في عصرنا كل شيء يأخذ شكل الموجة، ينجرف الناس وراء كل جديد ومثير وغريب، وعندما تنحسر تلك الموجة، يلتفت بعض الأشخاص حولهم باحثين عن موجة جديدة تغنيهم عن صناعة تيار خاص بهم، فينضمّون لصفٍ جديد يقفون وراءه أو لنقل يختبئون خلفه!.
من هؤلاء النماذج، الشخصية الإمعة؛ الضعيف الذي يقلّد الآخرين وينطوي تحت لواء كل من هبّ ودب، متردد في قراراته ولا يملك رأياً واضحاً، يوافق على كل نظرية، ثمّ لا يلبث أن يتحوّل لمبدأ آخر ويقول لصاحبه أياً كان فكره وبكل حماقة: أنا معك.
وإن قلنا أنّ صفتهم الرئيسية الضعف إلا أنَّ وجودهم يشكل خطراً في المجتمع، لأنهم أشخاص قابلين للبيع والشراء من قبل كل ناعق للشر والظلم، فهؤلاء يتبعون الاتجاه السائد أو المخطط له سواء كان سياسياً أو دينياً أو فكرياً سواء عن قناعة أو لمصلحة خاصة.
وعن هذا الخلق المذموم، يقول الامام الكاظم عليه السلام لفضل بن يونس:
"أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن إمعة، فسأله الفضل: وما الإمعة؟
قال: لا تقل: أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس".
عرّف الامام الإمعة بكلمات قصار خير تعريف، وقبل ذلك أوصى صاحبه الفضل بكلمتين وهي قول الخير وابلاغه.
في بعض الأحيان قد يتوهم البعض أن مايقوم به في التعامل مع الناس من تقديم الخدمات لهم وكسب رضاهم أنّ ذلك من الخير، لكنه يتحول شيئا فشيئاً لشخص يستغله من حوله سواء من قبل عائلته أو أرباب عمله أو حتى من دولته وأزلامها. وهكذا، قد يصبح الشخص إمعة من دون وعي أو من دون قصد.
أما أبرز صفات الإمعة هي عدم القدرة على قول كلمة لا، والمجاملة على حساب المبدأ، وعدم ابداء الرأي ولا يقدم وجهة نظره بل يخاف ويتخلي عنها مع أي مأزق يمر به، وأخيراً يوافق على كل قرار وطلب.
هذه الشخصيات ليست بحديثة العهد كما نعتقد، فعلى طول التاريخ كان هناك الكثير منها وحارب الأنبياء والمرسلين والمصلحين في العالم هؤلاء المنافقين المداهنين المتلوّنين.
وقد عانى الامام الكاظم عليه السلام منهم كآبائه الكرام وأبنائه البررة، ومن هؤلاء أصحاب أبيه الامام الصادق الذين مالوا عن إمامته وبايعوا أخيه اسماعيل، وسمو بالاسماعيلية.
وقد كان هناك فرقة أخرى كانوا يعتقدون أن الامام الصادق لم يمت وإنما هو القائم المهدي وكذلك الفطحية وغيرهم.
كان الدعاة لهذه الفرق أشخاص معدودين لكن اتبعهم الكثير من دون تفكير ولا دراية.
أما الرد على أولئك الإمعة فكان بعدة طرق ومنها:
الرد الدفاعي المنطقي:
لقد علم الامام الصادق أن بعض أصحابه سيميلون إلى ابنه اسماعيل ويتركون الامام المفترض الطاعة وهو ابنه موسى الكاظم عليه السلام، وشاءت القدرة الالهية أن يموت اسماعيل في حياة أبيه الصادق، فلما توفى أحضر الامام جماعة من أصحابه وأشهدهم على موت اسماعيل في بيته، ثم أشهدهم على موته أثناء التشييع، فكان يكشف عن وجه اسماعيل ويسألهم فيقولون له: إنه ميت.
فعن طريق عرض الوقائع والتكرار لها واجه الامام هؤلاء المنافقين.
الرد البنائي التربوي:
في مقابيل تلك الشخصيات وانتشارها حرص الامام الكاظم على صناعة جبهة ثانية متمثلةً بأصحابه أمثال: هشام بن الحكم، البهلول، علي بن يقطين. فبذل جهداً مضنياً في سبيل الحفاظ عليهم، وأصبحوا أعلاماً وفطاحل في الفقه والعلم، واستطاعوا أن يناظروا ويناقشوا الآخرين بحكمة وذكاء.
كشف علامات الإمعة:
عن الامام الكاظم عليه السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الفقهاء أمناء الرسل مالم يدخلوا في الدنيا، قيل: يارسول الله مادخولهم في الدنيا، قال: اتباع السلطان فإذا فعلوا فاحذروهم على أديانكم".
وعن طريق هذه النقاط الثلاث نستطيع مواجهة هذه الشخصيات الحربائية في المجتمع ومعرفتها، وذلك بتقديم الحقائق والحجج أمامهم واتمام الحجة، وأيضاً بالسعي لتقوية جبهة الحق بتربية وانشاء أبناء ونساء صالحين، والتمييز بين العالِم ذو الايمان المستقر وبين المتزلزل ذو الايمان المستودع الذي نعرفه من خلال وقوفه على أبواب السلاطين.
لقد كان الامام صلوات الله عليه ترنيمة الانسان الحر القوي الذي يتحمل مسؤولية آرائه وقراراته واختياراته ولا يُخدع بسهولة ولا يخضع للمتسلط، هو الذي يقول الخير ولا يكن إمعة.
اضافةتعليق
التعليقات