فضولي في اقتناء كتاب من رفوف أبي (رحمه الله) كان هاجسي في طفولتي التي نضجت على حب المطالعة آنذاك.
الأمر الذي جعلني أطرق باب المكتبة المدرسية حينما التحقت بها في المرحلة الرابعة، كان كل همي أن أتصفح الكتب المزودة بالرسوم وقراءة مضمونها، كانت نسيجا متكاملا عن حياة البرية وقصص خيالية عن عالم آخر لا يمت لواقعنا بصلة لكنها كانت أجمل انطلاقة لي في بذرة الأدب والثقافة.
هذه بداية قصة أم مؤمل عن بدايتها لمتابعة وقراءة قصص الأطفال.
فن الكتابة القصصية للطفل
تعتبر الكتابة للأطفال مغامرة مليئة بالكثير من المفاجآت فهي أشبه بالدخول إلى دهليز أو نفق لا تعرف ما فيه، وإن صح هذا التشبيه فقد يتطلب الأمر الكثير من الحنكة حتى ينجح القاص بإيصال الرسالة التي يعتمدها في فن الكتابة للطفل.
فعند المثول عمليا أمام فن الكتابة القصصية للطفل نجده بحرا عميقا وذلك للمثول أمام المستوى الفكري للطفل لاستيعابه إذ يتطلب من الكاتب الولوج في لب أغواره النفسية وما يميل إليه من الواقعية وفي الوقت نفسه يكون انعكاسا غنيا بالقيم التربوية والأدبية لثقافة العصر وأبعادها الإنسانية.
وفي صدد هذا الموضوع ارتأت أسرة (بشرى حياة) أن تبحر بكم في دنيا قصص الأطفال:
ذكريات مكتبية
تكمل أم مؤمل حديثها قائلة: ذكرياتي في مكتبة المدرسة جعلتني مهووسة في القراءة لأي كتاب يقع في يدي، الأمر الذي زودني بثقافة مبكرة دون قريناتي في العمر.
وأضافت: أرى أن نزول القاص إلى مستوى الطفل يتطلب نوعا من الوعي يشمل المفردة والسياق لأن الكاتب في هذه الحالة يتوجه إلى عقل مختلف دون إرث ثقافي كبير، فالطفل يمتلك مخيلة متقلبة لذا يجب أن لا يستهان بخياله.
وتابعت: يعتقد الكثير أن التبسيطية هي المدخل إلى عقل الطفل بينما العكس صحيح لأن عقلية الطفل تمتلك تحسسا عاليا للعالم المحيط به.
وعلى الكاتب التعايش مع عقلية الطفل المتغيرة فالكثير من القاصين ما زالوا يلجأون إلى الرسوم وقصص الخيال وهذا ينطبق على الزمن الذي تعايشت به.
لذا يجب التوسع في كتابة قصص معاصرة للأطفال لأننا نواكب التكنلوجيا لاستساغتها وجعله يترك الهواتف الذكية ليحمل كتاب قصصي يغنيه عنه ويثريه ثقافيا وأدبيا كما حصل معي في طفولتي.
قصة أمي
فيما قالت التدريسية سوزان الشمري: إن الطفل يرفض الأوامر المباشرة فبإمكان القصة أن توصل الأفكار وتغرس القيم وتوجهه نحو الصواب فالقصة تؤثر في ذهن الطفل ويتأثر بشخصياتها حتى إنه قد يتقمص أدوار الشخصية البارزة ودون أن نعي تبقى القصص التي نرويها للأطفال في أذهانهم وتؤثر في سلوكياتهم وأفكارهم في المستقبل.
وأضافت: أستذكر القصص التي كانت ترويها أمي لنا حول الصدق وعدم الكذب فكانت تقص علينا قصة راعي الغنم الذي كان يدعي بأنه يغرق وعندما يحضر أصدقائه لنجدته يبدأ بالضحك عليهم ويخبرهم أنه كان يمزح معهم ليكرر الأمر ذاته في اليوم الثاني والثالث ولكن في اليوم الرابع يسقط فعلا في النهر ويطلب النجدة غير أن كل من كان يسمعه لم يصدقه لكثرة مزاحه وكذبه فكان حتفه الغرق جراء كذبة.
ختمت الشمري حديثها: مثلما بقيت هذه القصة في ذاكراتي بالتأكيد ستبقى القصص في أذهان أبنائي لذا أحرص دوما أن أروي لهم القصص المفيدة.
أدب ثقافة الأطفال
وكانت لنا وقفة مع القاص والكاتب علي حسين عبيد قال من خلالها: بون شاسع يفصل بين الكتابة الإبداعية للأطفال كأجناس (الشعر، القصة، الرواية، المسرحية، النقد)، وبين كتابتها للكبار، فواقع الطفل وأفكاره مختلفة عن الكبار، ورؤيته وخياله مختلف أيضا، وهذا يتبع درجة فهم الواقع والحياة، وتباين مستوى الوعي بين الأطفال والكبار، فالطفل يرى الأشياء ويسمع الأصوات بدرجة وعيه وخياله هو وليس بخيال الكبار الذي ينتمي إليهم الكتّاب، لذلك من أهم شروط الكتابة للأطفال هو (النزول) عند مستوى وعي الطفل، وطبيعة فهمه وسعة خياله، لذا من المهم أن تأتي المفردات المكتوبة للطفل واضحة لا لبس ولا غموض ولا جزالة مقحمة فيها، ترسم الصور الشعرية أو النثرية بكلمات تقارب وتناسب وعي وخيال الطفل.
وأضاف: أما المشهد الثقافي الذي يتعلق بالطفل، فهو غير مكتمل ولا منظّم، كما أنه لا يلبي الحاجة الفعلية الإبداعية للأطفال، لاسيما في ضوء الإهمال الذي يتعرض له (أدب وثقافة الأطفال) من الجهات الرسمية المعنية على وجه الخصوص، بحجج واهية تتصدرها قلّة الأموال التي تسببت بإيقاف مطبوعات ودوريات ومجلات معروفة، كانت تقدم للطفل باقات إبداعية تضيء له خياله وتمنحه فسحة من الجمال والذكاء والتطور.
وتابع قائلا: بالطبع هناك مطبوعات إبداعية تخص الطفل، غالبا ما يقوم الكتاب بطبعها على نفقتهم الخاصة، أما الجهد الرسمي فهو شبه متوقف لدينا، لذلك لا مناص من معالجة هذا الخلل الرسمي و(الأهلي) الذي يتمثل بعدم الاهتمام بأدب الأطفال، والتذرّع بقلة الموارد والأموال أمر غير مقنع ولا مقبول قطّ.
وأخيرا مستوى النص المكتوب للطفل، فأنا أجزم أن هنالك كتّابا ينتمون للإبداع العراقي، يمكنهم كتابة نصوص مهمة مكتملة إبداعيا، وهم لا يزالون يواصلون إبداعهم في مجال أدب الطفل، لكن قلة الدعم الرسمي لهم أثبطهم نفسيا وربما جعل بعضهم يعزفون عن الكتابة للطفل، ومع ذلك يوجد مبدعون عراقيون يواصلون نجاحاتهم، ومنهم على سبيل المثال الكاتب العراقي ناظم مزهر الذي حاز مؤخرا على جائزة مهمة في مجال (رواية الفتيان)، وفي العموم نجد أدب الأطفال مهملا، وهذه كارثة ثقافية تهدد الأجيال المستقبلية، يجب أن تتنبه لها المؤسسة الثقافية، والقطاع الخاص إذ على (الأثرياء) الاستثمار في الكتابة للأطفال ودعمها.
القصة بين استعمالها وانعكاسها
وختامنا كان مع أستاذة علم النفس فاطمة مرتضى معاش حدثتنا قائلة:
لیست طريقة تفكير الطفل كالإنسان البالغ، فالطفل يفكر باللعب، إذا منعنا الطفل من اللعب فكأننا سلبنا منه التفكير وتعرفون ما مدی أهمية التفكير لدى الإنسان، فإنه یشكل السمة الخاصة به عن سائر الكائنات.
وتعتبر القصة أیضا فرع أو نوع من اللعب لدی الأطفال، یمكن النصیحة تؤثر تأثرا سطحيا علی الطفل ولكن عندما یسمع القصة فإن کل سطوح تفكیره سوف تتفعل مع القضیة ویعیش معها، لهذا علماء النفس لدیهم اهتماما بالغا بالقصة ویستعملوها کعلاج للاضطرابات والخلل النفسي، ومن خلال ذلك يحاولون الدخول إلى عالم تفكير الطفل والتأثير على شخصيته.
وأضافت: كذلك يمكن استعمال القصة كإصلاح بعض الأخطاء السلوكية لدى الأطفال كالخوف من الظلام أو العناد وغيرها.
وأيضا يمكن استعمالها لتعليم المبادئ الدينية أو الأخلاقية وتعتبر كطريقة تعليم غير مباشرة حيث تؤثر بشكل أكبر من الطرق المباشرة ونرى هذا في القرآن الكريم أيضا فيستعمل هذا الأسلوب بقوله: "نحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ".
كما لا يخفى إذا كانت قراءة القصص برنامجا ثابتا في حياة الطفل فإن قوة خياله لا يمكن مقارنتها مع سائر الأطفال وسينعكس هذا الخيال الواسع على طريقة إبداعه في لعبه وأخلاقيته في ذلك، وسيكون تفكيره فعالا على أبعد الحدود، في حين الأطفال الذين يقضون معظم وقتهم أمام الرسوم المتحركة والألعاب الالكترونية سيكونون في الجهة المقابلة بالضبط وتغذيتهم الفكرية تنحصر على ما يشاهدونه وسيقل خيالهم كثيرا بحيث إنهم لن يكونوا قادرين على إنتاج لعبة بسيطة.
وتابعت: ولا يخفى أيضا أنَّ القصة لها تأثير إيجابي في تهدئة الطفل بالأخص إذا كانت القصة بصوت الأم، لهذا ننصح الأمهات أن يجعلوا القصة من الطقوس الخاصة ما قبل النوم حتى يتغذى الطفل عاطفيا وفكريا، لأن الحركة الأخيرة ما قبل النوم تكون مهمة جدا إذ يتعايش المخ مع هذه الحركة طيلة وقت النوم.
اضافةتعليق
التعليقات