وتمرّ الأيام وتكرّ الليالي ويبقى صدى عاشوراء يصدح في آفاق الكون، معلنا الخلود لهذه الثورة المعطاءة، التي تمتد جذورها إلى أعماق ذاكرة الأمة.. ترى ما سر ديمومة هذه الثورة؟ وما هو سرّ اندفاعها بهذا الألق المتجدّد رغم تعاقب السنوات والأحقاب؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل ، لابدّ أن ندرك أنّ الغاية هي الأساس في تقييم كل حركة أو نهضة في هذه الحياة..
كما أننا نعلم أنّ الثورات التي مرّت على البشرية لم يُكتب لأكثرها الخلود ، كما كُتب لثورة السبط الشهيد ، فلقد كانت ثورة خالدة بكل المقاييس... ثورة استطاعت التغلب على الفناء والزوال ، وذلك بفضل عطاءاتها الالهية ، فغايتها إذن الهية... وما كان لله ينمو كما قيل.
وهذا الزخم العطائي لثورة الإمام الحسين عليه السلام لا يزال يتدفق باستمرار ، كما إنه بمثابة المشعل الذي ينير الدرب للثائرين والمجاهدين ولكل طلاب الحرية ، وفي نفس الوقت يحرق كل الهياكل الوهمية المزيفة التي بنت كياناتها على عروش وكراسي من شمع ، سرعان ما تذوب بحرارة تدفق تلك الدماء الزكية ولهيبها الثوري.. فهي كانت ولا تزال وستبقى نبراساً لكل إنسان معذّب ومضطهد على وجه هذه الأرض ، وهي الأمل المنشود لكل الناس الخيّرين ، الذين يبحثون عن الخلاص ، ويدافعون عن حقهم في العيش بكرامة وسلام وأمان .
وها نحن اليوم نرى النماء بأم أعيننا ، ونلمسه بكل جوارحنا ونشاهد فيوضاته في كل أصقاع الأرض ، فعاشوراء الحسين لم يتوقف مدّه عند شطآننا بل امتد إلى نقاط جغرافية ما كنا نحلم بالوصول إليها ، لكن الثورة الحسينية وصلتها ورفعت راياتها خفّاقة في آفاقها... وذلك هو النماء الذي تتحطم أمامه حدود التأريخ والجغرافيا.
لقد وُصف الامام الحسين عليه السلام بأنّه كعبة الأحرار ، فمرقده الشريف مأوى لكل أحرار العالم على اختلاف أجناسهم وقومياتهم... أما اليوم فمع الوباء المنتشر والذي حال بين العاشقين وبين مرقد معشوقهم ، نجد عظيم الألم والشوق الجارف والحسرة واللهفة وكل المشاعر المختلطة تأخذ بتلابيب العشاق من الذين كانوا يصلون المحبوب كل محرم من كل عام .. فترى أعينهم تفيض من الدمع حزنا على ما عرفوه من حقيقة الحسين عليه السلام ولم يوفقوا لزيارته بسبب الظرف القاهر الذي حال بينهم وبينه .
وقد وُصف كذلك بأنه عَبرة وعِبرة.. ففي قضيته عليه السلام تجسدت أروع صور الثبات ، وأسمى معاني التضحية والفداء في سبيل المبدأ..
فحركة الامام الحسين حركة اصلاحية وليست تأسيسية ، ومن هذا المنطلق بذل في سبيل احياء دينه الغالي والنفيس ، لكي يقيم الإعوجاج ويعيد ترتيب وضع الأمة التي عادت إلى قيم الجاهلية مرة أخرى ، تتحكم بها أهواء القوم فيسوسهم أراذل خلق الله ، فلا ينبغي أن نتعامل مع ثورته على أنها ثورة لطم وبكاء، وإنما هي مدرسة للوفاء والإيثار والنبل وكل قيم السمو ، فهو لم يخاطر للخروج من المدينة بأهل بيته وأصحابه ، إلا لعظم قضيته ورسوخ عقيدته ، ولأن سكوته على ظلم آل أمية هو مشاركة لهم ومؤازرتهم لظلمهم ، وهذا ما لا يرتضيه أبيّ الضيم..
من هنا تعلّم العاشقون لأبي الأحرار، وتتلمذوا في مدرسته على مبدأ الإباء ورفض الذل.
اضافةتعليق
التعليقات