ما عاد الماضي يكبر معك، لقد تخطاك الزمن هذه المرة وقد أغلق أذنيه كي لا يسمع أنينك المتواصل خلف أبوابه المؤصدة.
لقد غادر الماضي دون أن يحترم اتكيت الرحيل، لم يضع لك قبلة على الجبين ولم يترك لك رسالة اعتذار معطرة بالندم.
بالرغم من أنك كنت لبقا جدا معه وصنعت له صندوقا مليئا بالذكريات وخبأته في عمق ذاكرتك وأخفيته عن مرأى الجميع خوفا عليه من لصوص الذاكرة، إلاّ أنه رحل دون أية مقدمات ولا وداع، ولم يحاول أن يلتفت خلفه وينظر إليك نظرة أخيرة ولو لمرة واحدة حتى.
والآن، وبعد هذا الرحيل المؤلم عليك أن لا تموت، وأن لا تقطع شرايينك ولا تلفظ أنفاسك الأخيرة على أعتاب الماضي، مادام لم يعد موجودا ولم يرغب في الحياة معك، إذن حاول أن تخرج فكرة الحياة مع الماضي واختر حاضرك وعش معه قبل أن يتحول إلى ماض آخر ويتركك وتبدأ مراسيم العزاء عندك من جديد.
استغل حاضرك قبل أن يدق الندم نواقيسه وتتحول كلمة الآن إلى كان وتبدأ عملية الأرشيف تأخذ منحاها في حياتك.
لو عاش الانسان أيامه بكل تفاصيلها ولم يؤجل حياته إلى القادم لما تحسر على تلك اللحظات التي مضت، ولم يبكي ندما على كلام لم يقله، أو مشاعر لم يبح بها.
قفص التردد الذي نعيش فيه قد حبس الكثير من الفرص التي لو كانت قد خرجت إلى الواقع لغيرت من حياتنا الكثير.
فبقيت الكثير من الأقوال والأفعال محبوسة في قفص التردد والخوف لسنوات طويلة، حتى كبرت مع صاحبها وشاب شعرها، وباتت بعضها تلعن القلب وبعضها الآخر تلعن العقل لتشعر صاحبها بالندم، فلو تجرأ في ذلك الموقف وفي تلك الساعة على القول أو الفعل لما كان حاله هكذا.. ولو قال الكلمة الفلانية، أو أقدم على العمل الفلاني لأصبح حاله كذا... الخ.
ويستمر التلاطم بين ندم الحاضر والتردد على ذلك الماضي الذي رحل ولم يترك خلفه حتى عنوانا كي نزوره ونغير بعض الأشياء المصيرية ونبوح بتلك المشاعر ونفعل ما لم نمتلك الجرأة على فعله في الماضي.
والآن تحتاج إلى أن تتصالح مع نفسك قليلا، وتحمل كل الأشياء المتعلقة بالماضي من زوايا حياتك وتركنها في قبو ذاكرتك، وتبدأ يومك من غد وكأنك لا تملك سواه، وتعيش بطريقة خالية من الندم تماما بالأخص على شيء قد مات، وتذكر جيدا يا صديقي بأن البكاء على الميت لا يرجعه للحياة، إذن توقف عن البكاء على أطلال الماضي وحاول أن تتذكر محاسنه وتستفاد من الحكم والتجارب التي علمك إياها الزمن وعش حاضرك بسلام..
اضافةتعليق
التعليقات