من البحر إلى النحر، من أقصى أرضين الخلق تحيا الأربعينية, تموت وتحيا إلى الأبد أمام القدوة الفذة الحسين (عليه السلام) يترك جمرة الحزن في القلوب ويودع في أمته ذكر التكافل والبذل والصدق والتضحية من أجل الدين والعقيدة ونصر الخلق, الأربعينية حدث ديني لا مثيل له، حيث إن الزيارة الأربعينية تفوق حشود المشاركين فيها بأعداد کبیرة أیام الحج الذي یجتمع فیه المسلمون من كل أنحاء العالم رغم أنه واجب دیني على کل مسلم یمتلك القدرة لأداء مراسم الحج, وإحياء الأربعينية في سنين الإرهاب والمرض والجوع تمثل تحدياً ورسالة سلام إلى العالم أجمع.
تشير التقارير الدولية أنه يتم توزيع ما لا يقل عن 200 مليون وجبة في العراق خلال مدة الزيارة، وكل ذلك من نفقات الفقراء والخيرين. أشارت أيضا وسائل الإعلام الدولية على إدراج زيارة الأربعين المليونية على قائمة التراث الإنساني غير المادي لمنظمة اليونسكو الأممية حيث وصفت بأنها أحد أهم الأحداث الدينية في العراق بوصفها الأكبر حجماً من حيث نسبة المشاركة والأطول من حيث الفترة الزمنية وهذا إقرار بإنتصار الثورة الحسينية المطالبة بالإصلاح.
حيث إنه رغم انتشار وباء عالمي خلّف ملايين المصابين وآلاف الضحايا فضلاً عن خسائره الاقتصادية وضعف البلد من الناحية الصحية، يستعد العراق لإقامة الزيارة الأربعينية مع كافة الاستعدادات التي توجه إلى طريق الإصلاح.
إضافة إلى أن اربعينية الإمام الحسين تكرس ثقافة التكافل الاجتماعي وهي قيمة إنسانية قبل أن تكون مبدءاً دينياً. حيث إن كربلاء تفيض بأعداد هائلة بقلوب متوجهة إلى أداء الزيارة والعزاء.
ويوضح الفقهاء في أمر الزيارة أنها تقرّب بين الأمم والشعوب، وتجعلهم وجها إلى وجه بكل ما يحملونه من أفكار وثقافات فكرية أو سلوكية، فيلتقي الشرقيون بالغربيين، وتتداخل الحضارات مع بعضها وتتلاقح في طقوس باهرة، تجمعها شعيرة إسلامية باهرة، وثائر أعظم هو الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، فيحدث التواصل العميق وتتوهج الأفكار التي تخدم البشرية في حضرة سيد الشهداء، وتغدو الأنفس مطهّرة نقيةً في أوج نقائها.
توفر الزيارة فرصة لالتقاء شتى الحضارات الشرقية منها والغربية. نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، جاءت لتفتح طريق الفكر والعمل على الإطاحة بكل الظالمين.
من سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) نتعلم أبجدية الثورات، من خلال النهضة التي أحدثتها معركة الطف، وحيثياتها التي أعطت أعظم الدروس للإنسان في كيفية إلحاق الهزيمة بالقوى السلطوية الشريرة، ومن ثم القضاء الناجز عليهم، بفعل التأثير المباشر وغير المباشر للفكر الحسيني ومبادئه المحفزّة وما تمنحه من دوافع خلاقة وإصلاح وقيم إنسانية عميقة، تضاعف من القوى الكامنة في نفوس الثائرين ضد الظلام والظالمين والشر والباطل حيث أنه من أهم أدوات النهوض إدراك الموقف واستيعابه من أجل الإصلاح الإنساني.
ومن أهم السمات التي يكتسبها الإنسان من هذه الزيارة هي سمة العطاء التي تولد لدى الفرد خصالاً أخلاقية وإنسانية حميدة كثيرة في مقدمتها الكرم والجود والإيثار وتغييب البخل والأنانية والحب المفرط للذات والقضاء على التمييز العنصري على أساس اللون والعرق والجنسية والإنتماء الفكري والديني.
إلى جانب تكريس التواضع والتذكير بالأخوة الإنسانية عامة والإسلامية خاصة, من المتوجب احياء الزيارة بديمومة لا تقبل التلكّؤ، فالمؤمنون الذين واجهوا شتى المخاطر بقلوب عامرة بالإيمان، لازالوا يبذلون جهدا من أجل إحياء زيارة الأربعين، لكي يثبتون للعالم أنهم مع القضية الهادفة قلبا وقالبا إلى الخلد.
اضافةتعليق
التعليقات