اشترى أحد الآباء لعبة جديدة لابنه، شرح له أولاً قواعدها ثم بدآ يلعبان معاً، فاز الطفل بالجولة الأولى والثانية وشعر بالسعادة والمتعة، لكن عندما فاز والده بالجولة الثالثة فقد الطفل اهتمامه باللعبة ولم تعد ممتعة في نظره، وقال لوالده (لا أريد أن ألعب هذه اللعبة مرة أخرى) وحين سأله الأب عن السبب جاءت الإجابة العابسة (لا أريد) ثم خرج مسرعاً من الغرفة.
كما تقول إحدى الأمهات: (ألعاب كثيرة تتجنّبها صغيرتي ولا ترغب باللعب فيها، وعندما تضطر لأن تلعبها معي أو مع أحد إخوتها، تكون النهاية إما حالة من السعادة والفرح "في حال كانت هي الرابحة" أو في حال خسارتها ستصدر عنها تصرّفات غير مقبولة ومزعجة لمن حولها، مثل رمي اللعبة على الأرض أو التكلّم بصوت مرتفع أو التلفظ بالشتائم وغيرها من التصرّفات التي تدلّ على غضبها وأنها غير راضية عن النتيجة ولا تقبّل الخسارة.
وعندما استفهمت منها الموضوع أجابتني بأنها لا تحبّ الخسارة أبدًا ولا ترغب بلعب الألعاب التي من الممكن أن تخسر بها، لأنها غير قادرة على تقبّل الهزيمة.
فالطفل يرغب دائماً أن يكون الأفضل أو الأسرع في كل شيء يفعله، حيث يشعره الفوز بالتحكم في محيطه وحياته، وربما يثير أيضاً اهتمام الوالدين وتعليقاتهما الإيجابية مثل الإشادة والعناق والتصفيق مما يعزز ثقته بنفسه وتقديره لذاته، والأطفال مفتونون دائماً بالنصر لدرجة تجعلهم يحولون الأحداث اليومية العادية مثل الانتهاء من تناول طعام الغداء أو ارتداء الملابس، إلى مسابقة لها فائز أول وفائز ثانِ، مثل هذه الطفلة التي ما إن تخرج من باب سيارة والدها حتى تجري على الممر المؤدي إلى باب المنزل قائلة «أنا الأول» بهدف الوصول إلى باب المنزل قبل أختها الكبرى.
وبطبيعة الحال فإن أي إنسان لا يحب أن يخسر، إلا أن الطفل قد يفسر هذه الخسارة كدليل على عدم الكفاءة أو الفشل، حتى لو كان الحظ هو العامل الوحيد للخسارة، إذاً أعراض الهزيمة المؤلمة هذه لابد من تخليص الطفل منها فوراً لأنها ستؤدي فيما بعد إلى عدم رغبة رفاقه في اللعب معه، أما إذا تعلم مبادئ الروح الرياضية العالية سيحترم ذاته ويتفق مع الآخرين ويتقارب معهم، وهنا يكمن دور الأهل في تعليم الطفل كيفية تقبل الخسارة من خلال الخطوات التالية:
1- التعلم من الخسارة
الأهم من النجاح هو التعلم من الخسارة؛ لأنه يجنبنا مواقف مماثلة في المستقبل، هذا هو أهم درس يجب أن تعلمه لطفلك عند تعرضه للخسارة، فهناك دائماً أسباب تقف وراء الخسارة والفشل ويجب أن يتعرف عليها الطفل ويحددها ويدركها بشكل جيد حتى يتمكن من تجاوزها والتغلب عليها في وقت لاحق .
2- استثمار مواقف الحياة:
ينبغي على الوالدين استثمار بعض المواقف التي تحدث في الحياة والتي يشعر الطفل نحوها باهتمام لتأكيد معنى المكسب والخسارة، كأن يُهزم أحد الفرق أثناء متابعته لإحدى المباريات، فنعلق على ذلك وعلى الروح الرياضية التي تحلى بها لاعبو الفريق الذي هزم، وحبذا لو كان ذلك مع اللاعب الذي يحبه ويحترمه، وكذلك في مواقف الحياة التي يكون فيها مكسب وخسارة ويكون الطفل معايشاً لها .
3- تجنب كتم المشاعر :
اسمح له أن يعبر عن حزنه جراء الهزيمة بالبكاء أو الوحدة والجلوس بمفرده قليلاً، احترم مشاعره و اظهر له تعاطفك ومساندتك له في كل الأحوال، لكن لا تتركه في حزنه لفترات طويلة واجعله يقوم بنشاط آخر أو يبحث عن شيء يستطيع فعله بصورة أفضل .
4- اتركه يخسر أحياناً :
إذا تعمد الوالدان ترك الفرصة للطفل كي يهزمهما حين يلاعبانه، فسوف يتشكل لديه توقع غير منطقي بأنه لا يخسر أبداً، مما سيؤدي به إلى الضيق الشديد والغضب إذا انهزم فيما بعد أمام منافس آخر، خاصة عندما تلعب الأم مثلاً مع طفلها لعبة معينة وتتعمد أن تخسر أمامه لتفرحه، قد يُسمح بفعل ذلك مرة أو مرتان، ولكن لا يُسمح به طول الوقت، فمن خلال لعبة بسيطة يمكنك تعليم طفلك فن تقبل الخسارة.
5- تشجيعه وقت الخسارة:
من الأمور التي تزيد شعور الطفل بالإحباط هي التأنيب أو إبداء الحزن عندما يخسر، وهو ما يفعله كثير من الآباء بصورة تلقائية، لكن ما المانع أن تهنئ طفلك على المجهود الذي بذله حتى وإن لم يربح أو ينفذ المهمة التي يقوم بها.
مثلًا: إذا كان الطفل يحاول الوقوف وسقط يجدر بك التصفيق له ومساعدته في المحاولة مرة أخرى ليشعر بأن الهزيمة ليست نهاية العالم، وعلمه أن الأهم من الفوز هو الإصرار وقوة الإرادة.
6- تعليمه أن الخاسر ليس فاشلاً :
من المعتقدات الخاطئة التي ينقلها الأب والأم للطفل أن الخاسر هو شخص فاشل، ولذلك فهو يربط بين الخسارة والفشل، فهنا عليك إخباره أن الخاسر ليس بالضرورة أن يكون مخطئ، والأهم هو عدم استسلامه للهزيمة ومحاولاته القادمة في تحقيق الربح.
7- كن قدوة له :
الأهم من إسداء النصائح للطفل هو التصرف أمامه بالطريقة التي تتمنى أن تراه عليها، فالكلمات (التي يرددها الوالدان على مسامع أطفالهما) لا ترسخ في عقولهم كما ترسخ تصرفات الوالدين أمامهم، لذلك احرص على ضبط مشاعرك أمام طفلك عند تعرضك للخسارة في رياضة ما، تصرف بروح رياضية، واظهر جانب من الإيجابية في التعامل مع الموقف بأن تقول أمامه أن المكسب ليس كل شيء وأنك واثق من قدراتك طالما أنك اجتهدت قدر ما تستطيع لتحقيق النجاح.
8- اجعله يهنئ المنافس بالفوز :
لا بد أن تجعل طفلك يتعلم تهنئة منافسيه بالفوز، وأن هذه الصفة تجعل منه بطلاً حتى لو تعرض للخسارة، فضلاً عن أنه في المرة المقبلة سيستحق الفوز وسيهنئه منافسه تماماً كما فعل. ويمكن تطبيق هذا في عمر صغير عندما يقوم شخص بفعل جيد، فلتجعل طفلك الصغير يصفق له معك، وهكذا يتعلم أن الإنجاز يستحق التحية.
9- الإكثار من الألعاب الجماعية معه :
يمكنك تسجيله في فريق رياضي يشجّع على اللعب الجماعي والتعاون حيث إن الألعاب الجماعية تساعد الطفل في الاعتياد على الخسارة؛ لأنه سيفوز مرة ويهزم مرة، وبالتالي لن يكون شعور الخسارة مؤلم بالنسبة له.
10- تبادل الأدوار:
أن يشترك الوالدان معه في تمثيل بعض المواقف التي يكون فيها فائز وخاسر، على أن يلعب هو في البداية دور الفائز ويلعب أحد الوالدين دور الخاسر مع إبداء الروح الرياضية والرضا بالخسارة، ثم يعاد الموقف مرة أخرى ويلعب فيه الابن دور الخاسر، ويكرر هذا الموقف معه لعدة مرات، ففي ذلك تدريب له على تقبل الخسارة، فعندما يجد الطفل أنك تقبلت الخسارة دون غضب سوف يرى هذا أمر طبيعي ولا يستحق الإحباط .
وفي الختام، لا أنكر وجود رغبة داخلية لدينا كأهل بأن يكون أطفالنا من الرابحين دوماً، لكن أكبر خطأ نرتكبه هو التركيز على تربية الطفل البطل والأول في كل شيء، لأن هذه الطريقة ستسبب له آثاراً نفسية سلبية في حال خسارته أو فشله في أمر ما، ولن يعلّمه كيف يصنع مستقبله وكيف يتعامل مع الخسارة، وسيجعله شخصاً غيوراً من نجاح الآخرين، وربما فاشلاً، فـبالرغم من الشعور المؤلم الذي تسببه مواقف الخسارة والفشل بالنسبة للطفل إلا أنها قد تمارس دوراً هام في تعليمه الكثير من دروس الحياة ومعانيها.
المصادر: مجلة حياتك – عالم حواء – موقع حلوها – مدونة حياة عيلتنا .
اضافةتعليق
التعليقات