ضحكات بريئة، أنوار شمعة تتهادى وسط الظلام، صراخ عند كشف مكان اختبائنا، كانت عادتنا أن نلعب لعبة (الغميضة) عند انقطاع التيار الكهربائي، الذي كان انقطاعا مستمرا ومتواليا في طفولتنا، صوت أمي من بعيد: تعالوا يا أطفال سأحكي لكم قصة جميلة ونلعب معا ألعابا مفيدة، بأقدامنا الصغيرة نتقافز للوصول أولا والجلوس جوار أمنا الحبيبة.
تبدأ جلستها بقصة شائقة تحمل قيما سامية، لتتلو بعدها بعض النصائح، يا أحبتي الغبطة أفضل من الحسد، المحبة أفضل من الكره، مساعدة الآخرين خير من أذاهم، احترام الكبير واجب كما العطف على الصغير، لا تنكروا الجميل، والأهم من كل ذلك لا تكذبوا.
لم ندرك حينها عظمة غضب أمي عندما تكتشف إحدى كذباتنا النابعة من كوننا صغارا ، تتغير ملامح وجهها لتبعث لنا رسالة خطيرة بضرورة ترك هذا الفعل كي لا يتحول إلى عادة ثم ملكة من الصعب التخلي عنها وتغييرها ، ولكننا اليوم نقدّر كل ما علمتنا إياه أمي ، تلك المرأة الصالحة التي كانت تجعلنا نتنافس لحفظ سور القرآن وتغدقنا بالهدايا إن قرأنا القرآن بشكل صحيح ، لن ننسى أماه كم تعبتِ لتنتجي أبناء وبناتا يثقلون الأرض بلا إله إلا الله ، ويحاولون التحليق في رحاب التوحيد ، لقد كبرنا وفتشنا في كنوز محمد وآل محمد عن قبح الكذب، لقد تبين أنه مفتاح لحجرة الرذائل و الفواحش ، فبه تهدم البيوت وتخرب العلاقات الإنسانية، ويظلم الإنسان الصالح ، فقد ورد في الأثر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله: المؤمن يزني؟ قال: قد يكون ذلك، قال: المؤمن يسرق؟ قال صلى الله عليه وآله: قد يكون ذلك؟ قال: يا رسول الله المؤمن يكذب؟
قال: لا، قال الله تعالى: " إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون ".
و قال عليه السلام: إياكم والكذب، فان الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار. (1)
لقد تعلمنا أن الكاذب لا يكذب إلا من مهانة نفسه ، و لن يذوق المرء طعم الإيمان حتى يترك الكذب جده وهزله ، فما أهون الكذب اليوم وما أسهله على الألسنة ، لقد أصبح له ألوان أيضا فهناك الأبيض والأسود وهناك المزاح وهو النوع المفضل لدى الأغلبية ، إنه يخدر الضمير كي لا يبدأ عمله بالتأنيب .
علمتني أمي الكثير و الكثير مما أحاول تطبيقه في حياتي ، لقد تراءى لي أن البعض لا يملك أماً !! ، وربما لديهم أمهات لكنهم أماتوا ذكرهم بتصرفاتهم السيئة ، فلهؤلاء أقول علمتني أمي (من أراد خير الدنيا والآخرة فعليه بترك الكذب) .
............................
اضافةتعليق
التعليقات