إن تنشئة طفل سوي نفسيًا يشير إلى التربية السليمة التي تلقاها من أسرته و التي تلعب دورًا هامًا في تربية الطفل وتكوين شخصيته وتحديد سلوكه وهو أمر يُدركه جميع الآباء لذا يحاولون تربية أبنائهم ليصبحوا أفضل ، ولكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي للتربية السليمة فهناك العديد من الأخطاء التي يقع فيها الآباء وتؤثر على شخصية الأبناء في المستقبل، وعادة ما يرتكبها الآباء بحسن نية و من هذه الأخطاء:
- (التدليل الزائد و إعطاء الطفل الحرية المطلقة في تصرفاته ) و هو أسلوب يتبعه بعض الآباء بدافع من الحب و خاصة مع الطفل الأول أو الطفل الذكر بعد عدد من الإناث .
- و على العكس من النقطة السابقة فإن بعض الآباء يتبع أسلوب (التشديد و الزجر و رفض أي تصرف من الطفل) حيث من المعلوم أن استخدام الكبْت والقمع، والإفراط فيهما يؤدي حتمًا إلى اختلال شخصية الطفل، إما بانعدام شخصيته نهائيا أو غرس روح العنف فيه.
و بما أن «خير الأمور أوسطها» ف إن الوسطية في التربية هي الأساس، فلا إفراط في التدليل أو العنف، ولا إهمال لكبح الطباع الجامحة عند الطفل، لذا يجب على الوالدان التوازن و السماح للطفل بالتصرف ضمن حدود الحرية .
فما هي حدود الحرية؟
الحريّة هي قيام الفرد بأي عمل يريده وفق ضوابط و حدود ، و حدود الحرية أربعة و هي :
1. الحد الديني
حدود إلهيّة بيد الله سبحانه وتعالى لا يستطيع أي إنسان تجاوزها أو الانعتاق منها سوى الملحدين الّذين لا يؤمنون بالله .
2. الحد الأخلاقي
و هي حدود تؤثر في ضبط مفهوم الحرية وتنظيم حدودها، وذلك من خلال وضع الأسس التي يجب أن تحتكم إليها أفعالنا وأقوالنا .
3. الحد القانوني
حدود تصنعها السّلطة من خلال القوانين التي تضعها، وتكون هذه السّلطة بالقهر أو بالاتفاق مع النّاس ، و تختلف من دولة لأخرى .
4. الحد الصحي
وهي حدود تتعلق بصحة الأشخاص ، يسبب تجاوزها الأذى و الضرر لهم .
إذاً متى يكون تصرف طفلي مقبولا؟
الجواب هو : عندما يكون تصرف طفلك ضمن هذه الحدود الأربعة و لا يتجاوز أي منها فهنا يكون تصرفه مقبولا و من الخطأ أن يمنعه الوالدان ، و بالمقابل فإن أي تصرف يتجاوز أحد هذه الحدود الأربعة هو تصرف ممنوع و يجب على الوالدين أن يرفضاه .
أمثلة عملية :
1- طفلك يلعب بالكهرباء .
التحليل : هل هذا التصرف يتجاوز الحد الديني؟ لا
هل يتجاوز الحد الأخلاقي؟ لا
هل يتجاوز الحد القانوني؟ لا
هل يتجاوز الحد الصحي؟ نعم
إذاً فتصرف الطفل مرفوض لأنه تجاوز أحد حدود الحرية و هو الحد الصحي .
2- طفلك يتلفظ بالشتائم .
التحليل : هل هذا التصرف يتجاوز الحد القانوني؟ لا
هل يتجاوز الحد الصحي؟ لا
هل يتجاوز الحد الديني؟ نعم
هل يتجاوز الحد الأخلاقي؟ نعم
إذاً فتصرف الطفل مرفوض لأنه تجاوز حدين من حدود الحرية و هما الحد الديني و الأخلاقي.
3- طفلك يتحرك كثيراً (يركض ، يقفز) / طفلك يلعب بالرمل ( دون أن يضعه في فمه) طفلك يرسم على كتاب القصة الخاص به .
التحليل : هل هذا التصرف يتجاوز الحد القانوني؟ لا
هل يتجاوز الحد الصحي؟ لا
هل يتجاوز الحد الديني؟ لا
هل يتجاوز الحد الأخلاقي؟ لا
فهنا تصرف الطفل مقبول لأنه لم يتجاوز أي حد من حدود الحرية.
4- طفلك يقوم بضربك عندما ترفض طلبه .
تصرفه ممنوع منعاً باتاً لأنه يتجاوز جميع حدود الحرية (الأخلاقي – الديني – الصحي – القانوني)
5- طفلك يقوم باللعب بأدوات المطبخ الحادة (كالسكين مثلا)
تصرفه مرفوض لأنه تجاوز الحد الصحي.
و من الجدير بالذكر أن تكون طريقة الرفض مناسبة و ليس بالعنف أو الضرب أو الصراخ و إنما :
• بالحفاظ على الهدوء و إدارة الغضب أولا .
• إجراء حوار مع الطفل يشرح به الوالدان سبب رفض هذا التصرف مع إعطائه فرصة التعبير عن رأيه .
• يقدم الوالدان بدائل و خيارات أخرى للطفل .
مثلا : الطفل يلعب بالسكين ، على الوالدان الحفاظ على هدوئهما و من ثم اخذ السكين بكل هدوء من الطفل و إجراء حوار ("ماما/بابا هذه أداة خطرة ربما تسبب لك الأذى ، ما رأيك أن تلعب بهذه الملعقة البلاستيكية؟ واااو انظر إن لونها احمر جمييل ").
موقف آخر : الطفل يرفض النوم باكراً و يريد السهر ( تصرفه مرفوض لأنه يتجاوز الحد الصحي) فعلى الوالدين شرح نبذة مختصرة عن فوائد النوم باكرا و أضرار السهر للطفل (بشكل سلس أو على شكل قصة قصيرة) و يخبرانه أنهما يحبانه و يريدان أن يراه يكبر بصحة جيدة و من ثم تقديم خيارات للطفل ( "إما أن تنام في الساعة الثامنة و النص أو الساعة التاسعة") و هنا بالتأكيد سوف يختار الساعة التاسعة و هذا وقت جيد بالنسبة لنا بالإضافة إلى انه بهذا التصرف يتعلم معنى أن يكون مسؤولاً وبقرار منه.
و في النهاية نصيحة للوالدين : احترموا شخصيات أبنائكم ومشاعرهم من دون إلغاء لشخصياتكم وتوجيهاتكم، فالابن بحاجة إلى سلطة حانية وتوجيهات سليمة ليعيش في راحة وطمأنينة نفسية، لا إفراط في السيطرة ولا إهمال ، لان ذلك يصيبهم بالتعاسة ، ويجعلهم شخصيات مهزوزة لا تقدر على اتخاذ القرارات أو مواجهة المشكلات التي تصادفهم في الحياة، ويحتاجون لطلب المشورة في كل صغيرة وكبيرة، ولهذا تتحول لديهم التحديات العادية إلى مشكلات غير قابلة للحل، فيصبح أغلبهم انطوائيين ويصابون بالإحباط ، اذاً فسلطة الآباء لها حدود إذ يجب ألا تمس نفسية الأبناء وكرامتهم أو تجريدهم من حقوقهم وإنسانيتهم، فلا يلجأ الآباء إلى الضرب أو الشتم أو الإهانات بدلاً من اللجوء إلى التربية الصحيحة.
اضافةتعليق
التعليقات