقف حين سقط، ما جعله يتأثر بهذا الأمر أكثر من الألم. هذه السلوكيات طبيعية وليست خارجة عن المألوف كما يعتقد البعض، فيجب معرفة السيطرة على ردود أفعال هؤلاء الأطفال ومعرفة كيفية إدارة عواطفهم.
كيف أتعامل مع الطفل الحساس؟
هناك بعض الخطوات التي يجب اتباعها وعليك أنت كأب أو أم مراعاتها، لتعامل سليم مع طفلك الحساس:
انظر للحساسية بأنها هدية وأمر جيد
تقول الأخصائية في التنمية الإبداعية مورين هيلي (Maureen D Healy) بأن غالباً ما يشعر الآباء بالإحباط من التعامل مع أطفالهم الحساسين أو الشعور بالخجل في المواقف الاجتماعية، لكن عليك أن تنظر لهذا الأمر من جوهره، وتعلم أنه أمر مفرح لرؤية طفلك ولديه هدية وميزة شخصية، فالحساسية نموذج للمبدعين والمبتكرين وللأطفال الموهوبين في مختلف الأشياء، كما أن أعظم المفكرين مثل: كارل يونغ، جوزيف كامبل، أبراهام لنكولن وإليانور، روزفلت كانوا يعانون من الحساسية المفرطة في طفولتهم.
اظهر عواطفك تجاه الطفل الحساس
عندما يصطدم طفلك بالأرض ويتأذى، بشكل غريزي تقبل إليه وتقنعه بأن شيئاً لم يكن، وأنه لن يشعر بالألم كثيراً، إلا أن ذلك سيزيد الطين بِلة، كذلك الأمر إذا واجهته بالصوت العالي والغضب، فعندما تعاكس مشاعر طفلك ولا تحاول أن تتحدث معه تبعاً لمشاعره ستجعله غاضباً أكثر، وفي ذلك الأمر تتحدث الأخصائية في علم نفس الطفل الدكتورة إلينور بيش (Elinor Bashe) "أنه من الضروري والمهم أن نستمع ونتقبل عواطف أطفالنا حتى لو كانت غير منطقية وصادقة"، كما أنك لا تريد أن تزيد بكاءه عند إعطاءه الكثير من الاهتمام، لكن بإمكانك أن تقول له بأنك "تعلم أن الأمر مؤلم حقاً"، وطبيعي أن يكون متفاجئاً عندما يسقط على الأرض، كما بإمكانكما الذهاب لتنظيف الجرح ووضع الكمادات عليه مثلاً.
اختر كلماتك جيدا
يمكن أن ينفجر الأطفال شديدو الحساسية بالبكاء عندما يحدث شيئاً على عكس ما يريدون ويرغبون، أو لأمرٍ يسبب لهم الإحراج أو الإحباط، فتقول الدكتورة بيش على سبيل المثال: "إذا كان طفلك يلهو مع أحد الأطفال وعليك إخباره بأن الطفل حان وقت عودته لمنزل ذويه، فلا تقول له "انتهى وقت اللعب ولا يمكن لصديقك أن يبقى لمدة أطول" فهذا سيجعله ينفجر بكاءً، فبإمكانك أن تقول: "عزيزي.. أعلم أنك ستنزعج، لكن على صديقك أن يذهب وسينتهي اللعب"، فتستطيع بذلك السيطرة على ردّ فعله من خلال الحديث معه عن مشاعره، فعندما يلمس الطفل بأنك تدرك مشاعره وسلوكه الخاص، سيفكر بما تقوله وسيبدأ بالنظر إلى نفسه وشعوره بدلاً من أن يصرخ ويبكي.
امنح طفلك الحقائق
يقول المستشار النفسي جين بيرمان (Jenn Berman) أن الأطفال في سن 5 أو 6 سنوات يرغبون في معرفة أي شيء وهذا الأمر لصالحك، فعليك إخباره بالحقائق، فإذا ذهبتما معاً لإعطائه اللقاح عن طريق الإبر، فعليك إخباره بأنها ستؤلمه قليلاً، لكنه سيصبح بعدها قوي وشجاع، ومثالٌ آخر، إذا كان طفلك يلعب (puzzles) قطع اللغز، فعليك إخباره بأنها تحتاج إلى عدة أيام لإكمالها حتى لا يشعر بالفشل أو يستسلم.
ساعد طفلك في حل مشاكله
عليك أن تطرح على طفلك الأفكار التي تساعده على حل مشكلاته، فعلى سبيل المثال، إذا انزعج من كون الحذاء لم يناسب قدمه عند شراءك حذاءً جديداً له وبدأ البكاء، يمكنك إخباره بأنك على علم بانزعاجه، لكن هناك حل، أخبره أن بإمكانه تجربة حذاء رياضي مثلاً، أو لربما سيكون أفضل لو يعاود المحاولة بعد قليل، ويقول الدكتور بيرمان: "حاول دائماً تذكير طفلك أن هناك دائماً حلول ولا ينبغي أن يخجل من طلب الأفكار أو الحلول لأي مشكلة".
تشارك مع طفلك
يؤدي الأطفال الحساسون أعمالهم ويتصرفون بشكل أفضل عندما تطلب منهم القيام ببعض الأمور والمهام، كما يدركون أن العمل مع البالغين أفضل من الانضباط والإلزام أو منعهم من القيام بشيء مما يدفعهم للبكاء أو الصراخ، فالانضباط يثير لديهم الانهيارات النفسية ونوبات الغضب، والشراكة مع طفلك ودمجه بالعمل الجماعي وإرشاده إلى كيفية التعامل مع الآخرين، جميعها خطوات تساعد في هذه العملية.
ركز على نقاط القوة عند طفلك
تذكر دائماً أن الطفل الحساس هو طفل موهوب بشكل كبير، حيث تنبع أهمية ذلك عندما يتصرف طفلك بشكل خارج عن النطاق نتيجة الإرهاق أو الاضطراب العاطفي، فدرب نفسك على معرفة نقاط القوة الموجودة لديه مثل: الإبداع والفطنة والفكر الثاقب، فهذا يساعدك على قبول التحديات التي تواجهه مثل: الانطواء، الخجل، العاطفة الزائدة، النشاط الزائد، وصعوبة الإرضاء.
اقبل طفلك الحساس
حسب هيلي، قبول طفلك الحساس واحتضانه أمر مهم للغاية فالكثير من الآباء يرغبون في عرض أولادهم على الأطباء لمعالجتهم، ذلك لعدم قدرتهم على تقبل الأمر والتماشي معه، لكن على الآباء تقبل الأمر كميزة للطفل، وعلى أنه جزء من تجربة حياتية للوالدين والطفل يجب خوضها.
اصنع له بيئة هادئة
يتأثر الأطفال شديدو الحساسية بالبيئة المحيطة وبجو المنزل والمدرسة؛ تأثراً بالغاً، لذلك يجب أن تخلق لهم جواً هادئاً يتناسب مع نمط تفكيرهم الخاص، فالكثير من الأطفال يفضلون أن يكون لهم مكانهم الخاص في المنزل ليلعبوا بمفردهم بهدوء وصفاء، فكل الأشياء المحيطة كالإضاءة والألوان والأصوات تؤثر على عالمهم الخاص، وهذا ما أكدت عليه الأخصائية هيلي.
اجعله منضبطا باعتدال
لا يمكن أن تبني له الحدود في حياته، لكن بإمكانك رسم حدود واضحة وهيكل محدد للانضباط، فإذا حان وقت النوم مثلاً، بإمكانك أن تقول له بأنك تعلم أنه يريد أن يلعب وقت أكثر، لكن حان موعد النوم وعليكما أن تنفذا ما قطعتماه من وعود بأن تناما عند الثامنة مساءً، ويجب الآن تنفيذ الوعد، بهذه الطريقة تستطيع أن تضبط طفلك بشكل بسيط بدلاً من الصراخ أو الضرب.
تواصل مع طفلك الحساس
بمعنى أن يبذل الآباء جهداً إضافياً في جعل أطفالهم يتشاركون اللعب مع باقي الأطفال وتحديد الوقت المناسب لهم، فيمكن من خلال ذلك تعزيز نقاط القوة لدى الطفل وتنميتها مع الآخرين.
اضافةتعليق
التعليقات